526 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
أبو العلاء أحمد بن عبدالله القضاعي المعري ولد سنة 363هـ، وتوفي في 449هـ من أسرةٍ عريقة معروفة في بلاد الشام بالفضل والعلم، وقد توارثوا القضاء والأدب والشعر فلم يكن أبو العلاء بعيداً عن العلم والأدب بل نشأ فيه، خاصة أنّه أصابه العمى في صغره فرُزق حافظةً غريبةً وطُوّع له الشعر فألّف في الأدب والشعر الأعاجيب.
عندما سارت بعلمه الرُكبان وصار علَماً من أعلام عصره، قام بعض حُسّاده – وما أكثرهم في كل زمان ومكان – بتلفيق التُّهم عليه ومحاولة تأكيد صحتها وذلك بسبب بعض أشعاره ومؤلفاته التي كان يعتمد فيها على المرادفات والغوامض كثيراً فظنّه بعض العلماء أنها زندقة وزعموا أنه ألف كتاب «الفصول والغايات» لمعارضة القرآن وهذا محض افتراء أيضاً لأنه كتاب أدبي ليس له علاقة بالقرآن، ونستطيع حصر أسباب هذه التُّهم باختصار:
أولاً: كتاب المعرّي (لزوم ما لا يلزم) الذي فيه جرأة كبيرة على الأديان ورجالها والأمور التي لا يمكن تفسيرها.
ثانياً: كتاب (الفصول والغايات) وحوى كثيراً من تمجيد الله وحمده واعتبره بعض الناقدين أنه مجاراة للقرآن.
ثالثاً: زهده وبعده عن أكل اللحوم واقتصاره على أكل النبات مما أثار حوله الشكوك.
وقد دافع المعري عن نفسه وردّ تُهم أعدائه في كتابه (زجر النابح) ولكنّه لم يستطع إقناع من أتى من بعده من العلماء كابن الجوزي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم فقد اتهموه بالزندقة وأخذوا الظاهر من كلامه، وقد أنصفه المؤرخ الحلبي كمال الدين عمر بن أحمد بن العديم (588-660هـ) في كتابه (العدل والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري) فقال: «فمنهم من وضع على لسانه أقوال الملاحدة.
ومنهم من حمل كلامه على غير المعنى الذي قصده، فجعلوا محاسنه عيوباً وحسناته ذنوباً وعقله حمقاً وزهده فسقاً، ورشقوه بأليم السهام وأخرجوه عن الدين والإسلام، وحرّفوا كلامه عن مواضعه وأوقعوه في غير مواقعه»، وفي قول ابن العديم دليل على أنّ المعرّي تعرض إلى حملةٍ شعواء من أعدائه الحُسّاد فنسبوه إلى الكفر وليس به، وراجت أكاذيبهم عليه حتى صدّقها كلُّ من لم يبحث في أصل هذه الأخبار!.
وكذلك مما رواه الحافظ السِلَفي الشافعي قوله: «دُخِل على أبي العلاء بالمعرة في وقت خلوة بغير علم منه، فسُمِع ينشد شيئاً ثم تأوه مرّات وتلا آيات ثم صاح وبكى وطرح وجهه على الأرض ثم رفع رأسه، ومسح وجهه وقال: سبحان من تكلم بهذا في القِدَم، فصبرت ساعة ثم سلمت عليه فرد وقال: متى أتيت؟ فقلت: الساعة، فقلت: أرى في وجهك أثر غيظ؟
فقال: تلوت شيئاً من كلام الخالق وأنشدت شيئاً من كلام المخلوق فلحقني ما ترى فتحقق صحة دينه وقوة يقينه»، ثم قال السِلفي: «وفي الجملة كان من أهل الفضل الوافي والأدب الباهر والمعرفة بالنسب وأيام العرب»، قلتُ: تكفيه هذه الشهادة من هذا الحافظ رحمهم الله.
وفي العصر الحديث دافع عنه مجموعة من العلماء من مثل أستاذنا محمود شاكر – رحمه الله- في كتابه المشهور (أباطيل وأسمار) فنفى عنه تهمة الإلحاد والزندقة، وكذلك أخوه أحمد شاكر والعلامة عبدالعزيز الميمني، ومحمد الجندي، وعائشة بنت الشاطئ وغيرهم كثير، ولعلي في مقالات قادمة أقوم بتبيين بعض هذه الاتهامات والشبهات التي أثيرت حول أبي العلاء بتفصيل أكثر.
نشر في البيان
بتاريخ 08 مايو 2015