دليل الخليج للوريمر.. بين الحقيقة والوهم (3)

يوميات

 4,206 عدد المشاهدات

الكاتب: جمال بن حويرب

أكثر الباحثين العرب عرفوا دليل الخليج بهذا الاسم، وقليل منهم يعرف أنَّ اسم هذا المعجم الضخم الاستخباري التابع للحكومة البريطانية في مكتبتهم مختلف تماماً، فاسمه :

Gazetteer of the Persian Gulf, Oman and Central Arabia ، وترجمته باللغة العربية: «معجم الخليج وعمان ووسط الجزيرة العربية»، ولا أعلم لماذا اختار المترجم الأول في ديوان حاكم قطر في الستينيات أن يسمّيَ هذا المعجم الجغرافي والتاريخي الكبير «دليل الخليج» وهو ليس دليلاً، بل معجماً مرتَّباً على حسب الأحرف الإنجليزية، وبسبب شهرة الترجمة الأولى فإنَّ كلَّ الترجمات والمقالات العربية أخذت نفس الاسم ولم تصحِّح هذا الوهم! هذا وقد كانت طبعة قطر تُوزَّع مجاناً، ولا أعلم أيضاً لماذا اعتنت قطر بهذا الكتاب السري جداً الذي فُسحَ عنه عام 1955 كما مرَّ، وليس عندي معلوماتٌ عن كيفية وصول هذا الكتاب إلى أيدي القطريين، ولم يكن أحدٌ حينذاك له علاقة بالأرشيف البريطاني سوى الأستاذ مرسي عبدالله الذي تولى لأكثر من عقدين مركز الوثائق في أبوظبي؛ فقد يكون هو مَن أشار على حاكم قطر بنشر هذا الكتاب، وسبق الناس قبل أن ينشره آخرون ويحرفوا فيه كما حصل لكتب أجنبية أخرى.

النسخة الأصلية من معجم الخليج  التي سمح بالاطلاع عليها عام 1955

 فقامت قطر بترجمته وطبعه بقسميه؛ فنُشِرَ في 14 مجلداً  باسم الراحل الكريم الشيخ أحمد بن علي آل ثاني حاكم قطر، ثمَّ أُزِيلَ اسمُه بعد الانقلاب وَوُضِعَ اسمُ المنقلب عليه الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني.

معجم الخليج

يتكوَّن هذا المعجم الكبير من قسمين:

القسم التاريخي، وهو مُقسَّمٌ إلى ثلاثة أجزاء:

الجزء الأول «القسم العربي» يغطّي التاريخ العام للخليج العربي، مع تواريخ الساحل العربي، ووسط الجزيرة العربية، وعمان، والعراق في زمن الترك.

‎الجزء الثاني «القسم الفارسي» يغطّي تاريخ السواحل الفارسية، بما في ذلك عربستان ومكران.  إضافة إلى ذلك، وضع لوريمر  تسعة عشر ملحقاً تغطي مواضيع من مصايد اللؤلؤ إلى تجارة الرقيق، وكذلك خصَّص ملحقاً لرحلة اللورد كرزون عام 1903 في الخليج العربي.

‎ الجزء الثالث يتكوَّن من 21 جدول أنساب للعائلات الحاكمة في الخليج العربي وعمان ووسط الجزيرة العربية.

أمّا المجلد الثاني من معجم الخليج فهو القسم الجغرافي والإحصائي، ويتضمَّن مداخل أبجدية للقبائل والبلدات والمناطق، ويحتوي أيضاً على ستٍّ وخمسين نسخةً من الصور الفوتوغرافية التي التقطها ضبّاط الاستعمار البريطاني، وكذلك المستكشف الألماني هيرمان بورشاردت وراجا دين دايال وأولاده، المصورون الرسميون لنائب الملك في الهند.

يشتمل الدليل على خريطتين: مخطَّط لضفاف اللؤلؤ على الساحل العربي للخليج العربي، وخريطة كبيرة للخليج العربي، عُمان ووسط الجزيرة العربية، أنتجها الملازم أول فريدريك فريزر هانتر بالتشاور مع لوريمر.

خارطة الخليج أشرف على رسمها لوريمر

ومن ينظر إلى الكمِّ الكبير من المعلومات فسيعرف مباشرة أنَّ من أسباب التفوُّق الإنجليزي بوجود مثل هذه المعلومات المهمة التي تُعِين الدولة الاستعمارية التحكُّمَ في مجريات الأمور، ولهذا بقي هذا الكتاب سرياً من 1908 حتى عام 1955، ولا ألومهم على ذلك؛ فمن درس الكتاب مثلي فسيعلم أنَّ هذا المعجمَ لا يُقدَّر بثمن، خاصة في تلك الأيام التي لا توجد لديهم قدرة الوصول إلى المعلومة المهمة إلا بتحليلها وجمعها في معجم شامل، وقد يسألني سائل: أراك تُكثِرُ من هذا المعجم «دليل الخليج» فهل هناك مثالب؟ والجواب: لا يخلو كتاب من نقد، ولأنَّ هذا المعجم ليس كتاباً كبقية الكتب، بل كتاباً جُمِعَ من أجل هدف استخباراتي؛ فمن يهتم به ويستطيع الوصول إليه فسيكون من طبقة معيَّنة وليس جميع الناس .

سلبيات معجم الخليج

الذي يقرأ في معجم الخليج سيجد كثيراً من الإحصاءات، ولكنها لم تكن دقيقة كما يظنُّها كذلك الباحثون كإحصاء السكان والحيوانات والأنساب والقبائل ومشجرات العوائل، ولهذا اعتذر  لوريمر في مقدمته أنه أحياناً يعتمد على حدسه وافتراضاته؛ حيث يقول في مقدمة القسم الجغرافي، المؤرخة بعام 1908م، ما نصُّه: “نوجِّه نظر القارئ إلى أنَّ تقديرات المسافات ربما تجانب الصواب قدر ما هي مبنية على المعلومات المستقاة من سكان المنطقة فقط، كما ننبه إلى أنَّ كثيراً من المعلومات الجغرافية- وخصوصاً ما يتصل منها بأقاصي الجزيرة العربية- يعتمد على الحدس والتخمين، كذلك الأمر بالنسبة إلى تقديرات عدد السكان، فهي تقريبية بالضرورة، وقد حسبت على أساس عدد المساكن وما يشاع عن القوة الحربية للقبائل، أما بالنسبة إلى أعداد الماشية والمصادر الزراعية الأخرى فقد تمَّ الحصول عليها عن طريق مخبرين محليين غير مدربين؛ ولذا فإنه لا يجوز إطلاقاً الاعتماد عليها، ويجب أن يقابل بالحذر كل وصف للمياه بأنها جيدة، فربما قصد بذلك أنَّ طعم هذه المياة غير رديء”. وفي مقدمته هذه دليلٌ على أنَّ الإحصاءات لم تكن دقيقة وإنما تقريبية ومن أناس غير مدربين، مما يجعلنا نعيد القراءة كرتين قبل أن نثقَ بهذه المعلومات.

-قيد لوريمر مجموعة من الروايات المسموعة من دون التحقُّق منها، ولعلَّ هذا الأمر كان متعذراً عليه بسبب الصعوبة.

-الترجمة القطرية الأولى لم تكن جيدة وفيها أخطاء وتحريف كثير، وفي بعضها وجدناها غير حيادية حيث يقوم المترجم بتحوير الكلام كما يشاء.

-مات لوريمر قبل الانتهاء من القسم التاريخي وهو الأهم والأخطر في تأليفه، وقام من بعده زميله فأكمل الكتاب، مما يجعلني أشكِّك في كثير من المعلومات ما لم تثبت في تقارير حقيقية بسبب وفاة لوريمر فجأة ولم يكن قد انتهى من كتابه.

-في كثير من كتابات لوريمر نجد فيها العنصرية والتكُّبر على الناس من شيوخ وعامة، مما يبعده عن الحيادية في التأريخ.

-الكتاب لم يؤلفه صاحبه من أجل المعرفة العامة، ولكن لخدمة الأطماع الاستعمارية، ولهذا لا يعدُّ كتاباً تاريخياً، ولوريمر لا نعدُّه مؤرخاً بل موظفاً إدارياً له إلمام بالفهرسة وتحليل التقارير أهَّلَه لجمع هذا المعجم الكبير.

هذا وللمقال بقية غداً إن شاء الله •اعتداؤه على القبا 

تقرأون غدا:

·         الشيخ جاسم بين السلم والحرب

·         اعتداؤه على القبائل

·         تناقضاته مع حاكم أبوظبي