العيالة.. فن الكثرة ورقصة ما بعد الانتصار

مجلة مدارات ونقوش – العدد 2

 3,841 عدد المشاهدات

تحقيق: مريم أحمد قدوري

العيالة فن عربي أصيل مرتبط بتاريخ الإمارات وتراثها، هي فن جماعي يتضمن رقصاً وغناءً جماعيًّا، يُؤَدَّى في كلِّ المناسبات الاجتماعية والوطنية، هي رقصة الحرب العربية، أو بمعنى آخر هي رقصة الانتصار ما بعد الحرب. الحروب التقليدية انتهت، لكن الرقصة بقيت خالدة في قلوب أهل الإمارات وأبنائها، بل وما زالت توحد الصفوف وتشعل الحماس في نفوس الحضور سواء كانوا مشاركين أو متفرجين، إلا أنها بدأت تقل كثيراً، ومؤدوها بقوا متمثلين فقط في بعض الأفراد المنظمين تحت مظلة جمعية من جمعيات الفنون الشعبية، كما لاحظناه من واقع استطلاع وتحقيق ميداني قامت به مجلة (مدارات ونقوش)، لتكشف واقع هذا الفن، هل هو نشط ومنتشر، أم إنه سائر في طريق الزوال كما يزعم البعض؟

تساؤلات عدة واستفسارات أجابنا عنها أعضاء فرقة العيالة التابعة لجمعية دبي للفنون الشعبية في هذا التحقيق.

قال الأب جوهر سعيد سالم، كما يناديه أعضاء فرقة العيالة التابعة لجمعية دبي للفنون والمسرح في دبي: منذ أن فتحنا أعيننا على الدنيا ونحن نمارس فن العيالة والمالد معاً، والعيالة طرب توارثناه من أجدادنا وكبر معنا، وهو في أيدينا اليوم، ولا نستطيع الاستغناء عنه إلى إذا فارقنا الحياة.

يجتمع في عرضة واحدة بين الخمسين والستين فرداً، لأنها لا تأتي إلى بكثرة الأفراد وبالجماعة، يقابل ثلاثين فرداً ثلاثين آخرين في صفين متقابلين، وإذا ردَّ الصف على الصف المقابل سمعت أصواتهم من بعيد، يزيد حماسهم صوت الطبول، حتى إذا ما سمعهم الناس تساؤلوا أين يحدث هذا، وقدموا له من بعيد. وهو فرجة وبهجة وفن لا نصبر عليه، نقف فيه على أرجلنا ونرقص فيه رقصة رجل واحد.

نقيم عرضة العيالة غالباً في الأعراس، لكن أحيانا حتى من دون مناسبة إذا أحسسنا أن الأفراح قليلة؛ إذ نشعر باشتياقنا لها، ننظمها بيننا حتى نرفِّه عن أنفسنا من بعد صلاة العصر، ومن أتى من بيته حزيناً أو مهموماً، بيننا ينسى متاعبه ويعيش أجواءً كلها سعادة وفرح. وإذا سمعنا نحن عن وجودها في مكان ما، ذهبنا إليه وشاركنا الناس أفراحهم حتى وإن لم نكن نعرفهم، وندخل معهم في الجماعة.

الآلات الموسيقية التي نستخدمها: ثلاثة تخامير، وأربع طارات، وطاستان وراس، أمَّا الأناشيد التي ننشدها فهي ثابتة لا تتغيَّر من الزمن، ولا تركب على موسيقى أو ألحان عصرية أخرى.

كنت فيما مضى مع أصدقائي وحاولنا الحفاظ على هذا الفن  المحبوب لدى الكبير والصغير، أما اليوم فأغلبهم ماتوا، ولم يبقَ إلى اثنين أو ثلاثة فقط كبروا كثيراً في السن، ولو أهملناه لاندثر واختفى، ونحن حافظنا عليه حتى نتركه لأبنائنا.

وأضاف السيد حسن لشكري عيد محمد، وهو مدرب فرقة العيالة قائلاً: إنَّ لكل فرقة فنية كبيراً في السن يسمَّى الأب، والأب في فرفة عيالة دبي هو السيد جوهر، وبما أنه كبيرٌ جدًّا في السن، يقارب سنه الثمانين، فهناك شخص آخر ينوب عنه في حفظ الأناشيد وتنظيم الجماعة والاهتمام بالطبول، على اتصال دائم مع الأعضاء، وهو من يلم شملهم، وأثناء الرقصة يتقاطع مع المعرس، وبالتالي فهو يقوم بدور الأب في تنظيم الفرقة وتنسيق نشاطها والحفاظ عليها.

في العيالة هناك شخص يقود الجماعة، ولا يمكنها أن تقوم من دونه، هو من يحفظ النشيد، وأعضاء الفرقة يرقصون على النشيد، لكن من يحفظ النشيد هم فقط كبار السن، ونحن في فرقتنا، بل وفي دبي كلها، لا يكاد يوجد إلا السيد جوهر سعيد والسيد حسن علي الأغا، يحملان كل الموروث في ذاكرتهما، وأي أنشودة نطلبها منهما يحفظانها ويؤديانها كاملة. ونحن لا نستطيع أن نحلَّ محل هذين الرجلين، حتى لو حفظنا الكلام؛ لأنَّ العيالة منذ القدم قامت على هذا الأساس؛ قائد وجنود، أو أب وأبناء، يقف في وسط العيالة وينشد النشيد، ثم نتلقى نحن الكلام ونردده بين الصفين، ولا نستطيع تغيير الكلام إلا إذا غيَّره القائد.

النشيد هو شعر له بداية وله نهاية، وقد يكون غزلي أو عاطفي أو حربي أو نبطي… ولما تنتهي القصيدة ينتهي بها فصل العيالة، ثمَّ تبدأ قصيدة أخرى وهكذا، إلى أن تصلَ إلى حوالي خمسين أو ستين قصيدة أو أنشودة، إلا في بعض الأحيان مثلاً عندما يكون لدينا مهرجان أو أوبريت، فنختار من بين الأناشيد فقط ما يلائم المناسبة، فمثلاً لو كان شيخ أو ملك أو حاكم نختار ما يناسب المقام، ولو كان عرساً نختار ما يطرب الحضور، وهكذا.

هناك من يقول بأن جيل الصغار لا يعرفون فنَّ العيالة، وأنا أقول العكس، لدي أولاد، كلُّ واحد منهم في عمله، لكن إذا كانت لدينا مناسبة معينة أو فرح من الأفراح، فإنه يشاركنا فيها مثل المحترفين، وإذا قابلتم أحداً منهم، فإنه يكلمكم عن العيالة بطلاقة، وستجدون أنه يعرف الكثير عن تفاصيلها؛ لأنه عاشها وكبر عليها، وقد شاركوا في الكثير من الفعاليات، وأيضاً بصفتي مدرب فنون شعبية، فقد سبق لي تدريب الكثير من الأطفال في مدارس الدولة منذ عشرين سنة.

بعض الأحيان نقيم دورات لتعليم عرضة العيالة، ونعلن عنها في وسائل الإعلام المختلفة، باسم جمعية الفنون الشعبية، ونستقبل الكثير من المشاركات، نسعد لها، ونطمئنكم أننا مستمرون.

اليوم عمري ثلاثة وستين سنة، وكنت قد بدأت العيالة قبل سن الخامسة عشرة عاماً، لهذا أقول لكم: إن هذا الفن من المستحيل أن يزول كما يعتقد البعض؛ لأنه جزءٌ منَّا. ولا يجب علينا نحن كفنانين وكأبناء الدولة أن نترك الحمل عليها في كل شيء، بل علينا أن نساعد في كل الظروف، حتى لو كان هناك بعض النقائص التي لا نكاد نشعر بها، فلله الحمد نحن نشيطون ونقيم احتفالات جميلة، ومشاركات كبيرة داخل الدولة وخارجها.

وأردف السيد درويش محمد، أنه انضمَّ إلى فرقة العيالة قبل قيام الجمعيات في فترة السبعينيات من القرن الماضي، وما زال معهم في مسيرتهم، وقال: إنَّ آخر مشاركة لنا كانت في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي أقيم في شهر مارس الجاري في المملكة العربية السعودية، وكان حضورنا مميزاً، اشتركنا فيه بشكلٍ جميلٍ ولافتٍ للنظر مع فرقة العيالة السعودية. فيما تختلف العيالة الإماراتية عن السعودية في الإيقاع وبعض الكلام، لكن عموماً العيالتان متقاربتان، وخصوصاً أنَّ أصل العيالة من نجد، وهي تتشابه مع تلك الموجودة لدينا في منطقة العين. العيالة السعودية تعتمد على الشواصر والطيران، ونحن أهل البحر نعتمد على طبول الراس والتخامير والطيران. بعد الانتهاء من النشيد نختم العيالة بما يسمَّى الونة التي تعني النهاية، وهي عبارة عن قصائد خاصة ممهدة لإكمال العرضة، وقد سبق لنا أن شاركنا كفرقة في الكثير من الدول مثل المغرب وسوريا ولبنان وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين والهند، ومثَّلنا تراثنا وثقافتنا وبلدنا أحسن تمثيل.

وقال السيد طارق صالح حسين سعيد، على خلاف ما ذكر المدرب حسن محمد أنَّ العيالة قلَّت كثيراً عمَّا قبل، ولم تبقَ إلى في ثلاث جمعيات؛ هي جمعية دبي للفنون الشعبية، وجمعية السطوة، وجمعية الشارقة، ولم يبقَ فيها إلا ثلاثة أو أربعة من كبار السن، والبقية شباب نعمل على تدريبهم، ونشجِّعهم ببعض التكريمات والمكافآت حتى نحببهم في هذا الفن الأصيل، نشارك كفرقة في القرية التراثية، القرية العالمية، ومع الدوائر الحكومية، كما لنا مشاركات كثيرة جدًّا خارج الدولة، ونحن مستمرون بإرادتنا، وبدعم وزارة الثقافة التي قدَّمت لنا الكثير من المساعدات.

وحاليًّا نحضِّر لبطولة الخيل في دبي، ونعمل على تدريب مائة شخص على الدخول في المسرح وتقديم أحسن أداء، فيما نشارك في الأعراس التي لا تستغني في إحياء أفراحها على عرضة العيالة.

بينما تعدُّ أهم مشكلة تواجه هذا الفن، هي محدودية الأشخاص الذين يحفظون الأشعار والذين يعرفون استخدام الأدوات الموسيقية اللازمة، ونحن نعمل على تعليم هذه التقنيات للشباب، ونعتمد في ذلك على كبار السن وعلى بعض الكتب التي دونت فيها القصائد، والموجودة لدينا في الجمعية.

جُبْنَا بفرقتنا العالَم كلَّه، ونتمنَّى أن يوجَّه لهذا الفن دعمٌ أكبرُ قليلاً، وما نرغب فيه هو مبنى جديد ومناسب للعدد الكبير لأفراد الجمعية، حتى نستطيع أن نقدِّم ما بوسعنا لخدمة هذا الفن الذي يعكس أسلوب حياة الفرد الإماراتي، ويعبِّر عن ثقافته وعاداته وتقاليده.