2,265 عدد المشاهدات
الكاتب: خالد علي العميرة
منذ نشأة أبوظبي وحتى الخمسينيات من القرن الماضي، كانت المواصلات البريدية فيها منعدمة، باستثناء الكمِّ اليسير من البريد الشخصي الخاص بحكَّام الإمارة والتجار، فلم تقتضِ الحاجة وجود مكتب بريد لخدمة سكان البلدة في ذلك الوقت، لذلك اعتمد العدد القليل من هؤلاء السكَّان على وسائل أخرى في نقل وتوصيل الخطابات إلى الأهالي والأصدقاء في الأماكن البعيدة.
كان بريد الحكَّام الرسمي والشخصي يُرسَل عبر الحرّاس الشخصيين «المطارزي»، وأحياناً أخرى عبر مبعوث خاص من الحاكم، وعادةً ما يكون اختيار المرسل تبعاً لأهمية موضوع كل خطاب أو الشخصية المرسل إليها. في حين كان اعتماد التجار في نقل البريد في الغالب وضمن الإمكانات المتاحة، على ما توافر لهم من مواصلات أو بوساطة رجال امتهنوا نقل البريد والبضائع لوجهات محددة. كانت تجارة أبوظبي مرتبطة في الداخل مع عمان، وهي في معظمها تجارة في المواد الغذائية مثل التمور وغيرها، إلا أنَّ خطوط التجارة الأهم والأسرع تبقى تجارة بعض الموانئ على الساحلين العربي والفارسي، وهي موانئ لا ينقطع عنها بريد التجار ذهاباً وإياباً.
بريد أبوظبي الحكومي
في رسالة مؤرخة في شهر ديسمبر 1826م، ورد اسم عبدالله بن سليم، كموفد من الشيخ طحنون بن شخبوط الفلاحي إلي الإمام سعيد بن سلطان آل بوسعيد، يحمل خطابات ورسائل شفهية إليه ومنه إلى أبوظبي. وتذكر رسالة أخرى مؤرخة في 9 مارس 1829م، قيام شيبان الخميري في 19 فبراير 1829م بإرسال خطابات الشيخ طحنون بن شخبوط إلى مسقط، كما جاء ذكر شيبان موفداً يحمل بريداً من الشيخ طحنون إلى الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، في رسالة مؤرخة في 12 نوفمبر 1829م. وفي أحيان أخرى وعندما لا يجد الوكيل السياسي من يقوم بتوصيل البريد إلى أبوظبي كان يبعث بوساطة خليفة بن دميثان، والذي بدوره كان يرسل من طرفه المبعوث المناسب الذي يحمل البريد إلي الشيخ، وكان كذلك يتسلم البريد بالطريقة نفسها، عبر مبعوث من خليفة بن دميثان إلى الوكيل السياسي في الشارقة.
الطارش الموثوق
في أحيان أخرى كان البريد الرسمي المرسل إلى أبوظبي يبعث عبر «طارش» مكلف من الوكيل السياسي، ففي رسالة مؤرخة في 19 مارس 1828م، يذكر الملا حسين بأنَّ السفينة الحربية «تيرنيت» التي يقودها القبطان ريشادرسون قد وصلت إلى الشارقة، وأنه قد تسلم من القبطان خطاباً موجهاً إليه، وخطابات أخرى إلى سالمين بن ناصر وسلطان بن صقر القاسمي والشيخ طحنون بن شخبوط الفلاحي، لترسل بعد ذلك إليهم عبر الطارش. ويذكر في رسالة أخرى أنه تسلم خطاباً مرسلاً من الكابتن ولسون بتاريخ 6 أكتوبر 1828م من أبوظبي، وعلى الرغم من أنه لم يذكر كيفية تسلم البريد إلا إذا كان «الطارش» معروفاً جداً، وفي العادة تبعث هذه الخطابات بوساطة الطارش عبر مراكب عند تأخر زيارة السفن الحربية للمنطقة ويبرز أيضاً، اسم سالمين بن خميس، وهو من أهالي الشارقة في نقله لمراسلات الحكام، فيذكر الملا حسين في 13 إبريل 1829م، بأنه كلف من السلطان سعيد بن سلطان بنقل رسالتين؛ واحدة موجهة إلى الشيخ سلطان، وأخرى إلى الشيخ طحنون بن شخبوط. كما جاء ذكر محمد بن علي بوشليبي مبعوثاً من الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، يحمل خطاباته إلى الشيخ طحنون بن شخبوط الفلاحي. كان معظم بريد حكومة أبوظبي المرسل إلى المقيم البريطاني السياسي، يُنْقَل بوساطة الوكيل السياسي المحلي، ففي رسالة مؤرخة في 2 إبريل 1830م، يذكر الملا حسين أنه تسلّم رسالة من الشيخ طحنون بن شخبوط الفلاحي في 1 إبريل 1830م، موجهة إلى المقيم البريطاني، ليقوم بإرسالها عبر مركب تابع لأم القيوين متوجه إلى بوشهر.
وكيل للتراسل
في فترة حكم الشيخ خليفة بن شخبوط الفلاحي (1833م-1845م)، ورد اسم سعيد بن سليم، وكيلاً للشيخ سلطان بن شخبوط الفلاحي، وموفداً يحمل بريد ورسائل الحكومة إلى الوكيل السياسي المحلي، كما جاء ذكره كموفد من الشيخ خليفة إلى سعد بن مطلق أثناء وجوده في منطقة البريمي. وأيضاً كان سعيد بن سليم موفداً يعتمد عليه في عهد الشيخ سعيد بن طحنون الفلاحي، حاكم أبوظبي في الفترة من (1845-1855م). وكان ذياب بن عيسى الفلاحي، وهو ابن عم الحاكم، موفداً خاصاً لرسائل الشيخ خليفة بن شخبوط، ففي 16 يونيو 1843م، أرسله مع عشرة رجال يحملون خطاباً إلى الشيخ صقر بن سلطان القاسمي.
في عهد الشيخ خليفة بن شخبوط الفلاحي، يلاحظ أنَّ الوكيل السياسي قد خصَّص له سفينة لتسهيل عملية التنقل بين الإمارات، فأصبح أكثر اعتماداً على مواصلاته في نقل البريد الرسمي من وإلى الشارقة. ففي 14 سبتمبر 1838م، يذكر الملا حسين أنه أرسل السفينة الخاصة به إلى الشيخ خليفة بن شخبوط الفلاحي، لتوصيل بريد المقيمية وتسلم الرد منه. وفي رسالة مؤرخة في 27 يوليو 1839م، يذكر أنه أرسل خطاباً إلى الشيخ خليفة في 13 يوليو 1839م، ثمَّ قام بإرسال سفينته لتسلم بريد الشيخ خليفة ليقوم بتوصيله فيما بعد إلى المقيم السياسي في بوشهر.
دور ميناء لنجة
وصف رحالة فرنسي زار ميناء لنجة في سنة 1674م، بأنها قرية عربية كبيرة، وجاء في تقرير هولندي كتب سنة 1764م، بأنَّ ساكنيها من عرب «الهولة»، من المرازيق، والميناء يمتلك خمسين مركباً، عليها 700 من الرجال الأشداء، منهم 350 مسلحاً بالبنادق، وقائدهم هو سعيد بن قضيب الهولي. كان ميناء لنجة منذ 1830م ولغاية 1909م، أكثر الموانئ المرتبطة بتجارة الإمارات، فكان مركز تصدير البضائع الأول في ذلك الوقت، ويذكر الأديب عبدالغفار حسين في محاضرة بعنوان «حديث عن تجارة دبي بين مستهل القرن العشرين ومنتصفه» ما نصّه:
«كانت لنجة مركزاً للاقتصاد الخليجي، وفيها جمع من كبار التجار، وخليط سكاني من العرب والعجم والهنود والإفريقيين والأوروبيين، وكانت لنجة تزوّد لارستان في فارس بكل ما تحتاج إليها من مواد؛ أطعمة وأقمشة، وغير ذلك ممّا يرد إلى لنجة من الخارج».
لم تكن لنجة مركزاً تجارياً مهماً فحسب، بل أيضاً مركز اتصالات لبريد التجار والوكلاء المحليين السياسيين في المنطقة. يذكر الوكيل السياسي في الشارقة في رسالة مؤرخة في أكتوبر 1828م، أنه كان في أحيان كثيرة يرسل البريد الرسمي عبر ميناء لنجة، ومن هناك وبوساطة رجال يثق بهم، يرسل البريد عبر سفينة إلى بوشهير. وذكر في رسالة أخرى مؤرخة في 21 ديسمبر 1829م، أنه سوف يرسل البريد عبر لنجة. وفي 22 مارس 1830م، كتب الوكيل المحلي السياسي: «أود أن أذكر هنا أنه نتيجة الطقس العاصف فليس هناك الآن إلا القليل من الفرص المتاحة لي للكتابة لك. ولقد قمت بكتابة نسختين من هذه الرسالة، أرسلت واحدة من لنجة والأخرى بوساطة سفينة من هنا».
في الجانب العربي، كانت دبي وبسبب السياسة الحكيمة التي اتبعها الشيخ مكتوم بن حشر آل مكتوم، حاكم دبي خلال الفترة من (1894 إلى 1906)، تتغيّر معالمها بسرعة وتأخذ طريقها للعمران والازدهار بعد إلغاء الضريبة عن السلع المستوردة، ليصبح ميناء دبي ميناءً حراً. فقبل سنة 1902، كان عدد السفن البخارية المحملة بالبريد والسلع التجارية والتي كانت تتوقف في ميناء دبي، لا يزيد على خمس سفن في كل عام، ولكن بعد ذلك العام، بلغ عدد السفن البخارية التي كان معظمها تابعاً لشركة بومباي وفارس للملاحة البحرية، ما لا يقل عن 21 سفينة.