4,711 عدد المشاهدات
خاص – د.حمادة هجرس .. مركز جمال بن حويرب للدراسات
تؤكِّد المصادر التاريخية الصينية أنَّ الصينيين كانت لديهم معرفة قوية بالعرب قبل الإسلام بعدة قرون، حيث يرجع تاريخ العلاقات بين الحضارتين إلى قبل الإسلام. كانت سياسة أسرة هان (206 ق.م-8م) تهدف إلى فتح طرق تجارية مع الأقاليم الغربية للصين فيما عُرِفَ لاحقاً بطريق الحرير، ووفقاً لما ورد في المجلد رقم (88) بعنوان المناطق الغربية، والمقصود بها الأقاليم الغربية للصين قديماً- تمثّل حالياً آسيا الوسطى، والهند وغرب آسيا وصولاً إلى شبه الجزيرة العربية وإفريقيا- من كتاب الفترة الزمنية اللاحقة لأسرة هان (206 ق.م-8م)- والمؤرخ بعام 91 ق.م، فقد أرسل الإمبراطور وُو (141-87 ق.م، أسرة هان) جانغ تشيان (ت 114 ق.م) في بعثتين إلى غرب آسيا؛ الأولى كانت في عام 139 ق.م، والثانية عام 119 ق.م. زار خلالهما چانج تشيان عديداً من الدول مثل: منطقة تركستان الشرقية والهند وأفغانستان وآسيا الوسطى والعراق وسوريا، وبعد عودته من رحلته وصف بلاد العــرب لإمبراطور الصين وذكر: أنها تقع غرب بلاد فارس.
إضافة إلى ذلك، كان للتجار العرب دورٌ مهمٌّ في العلاقات التجارية بين الصين والغربقبل القرن الخامس الميلادي، لذلك كان الصينيون في عهد أسرة هان على دراية جيدة بالعرب.
تشير المصادر التاريخية الصينية مثل كتاب تانغ القديم إلى أنَّ الصينيين لم يسمعوا عن الإسلام إلا في عام (17ھ/ 639م)، خلال عصر أسرة تانغ (618-907م)، في فترة حكم الإمبراطور تايزونغ (626-649م)، عندما استقبل بلاطه سفارة من آخر الحكام الساسانيين يزدجرد الثالث (631-651م) يطلب المساعدة ضد الجيوش العربية الغازية لبلاده، إلا أنَّ الإمبراطور تجنّب الأمر درءاً للمتاعب التي قد تنتج عن ذلك.
هناك ثمة اتفاق أنَّ الإسلام وصل إلى بلاد الصين عام 29ھ /651م؛ ففي ذلك العام كانت أول سفارة عربية إلى بلاط أسرة تانغ، كأول اتصال مباشر بين الصينيين والعرب. أكدت المصادر الصينية هذا الاتصال؛ فنجد في كتاب التاريخ الحديث لأسرة تانغ خبر هذه السفارة كما يلي: “خلال السنة الثانية لفترة يونغ هوي (ت 64ھ /683م)، استقبل بلاطه مبعوثاً رسمياً عربياً، وقدم العربي التحية من ملك العرب أمير المؤمنين للإمبراطور…”.
الأساطير المتعلقة بوصول الإسلام للصين
إنَّ الروايات والأساطير المرتبطة بالديانات في بلاد الصين نجد لها أصولاً في الديانات القديمة بالصين مثل البوذية والطاوية… وغيرها. وفي هذا الاتجاه حفلت المصادر العربية والصينية الإسلامية بعديد القصص والأساطير المتعلقة بوصول الإسلام إلى بلاد الصين وكذلك وضع المسلمين فيها.
عمامة الإمبراطور… ومولد النبي
حفل التراث والثقافة المحلية الخاصة بالمسلمين والقوميات الصينية المسلمة بروايات وأساطير تتعلَّق باهتمام الأباطرة الصينيين بالإسلام ونبيه الكريم، كما تتناول كيفية وصول الإسلام للصين؛ من بين تلك الروايات أنه خلال السنة الثالثة لفترة حكم الإمبراطور تايزونغ (ت 28ھ/649م) لأسرة تانغ، رأى الإمبراطور في منامه رؤيا أنه رأى نفسه يرتدي عمامة رجل طردت الشيطان خارج قصره، على الرغم من كون هذه القصة غير مؤكدة إلا أنَّ مفادها كان قيام الإمبراطور بطلب المساعدة من حاشيته، وتمَّ تفسير الرؤيا على أنها ميلاد رجل حكيم في بلاد الغرب (يُقصَد بالغرب هنا بلاد العرب الواقعة غرب الصين) سيكون له أتباع شجعان، وأنَّ الشياطين هي نذر وطوالع فتن وقلاقل سوف تُحل على يد المسلمين، ووفقاً لذلك بعث الإمبراطور سفارة إلى الغرب لطلب المساعدة من المسلمين للتعامل مع المشكلات المتوقعة.
هجرة سعد بن أبي وقاص للصين
حوى القصص الخاص بالمسلمسن الصينيين، بعديد من القصص التي تتعلق بهجرة عدد ليس بالقليل من صحابة النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى الصين؛ إحداها اختصت بهجرة الصحابي الجليل “سعد بن أبي وقاص” إلى بلاد الصين، ومفادها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أرسل “سعد بن أبي وقاص” أربع مرات إلى الصين في وفد من الصحابة، وذُكرت هذه القصة في عديد المصادر الصينية الإسلامية المؤرخة بالقرن (8هـ/14م) خلال عصر أسرة مينغ، وأشارت جميعها إلى وصول “سعد بن أبي وقاص” إلى بلاط أسرة تانغ على رأس سفارات نبوية كريمة، ووفقاً لهذه الروايات، فقد وصلت هذه السفارات إلى القصر الإمبراطوري عبر الطريق البحري مروراً بالمحيط الهندي، وصولاً إلى ميناء خانفو (غوانتشو)، ثمَّ سافرت براً إلى مدينة إتشانجآن، عاصمة أسرة تانغ، عبر ما عرف لاحقاً باسم طريق الحرير، بل وتذهب الروايات الصينية إلى أكثر من ذلك حين تذكر أنه استقرَّ في الصين وأقام بمدينة غوانتشو ومات بها، ودفن في المقبرة التي تُعرَف باسمه وما زالت قائمة حتى يومنا هذا.
وأمّا هذه المقبرة، فعمارتها جاءت وفقاً لسمات العمارة الإسلامية وهو ما كان مغايراً لأساليب العمارة الصينية الخشبية، فضلاً عن استخدام مفردات العمارة الإسلامية مثل القبة ومناطق الانتقال والمقرنصات وغيرها.
الحقيقة أنَّ هذه الروايات غير موثوقة ولا يعتدُّ بها؛ لأنَّ المصادر التاريخية العربية لم تُشِرْ أبداً إلى ذهاب الصحابي الجليل “سعد بن أبي وقاص” للصين. على أية حال، مازال المسلمون الصينيون يؤمنون بهجرة الصحابي “سعد بن أبي وقاص” وأنَّ القبة الموسومة باسمه خاصة به وتضمُّ رفاته.
حكاية ابن وهب والإمبراطور
أورد التاجر سليمان في كتاب أخبار الصين والهند– أول المصادر الإسلامية عن الصين- على لسان ابن وهب القرشي (ت 257ھ/ 870م) ، حيث ذكر عند مقابلته لإمبراطور الصين اهتمامه بالعرب والإسلام، ثمَّ استطرد قائلاً: “ثم قال– أي الإمبراطور- للترجمان: قل له –أي ابن وهب- أتعرف صاحبك إن رأيته، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: وكيف لي برؤيته وهو عند الله عز وجل، فقال: لم أُرِدْ هذا إنما أردت صورته، فقال: أجل فأمر بسفط فأُخرج فوُضع بين يديه، فتناول منه درجاً، وقال للترجمان: أَرِه صاحبه فرأيت في الدرج صور الأنبياء فحركت شفتي بالصلاة عليهم، ولم يكن عنده أنى أعرفهم”. هذه القصة بالطبع توضح حجم الأساطير المتعلقة بالإسلام في الصين، فكيف للصينيين الذين لم يعتنقوا الديانات السماوية أن يحتفظوا بتصاوير للأنبياء مثل نوح وعيسى ومحمد –عليهم السلام- كما ورد في القصة.
يتبيَّن لنا مما سبق، أنَّ الإسلام شأنه شأن الديانات الأخرى صاحب انتشاره في الصين، يبدو أنَّ المسلمين الصينيين كونهم أقلية دينية عاشت في بلاد لم يحكمها أبداً المسلمون من ناحية وبعيداً عن ديار الإسلام من ناحية أخرى، قد تأثروا بمفهوم الاغتراب، وهو ما جعلهم خلال عصور وقرون لاحقة بعد وصول الإسلام لبلاد الصين، يبحثون في كيفية وصول الإسلام إلى هذه البلاد البعيدة، فنسجت مخيلاتهم أساطير وحكايات. في حين قد ينظر البعض إلى مثل هذه الحكايات كأساطير وخرافات لا تقبل المنطق، بل وقد يوسمها البعض بالكذب والتدليس، إلا أنني أرى فيها نتاج حضاري وثقافي بل وربما أدبي عظيم الشأن، وهذا مرده إلى أنَّ المسلمين الصينيين دخلوا في صراع فكري مع أنفسهم، فأدركوا ضرورة البحث عن أصول الإسلام في الصين، فاندفعوا بحماسة عظيمة إلى تسجيله وتوثيقه ليكون نبراساً لهم ولأجيالهم الباقية، يؤرخون فيه تاريخهم وأصولهم ولغاتهم، ومن ثمَّ أضافوا مزيداً من الأساطير والخرافات لقصصهم.
قائمة المصادر والمراجع
- رضوان ليولين روي, اللغة العربية في الصين، سوريا،, مجلة المجمع العلمي العربي، العدد الرابع (1 أكتوبر 1987م)، صـ صـ 715, 734.
- السيرافي (أبو زيد حسن بن يزيد، ت 368ھ )، رحلة السيرافي, المقدمة، المجمع الثقافي، أبو ظبي 2009م.
- الطبري (أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، ت 310ھ )، تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك)، الجزء الرابع، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف بمصر (د ت).
- Al Saadi, Abdullah Saleh, “The Origins of Omani-China Friendship: A Historical Review,” Journal of Middle Eastern and Islamic Studies (in Asia), 2012, Vol. 6, No. 2, pp. 84-105.
- Benite, Aziz Ben-Dor, “Even unto China, Displacement and Chinese Muslims Myths of Origin,” Bulletin of The Royal Institute for Inter: Faith Studies 4, 2002, No. 2, pp. 93-114.
- Benite, Aziz Ben-Dor,“The Marrano Emperor, The Mysterious, Intimate, Bond between Zhu Yuan zhang and his Muslims,” in Sarah Schneewind, Long Live The Emperor: Uses of Ming Founder Across Six Centuries of East Asian History, Ming Studies research Series, 2008, No.4, pp. 275-308.
- Broomhall, Marshall, Islam in China, a Neglected problem, London, 1910.
- Chenyu Ning; Tang Xiaofang, zhōngguó huízú wénwù, Ningxia People’s Press, 2007.
- Chenyu Ning;Tang Xiaofang, “huízú gǔdài zōngjiào jiànzhú de wénhuà yìshù tèzhēng,” xīběi mínzú yánjiū, 2007, Vol. 4, No. 55, pp. 15-22.
- Leaning, Melanie & Pratt, Douglas, “Islam in China, From Silk Road to Separatism,” The Muslim World, 2012, Vol. 102, pp. 308-335.
- Lei Yu, “zhōnggǔ shíqí yīlǎng yǔ zhōngguó de sī lù shāngmào,” zhōngguó xuéshù qíkān, 2011, No. 1, pp. 138-142.
- Leslie, Donald, The Integration of Religious Minorities in China, The case of Chinese Muslims, Australian National University, 1998.
- Lipman, Jonathan, Familiar Strangers, A History of Muslims in Northwest China, Washington, University of Washington Press, 1997.
- Steinhardt, Nancy, “China’s Earliest Mosques,” Journal of The Society of Architectural Historians, 2008, Vol.67, No.3, pp. 330-361.
- Stockwell, Foster, Religion in China Today, Peking, 1993.
- Wangtie Zheng, “lìshǐ shàng de zhōng ā wénmíng jiāowǎng,” Journal of Northwest University (Philosophy and Social Sciences Edition), Vol. 34, No. 3, pp. 115-119.
- Wangxiao Fu, shǐ zhèngdà tǔ táng zhì shí fān guānxì, Beijing University Press, 1992.