2,586 عدد المشاهدات
تفيض خزائن المعارف العربية بمئات المصنفات التي تعتني بتوثيق عالم الخيل، سواء منها ما وصل إلينا أو التي ضاعت في غياهب النسيان أو التلف بما مر عليها من نوائب الدهر التي ألمت بالعالم الإسلامي قديماً. وهذا ما أوضحه الملك عبد الله بن الحسين الأول، مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية، في كتابه النادر والمفيد الذي لخص فيه أساسيات عالم الخيل وما يكتنف هذا المخلوق المكرَّم من موضوعات لا يستغني عنها الباحث في هذا المجال، ويستفيد منها كل من ملك فؤادَه حبُّ الجواد العربي الأصيل الذي رافق العرب في أيامهم، وسطَّرت أمجادَه أشعارُهم وخطبُهم.
فجاء كتاب «جواب السائل عن الخيل الأصائل» عصارة مركَّزة أوجز من خلالها المغفور له الملك عبد الله بن الحسين ما يتعلق بعالم الخيل، وبيَّن أن العرب عنيت بتلك العاديات الصافنات الجياد، وأسهبت في الكتابة عنها، وإنما لم يصل إلينا من ذلك إلا «ثمد من قطر ووشل من بحر».
فضائل
يفتتح المؤلف كتابه بالحديث عن فضائل الخيل وأصنافها، فيذكر أنه يكفي الخيلَ فخراً ومكانةً ما خلَّده القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة من فضلها وكرم نسلها. كقول الله عز وجل: ﴿إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد﴾، وقوله تعالى: ﴿والعاديات ضبحًا﴾، والقسم عند العرب يدل على تعظيم المقسَم به كما هو مقرر في فقه اللغة. كما أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن فضل الخيل في أحاديث عدة، كقوله عليه الصلاة والسلام: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة».
ثم يبين المؤلف في هذا الفصل مختصراً عن أصناف الخيل، إذ هي ثلاثة: العراب والعجميات والموَّلدات. فالعراب هي أفضلها وأغلاها قيمة، وتُطلب للسبق والغزو وتتغالى ملوك العرب في أثمانها.
أما العجميات، وهي البراذين، وتعرف بالأكاديش، فهي من مجلوبات بلاد الترك والروم، وتطلب لسرعة السير والصبر في الأسفار. والثالثة المولَّدات، وهي بين العراب والبراذين؛ فإن كان الأب عجمياً والأم عربية قيل له «هجين»، وإن كان الأب عربياً والأم عجمية قيل له «مقرف»، وهو متوسط في الجري والسير بين النوعين.
ألوان الخيل
وفي حديثه عن «الخيل وألوانها» ينقل الكاتب ما ورد عند ابن أبي إصبع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستحب من الخيل الشُّقر، وقال: لو جمعت خيل العرب في صعيد واحد ما سبقها إلا أشقر.
ويذكر أن أصول الألوان في الخيل أربعة، وما سواها فرع عنها: أولها الأبيض، وهذا اللون قل أن يخلص من لون يخالطه. فإن صفا بياضه قيل فيه أشهب قرطاسي، وإن كان خالط البياض شعر أسود والأغلب فيه البياض قيل أشهب كافوري، وإن كان السواد غالباً قيل أشهب حديدي. ويستفيض في ذكر السمات التي تطرأ على اللون الأبيض. ثم يأتي اللون الأسود، فإن كان الفرس شديد السواد قيل فيه: أدهم، وله تفاصيل لونية يشرَّب بها السواد. أما اللون الثالث فالأحمر، فإن كان الفرس خالص الحمرة وذيله أسود قيل فيه أورد، فإن خالط حمرته سواد فهو كميت. ويختتم المؤلف ألوان الخيل باللون الأصفر، ثم يستفيض أيضاً في تفاصيل الألوان التي تطرأ على كل لون منها.
أوصاف الأصائل
وفي حديث الملك عبد الله بن الحسين عن «صفة جياد الخيل»، يمتعنا خوضه في عوالم الخيول وصفاتها، إذ ينقل ما روي عن معاوية رضي الله عنه أنه سال صعصعة بن صوحان: أي الخيل أفضل؟ قال: الطويل الثلاث، القصير الثلاث، العريض الثلاث، الصافي الثلاث. قال: فسِّر لنا. قال: أما الطويل الثلاث، فالأذن والعنق والحزام. وأما القصير الثلاث، فالصلب والعسيب[1] والقضيب. وأما العريض الثلاث فالجبهة والمنخر والورك. وأما الصافي الثلاث، فالأديم والعين والحافر.
كما يستدل على عتاقة الفرس برقة جحافله وأرنبته، وسعة منخريه وعري نواهقه ودقة حقوبه، وما ظهر من أعالي أذنيه، ورقة سالفته وأديمه وشعره، وأبين من ذلك لين شكير ناصيته وعرفه.
ثم يروي أن مما يدل على عظم شأن الخيل والفخر بسرعتها تسميتها بعشرين اسماً من أسماء الطير، وأنشد في ذلك أبياتاً جميلة لأبي حزرة، لا تتسع لها هذه القراءة.
الأغر والمحجَّل
ثم يشرع الكاتب في ذكر «شيات الخيل»، وهي البياض المخالف للونها؛ فمنها «الغرة»، وهي البياض الذي يكون في وجه الفرس إذا كان قدره فوق الدرهم، فإن كان دون الدرهم قيل في الفرس: «أقرح». ثم يستفيض الكاتب في أوصاف الفرس الأغر، وما يخالط غرته من ألوان وصفات وأحجام. ويبين أنه إن كان في شفته العليا بياض فهو «أرثم»، وإن كان في السفلى فهو «ألمظ».
أما التحجيل ففي الرجلين، فإن كان البياض في مؤخر الرسغ لم يستدر عليه قيل في الفرس: «منعل». وكذلك فإن ثمة تفاصيل غاية في الروعة اللغوية والغنى التعبيري يذكره الكاتب في وصف ألوان وأصناف التحجيل، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الغاية التي وصلت إليها كرامة الجواد العربي حتى اعتنت العرب بأدق التفاصيل حتى في ألوان أطرافه؛ فأبيض الأذنين هو «الأذرأ»، وأبيض الرأس: «أصقع»، وأبيض القفا: «أقنف»، وأبيض الناصية: «أسعف»، فإن ابيضَّ جنباه قيل: «أسخف»، فإن ابيضَّ عرض ذنبه من أعلاه فهو: «أشعب». فإن عدا عرقوبه البياض جملة قيل: «بهيم» و«مصمت» من أي لون كان.
خيول مستحسنة
ثم يستقصي المؤلف ما استحسنته العرب من الخيول، فيروي عنهم أنهم يفضلون دقة الأذنين وطولهما وانتصابهما، ودقة أطرافهما، وقرب ما بينهما، وكل ذلك من علامات العتق. ويستحسن في الناصية اعتدال شعرها في الطول. كما أن العرب تفضِّل عِظَمَ الرأس وطوله وسعة الجبهة، وملاسة الخد ودقته، وقلة لحم الوجه وعري الناهضين، وهما عظمان في الخد، ويستحسنون سعة العين وصفاء الحدقة، كما يستحب في العين السمو والحدَّة ورقة الجفون وبعدُ النظر.
أما المنخر فيستحب فيه السَّعة؛ لأنه إن ضاق شقَّ عليه النفَس. ويستحب في الفم الهرت، وهو طول شق شقيه من الجانبين؛ لأنه أوسع لخروج نفَسه. كذلك يفضل طول لسانه ورقَّته لأنه أسهل لقضم العلف وصفاء الصهيل.
أما العنق فالمستحب فيه الطول، وقصر الظهر وعرض الصهوة، وهي مقعد الفارس من الظهر، وقلة لحم المتنين، وهما ما تحت دفتي السَّرج من الظهر. ويرى العرب من الصفات المستحسنة في الخيل استواء الكفل واستدارته وملاسته وتدويره، وطول السبيب، وهو الشعر المسترسل في ذيله، وقصر العسيب، وهو عظم الذنب وجلده.
ومن تفضيلات العرب للفرس أن يرفع ذنبه عند العدو، ويقال: إن ذلك من قوة الصُّلب. وفي هذا الفصل تفاصيل رائعة ودقيقة عن تفضيلات العرب لأفراسها وما يميز الجواد الأصيل من سمات تغري به النبلاء وأهل المعرفة بالأصالة. كما أن الكاتب لا يخفى عليه أن يبين مقابل ذلك ما تستقبحه وتذمه العرب من أوصاف الخيل بتفصيل يشفي غليل المهتمين وعشاق كرائم أموال العرب، وكذلك العيوب الحادثة التي تطرأ على الفرس السليم.
كما يستعرض الكاتب الدوائر في الخيل، إذ منها ما تراه العرب مستحباً، ومنه ما تعده مكروهاً، حيث ينقل ما ذكره صاحب «زهر الآداب في اللغة»، أنهم يسحبون من الدوائر المقود ودائرة السمامة ودائرة الهقعة احتجاجاً بأن أبقى الخيل المهقوع، ويكرهون دائرة النطيح ودائرة اللهزمة ودائرة القالع.
علامات نجابة
ولم يغفل الكاتب الهاشمي حتى أدق التفاصيل المتعلقة بالخيل، كتفصيل الحديث عن أسنانها، وتسميتها وأصنافها، وأوقات بروزها.
ومن مهمات ما ذكره المؤلف أن التفرس في الخيل أمر ليس بالأمر الهين، فربما ظهرت علامات النجابة في مهر ثم يتغير مع الزمن، وقد يكون العكس، وأن أفضل الفراسة في المهر الأخذ في الجري وهو جواد، ولكنه ربما يتغير أخذه في الجري إذا ركب لضعف فيه حينئذ. وقد لا يجري جذعاً ويجري ثنياً، وقد لا يجري ثنياً ويجري رباعياً، ويعرف ضعف الضعيف منها بتلوّيه تحت فارسه وعجزه عنه وفترته إذا نزل عنه.