3,635 عدد المشاهدات
الكاتب: د.حمادة هجرس
الختم عبارة عن قالب يمهر به أسطح أكثر ليونة كالطين والشمع والورق وغيرها، وقد تعددت المادة الخام الخاصة بالأختام، فقد يصنع من المعدن، أو الفخار، أو الزجاج، أو من الأصداف، أو الأحجار الكريمة، وغيرها، وتتأتى أهمية الختم في كونه يعطي صبغة رسمية أو ملكية خاصة بصاحبه، فتمهر به الأوراق المراد إضفاء صبغتي الرسمية والملكية عليها، ولكل ختم علامة مميزة تميزه عن غيره من الأختام، ويختلف باختلاف الأشخاص والمناطق، والنمط الفني السائد، والمدارس الفنية والحرفية الخاصة بصانعيها، هذا وتعد الأختام نقلة حضارية في تاريخ الإنسان، ومظهراً جلياً من مظاهر تطور الفنون عبر العصور، وتساعد الأختام على رصد الأحداث التاريخية، ولها أهمية في دراسة علم الأجناس، وتعطي إشارات غير محدودة عن الأجناس التي استعملتها، كما تعدُّ مصدراً مهماً من مصادر التاريخ عبر العصور. فالأختام الصدفية التاريخية في البحرين، على سبيل المثال، أسهمت إسهاماً عظيماً في الكشف عن حضارة دلمون في الجزيرة، واستخدمت الأختام في الحضارات القديمة كالحضارة المصرية القديمة والعراقية والصينية وغيرها. وقد أخذ العرب الختم بشكله التقليدي من الحضارات السابقة، واتخذ الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، خاتماً من وِرق (فضة)، وكان نقشه «محمد رسول الله»، وأصبح الختم شائعاً في البلاد العربية لاحقاً، وصولاً إلى العصر الحديث.
أما عن أختام دبي سنة 1910م فترتبط بحادثة دبي الشهيرة، وهو الاعتداء البريطاني على المدينة في تلك السنة، فقد وصلت إخبارية إلى المقيمية البريطانية أنَّ في دبي مخبأً تُخزن فيه الأسلحة غير المشروعة، وبدلاً من أن يقوم الميجور هيريوت، قائد وحدة الاستطلاع البري البريطاني، بانتظار الشيخ أو إجراء تفاهمات مع الشيخ سعيد بن مكتوم، على الرغم من عدم وجود الشيخ بطي بن سهيل في دبي؛ إلا أنَّ هيريوت قام برفقة مجموعة من ثمانين من مشاة البحرية الملكية، بالنزول إلى بر دبي للتفتيش، وذلك في صباح يوم 25 ديسمبر عام 1910م. وعلى الرغم من اعتراض أهالي دبي؛ بدأ البريطانيون يفتشون البيوت واحداً تلو الآخر، وهو ما استثار حفيظة العرب، وبدأ البريطانيون يهددون أهل دبي معللين أفعالهم برفضهم السماح لهم بتفتيش سفن أهل دبي وقواربهم في الخليج العربي. إزاء هذا الموقف المتأزم؛ تبادل الطرفان إطلاق النار، وقتل رقيب في البحرية البريطانية، وأربعة بحارة وأصيب ثمانية آخرون، واحتمى الطرفان على الشاطئ وردوا بإطلاق النار، ودخلت إتش إم إس هياكينس (HMS Hyacinth)، المدمرة البحرية الملكية البريطانية، التي رست على بعد ميل واحد من الشاطئ، وأطلقت 6 قذائف على المنازل قبالة الشاطئ.
أما معاناة دبي وأهلها فكانت عظيمة من جراء هذا الاعتداء، وسجل وقوع 37 ضحية وعدد غير معروف من الجرحى. في 28 ديسمبر، وصل السير بيرسي كوكس، المقيم السياسي والقائد العام للقوات البحرية، يرافقه الأدميرال إدموند جيه دبليو سليد، القائد العام لمحطة جزر الهند الشرقية، إلى دبي، وقدما للشيخ بطي بن سهيل إنذاراً نهائياً بشأن موضوع الأسلحة، ومهلة قدرها ثمان وأربعون ساعة للامتثال لشروطهم العقابية.
وفي أوائل يناير عام 1910م اجتمع أهالي دبي برئاسة الشيخ بطي بن سهيل حاكم دبي، وابن أخيه الشيخ سعيد بن مكتوم، للتشاور حول كيفية الحل الدبلوماسي للقضية وبالطرق السلمية، وتبادل الشيخ بطي بن سهيل والمقيم البريطاني مراسلات مكثفة، حيث تنازعا حول المسؤولية عن الحادث، وأمام تبرؤ المقيم البريطاني من الحادث، اجتمع شيخ دبي مع وجهاء المدينة، وكتبوا عريضة توثق الاعتداء البريطاني على المدينة، وتحوي إفادة الشهود والسكان البارزين في دبي عن الحادث، وعددهم 90 رجلاً، وهي تحمل عدداً كبيراً من الأختام الشخصية الخاصة بهم، وكانت التوقيعات وبصمات الإبهام، إضافة إلى الأختام وسائل شائعة تمهر بها الأوراق في ذلك الوقت، وهذه الأختام بالتأكيد تستحق فحصاً مدققاً من حيث أنماطها وزخارفها.
احتوت الوثيقة على 84 ختماً، أما من حيث أشكالها؛ فقد تعددت الأشكال الخاصة بالأختام، واستحوذ الشكل الأسطواني عليها بعدد يبلغ 50 ختماً، ثم الشكل المربع بعدد 15، يليه الدائري بعدد 13 ختماً، وظهرت أشكال أخرى مثل هيئة الجامة بعدد 4 أختام، والشكل الخماسي لختم واحد فقط، والشكل المتعدد الأضلاع لختم واحد فقط.
ومن حيث الكتابات، حوت الأختام اسم صاحب الختم بصفة أساسية باللغة العربية، ما عدا ختماً واحداً تضمن الاسم باللغة العربية، بينما نقشت حوافه باللغة الإنجليزية، كما ظهرت في بعض الأحيان بجانب الاسم سنة صنع الختم، كما تفنن الصانع في زخرفة الختم، فلم يهمل المساحات البسيطة بين كتاباته دون زخارف، فظهرت في بعض الأختام حبيبات متماسة لتحديد حواف الختم، وبعض النجوم السداسية، إضافة إلى زخارف نباتية قوامها ورود متعددة البتلات، وفروع وأوراق نباتية بسيطة.
أما بخصوص الخطوط الخاصة بالأختام، فقد استحوذ خط النستعليق الفارسي على جميع الأختام، عدا 12 ختماً نقشت بنمط الطغراء العثماني، و8 أختام نقشت بنمط خط الثلث.
فأما خط النستعليق فقد ظهر في بلاد فارس خلال القرنين 8-9هـ/ 14-15م، على يدي الخطاط مير علي التبريزي (ت 850هـ/ 1446-1447م) بدمج خطي النسخ والتعليق، ومن هنا جاءت تسميته نسخ التعليق أو النستعليق، ولكن استخدامه كان دائماً أكثر شيوعاً في مجال التأثير الفارسي والأوردو والتركي، ولا يزال استخدام النستعليق واسعاً جداً في إيران وأفغانستان وشبه القارة الهندية. يعدُّ النستعليق من أكثر أنماط الخط مرونة في النص العربي. له خطوط رأسية قصيرة بدون خطوط رديفة، وخطوط أفقية طويلة، وهي مكتوبة باستخدام قطعة من القصب المشذب برأس سماكته تتراوح بين 5-10 مم.
وأما الطغراء العثمانية فترجع بداياتها إلى عصر السلطان أورهان الأول (1284-1359م)، وهو الحاكم الثاني للإمبراطورية العثمانية، وتطورت حتى وصلت إلى الشكل الكلاسيكي في عصر السلطان سليمان القانوني (1494-1566م)، والطغراء مزيج بين خطي الديواني والإجازة.
وأما خط الثلث، فهو الخط الذي انتشر في البلاد العربية منذ القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، وكان أكثر الفنون شيوعاً وشعبية حتى القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، حيث سقطت الدولة المملوكية في مصر والشام وتبعيتهما كولايات للدولة العثمانية.
على أية حال، كان شمول الأختام لعديد الخطوط المتمايزة، ما من شأنه أن يؤكد التأثيرات العديدة في منطقة الخليج العربي خلال ذلك الوقت، وربما قبل ذلك في القرن التاسع عشر الميلادي، ويُعزى ذلك للموقع الجغرافي لمنطقة الخليج العربي، حيث تطل من الناحية الشرقية على بلاد فارس التي اعتمدت على خط النستعليق بصورة رئيسة، ومن ناحية أخرى، تأثرت المنطقة بالوجود العثماني في العراق والشام ومنطقة نجد والأحساء القريبة منها في الناحيتين الشمالية والغربية.