القزوعي الفن الأدائي الشعبي الأول لقبيلة قحطان

الخليج العربي معارف

 11,502 عدد المشاهدات

بقلم : عبدالله عايض جليد القحطاني – صحفي وأستاذ جامعي من المملكة العربية السعودية

القزوعي … مدخل أول

يعدُّ لون القزوعي من أكثر الألوان الشعبية شهرة بالمملكة العربية السعودية، ويشكِّل القزوعي خصوصية كبيرة  لأفراد قبيلة قحطان كونه الفنَّ الأدائيَّ الشعبيَّ الأشدَّ حضوراً في مناسباتهم، حيث امتاز بأدائه أفراد قبيلة الحباب على وجه التحديد، وذلك كون الأفرع الأخرى من قبيلة قحطان تؤدي أكثر من لون شعبي واحد. الجدير بالذكر أنَّ عدداً من القبائل المجاورة لمناطق سكنى قبائل قحطان، تؤدي لون القزوعي مع وجود قليلٍ من الاختلافات في تأديه بعض الحركات الفنية وبالخصوص (الكسرَة) وهي الحركة الأدائية الأخيرة قبل مواصلة الدوران مرة أخرى. ومن أشهر القبائل المجاورة لقبيلة قحطان التي تؤدي لون القزوعي كموروث شعبي لها، قبيلة وادعة (أحد أفرع قبيلة همدان العريقة).

القزوعي يبغى رجالٍ يشلّونه

يمثل شطر البيت الشعري المشهور (القزوعي يبغى رجالٍ يشلّونه) قدرة هذا اللون الشعبي – القزوعي – على بث شعور عميق بالحماسة بين المشاركين أو الجمهور، وبالرغم من الجهد الكبير الذي يقوم به المشاركون من خلال التفاعل مع الأبيات الشعرية والحركات الأدائية، فإنَّ أداء القزوعي قد يستغرق ساعة أو أكثر لكل (قاف – بالقاف المخففة). والــ (قاف) مصطلح شعبي يطلق على الفترة/المرحلة الزمنية التي يستغرقها لعب القزوعي منذ البداية حتى النهاية. وكلما تكرَّر لعب القزوعي زاد عدد الـ (قيفان). والـ (قيفان) جمع لكلمة (قاف). ويؤدى لون القزوعي خلال مواسم الانتصارات والأفراح كحفلات عقد القران وحفلات الختان وغيرها من المناسبات التي تشترط الفرح والبهجة. ولذلك، يغيب هذا الفن خلال المناسبات المذكورة إذا تزامن وقت إقامة المناسبة مع خبر فاجعة أو حزن كوفاة أحدهم مثلاً.

آلية لعب القزوعي

تعتمد آلية تنظيم لعب القزوعي على ضرورة وجود مجموعة من (المؤدين) يبدأون اللعب – غالباً ما يتراوح عددهم نحو عشرين فرداً أو أكثر في بداية القاف – يقفون في صفين متوازين متقابلين متشابكي الأيدي. وكلما ازداد عدد المشاركين تدريجياً، ازداد معه انحناء الصفين المتقابلين حتى يلتحما على شكل دائرة تتسع كلما ازداد عدد المشاركين في الأداء. ربما يصل عدد المشاركين في القاف في بعض الأحايين إلى أكثر من مائة شخص من مختلف الأعمار.

المزيف … ضابط إيقاع القزوعي

يمثل ضابط الإيقاع في لون القزوعي مزيجاً من القدرة والخفة والمهارة لإثارة الحماسة بين المشاركين في القزوعي. ويطلق على هؤلاء الأشخاص مسمى ( المزيف – بالياء المشددة وتسكين الفاء)، حيث يتوسط “المزيف” المنطقة المفتوحة ما بين الصفين أو وسع حقلة الدائرة ويستمر بالدوران وإطلاق إشارة أدائية خاصة يفهمها المشاركون تتمثل في ضبط مواءمة حركات المشاركين/المؤدين الفنية.

يحتوي القزوعي على سبع إيماءات حركية متتابعة ومختلفة تقريباً. يتراوح عدد “المزيفين” من شخص إلى ثلاثة أو أكثر، وفقاً لحجم دائرة اللعب “القاف” واشتعال الحماسة ما بين المؤدين والمشاركين. في العادة، يحمل/يرفع “المزيف” بيده خنجراً أو عصاً غير غليظة لاستخدامها كمؤشر ضبط يتابعه المؤدون للدلالة على وقت تنفيذ كل حركة إيقاعية – بالتحديد الحركة الإيقاعية الأولى – وذلك إما بخفض اليد أو رفعها من الانحاء بشكل سريع لليمين أو اليسار. الجدير بالذكر، أنه في حال لم يتمكَّن أحد “ضابطي الإيقاع/المزيفين” من التناغم مع البقية، فإنه ينسحب من ساحة ميدان العرض بشكل تدريجي والعودة للعب ضمن الصف تاركاً المجال لغيره.

يمثل ضابط الإيقاع في لون القزوعي مزيجاً من القدرة والخفة والمهارة لإثارة الحماسة بين المشاركين في القزوعي. ويطلق على هؤلاء الأشخاص مسمى ( المزيف – بالياء المشددة وتسكين الفاء)، حيث يتوسط “المزيف” المنطقة المفتوحة ما بين الصفين أو وسع حقلة الدائرة ويستمر بالدوران وإطلاق إشارة أدائية خاصة يفهمها المشاركون تتمثل في ضبط مواءمة حركات المشاركين/المؤدين الفنية.

يحتوي القزوعي على سبع إيماءات حركية متتابعة ومختلفة تقريباً. يتراوح عدد “المزيفين” من شخص إلى ثلاثة أو أكثر، وفقاً لحجم دائرة اللعب “القاف” واشتعال الحماسة ما بين المؤدين والمشاركين. في العادة، يحمل/يرفع “المزيف” بيده خنجراً أو عصاً غير غليظة لاستخدامها كمؤشر ضبط يتابعه المؤدون للدلالة على وقت تنفيذ كل حركة إيقاعية – بالتحديد الحركة الإيقاعية الأولى – وذلك إما بخفض اليد أو رفعها من الانحاء بشكل سريع لليمين أو اليسار. الجدير بالذكر، أنه في حال لم يتمكَّن أحد “ضابطي الإيقاع/المزيفين” من التناغم مع البقية، فإنه ينسحب من ساحة ميدان العرض بشكل تدريجي والعودة للعب ضمن الصف تاركاً المجال لغيره.

عن التزييف أيضاً

يطلق على مهمة ضابط الإيقاع (التزييف) وفعلها (يزيف) وقد يقال كذلك كلمة (يسوعب) وهي من الكلمات التي قل استخدامها أو ندر لصالح كلمة (يزيف). كما أنَّ مدلول الكلمة اللفظي لكلمة (تزييف) في لهجة قبائل قحطان معنى لازم لمسألة الضبط الإيقاعي/الحركي على وجه التحديد، وهي ذات بُعد مختلف عن معنى الكلمة المقيد في علم الاقتصاد والأعمال.

القصائد المغناة في القزوعي

تعدُّ القصائد الشعبية النبطية التاريخية لشعراء قبيلة قحطان أو غيرهم من الشعراء، المفضلة خلال لعب لون القزوعي. يتم ذلك عبر ترديد القصائد النبطية بشكل خاص يعتمد على تكرار شطر/صدر البيت الشعري الواحد لعدة مرات قبل أن يتم ترديد عجز البيت بذات العدد والطريقة، حيث يتوسط ما بين الصفين، أحد الشعراء أو حُفّاظ الشعر الشعبي النبطي لتلقين المؤدين في أحد ضفتي الملعب/الميدان صدر البيت الشعري قبل التوجه بسرعة للصف المقابل لتلقينهم نفس الشطر. ومن ثمَّ، يقوم المؤدون بتكرار ترديد الشطر الشعري بصوت جهوري وفقاً للحن الموسيقي الذي تم اختياره بما يلائم الطبقة الصوتية والنغمية الموسيقية المناسبة للمؤدين. يردد المؤدون شطر البيت الشعري من خمس إلى سبع مرات تزيد أو تنقص وفقاً لطول القصيدة ومساحة الوقت الممكن؛ قبل أن يبدأوا من جديد في ترديد عجز البيت الشعري بذات الطريق واللحن. ومن بديهيات لعب لون القزوعي، أن يتوقف الجميع عن اللعب بمجرد سماع صوت الأذان، أو إعلان موعد وجبتي الغداء أو العشاء.

شعراء القزوعي

في حال وجود بعض الشعراء في محفل لعب لون القزوعي، يتقدم أحدهم لبدء اللعب، وبعد عدة أبيات يقوم الشاعر باستدراج أحد الشعراء الآخرين للعب معه من خلال توجيه بعض الرسائل والألغاز الشعرية، ومن البديهي أن يتنبّه الشاعر المقصود لتلك الرسالة الشعرية المبطنة والبدء باللعب من الطرف الآخر، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من البدع والرد الشعري المباشر وهو ما يعرف بلون (المحاورة). هذا النوع من المماحكة الشعرية ميزت لون القزوعي عن غيره باعتباره قادراً على جمع أكثر من لون شعري وفني مختلف في وقت واحد، وهو ما لا تستطيعه العديد من الفنون الأدائية الشعبية الأخرى.

محاذير فن القزوعي

ينطوي لون القزوعي على العديد من الضوابط الاجتماعية الإيجابية التي يجب على المشاركين التنبه لها منذ البداية، حيث يمنع على أيٍّ من المشاركين في لعب القزوعي – سواءً المؤدون أو الشعراء – إثارة النعرات الاجتماعية أو القبلية، لذا تتطلب المشاركة أشد أنواع الالتزام الأخلاقي المتمثل في مسألة احترام جميع الأطياف الحاضرة في محفل أداء فن القزوعي. من هنا، تشكَّلت عدة ضوابط ذات نسق اجتماعي وأخلاقي تمثَّلت في التوافق على ميثاق أخلاق شعري واجتماعي يحول دون التطرُّق إلى أيٍّ من النعرات القبلية أو المسائل الاجتماعية، أو اجترار أيٍّ من المواقف التاريخية غير مرغوب في التطرُّق إليها من قِبَل المشاركين أو الجمهور. ومن المعلوم اندثار مثل هذه المواضيع منذ توحيد المملكة العربية السعودية على يد المفغور له الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيَّب الله ثراه، ومن ثمَّ فإنَّ المساس بأيٍّ من الثوابت الدينية أو الوطنية التي تصادم الالتزام الديني أو اللحمة الوطنية، يعدُّ خرقاً لميثاق الشرف ونقضاً للأعراف القبلية، والتي بموجبها يصبح الشخص المتجاوز واقعاً تحت طائلة القانون الرسمي أو القبلي والمتمثل في أمرين: إما الإبلاغ والإحالة للجهات المختصة، أو فرض الأعراف القبيلة على المتجاوز/المتجاوزين وفقاً لمفهوم (طلب الحق)، وهو نوع من التحاكم القبلي بما لايتعارض مع الأحكام الشرعية أو الأنظمةالحكومية. يتم بموجب هذا العُرف القبلي، الاقتصاص بالحق من الشخص المتجاوز لفظاً لصالح الشخص أو الأشخاص الذي/الذين المُتجاوز عليهم..

وللحديث بقية

لا يزال هناك الكثير من النقاط التي يحسن التطرُّق إليها بالتفصيل والتمثيل سواء حول موضوع لون (القزوعي) أو الفنون الأدائية الأخرى على خريطة دول مجلس التعاون الخليجي. فتاريخنا واحد شديد الثراء والتنوع، وكتابة هذا التاريخ أضحى مطلباً ملحاً في ظل الثورة الهائلة التي أوجدت نوعاً من البعد عن والتفريط في الكثير من العادات والموروثات الشعبية بين أبناء دول الخليج العربي.