دليل الخليج للوريمر.. بين الحقيقة والوهم (4)

يوميات

 2,347 عدد المشاهدات

الكاتب: جمال بن حويرب

يقولون لي: نراك تنتقد كثيراً هذا المعجم الكبير للوريمر الذي تمَّ تسميته «دليل الخليج» في الترجمة القطرية، فهل له مميزات يمكن الاعتماد عليها؟ الجواب: لا شكَّ أنَّ سفراً كبيراً كهذا المعجم بقسميه الجغرافي والتاريخي لا بدَّ أن تكون له مميزات يستفيد منها الباحثون، ويكفي أنه من ندرته ونفاسته بقاؤه سرياً لمدة 47 سنة، ثمَّ لم يتم ترجمته إلا عام 1967 في عهد الشيخ الكريم أحمد بن علي آل ثاني رحمه الله الذي أمر بتوزيعه مجاناً، وظلَّ كذلك في عهد المنقلب عليه ابن عمه الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني الذي أزال اسم الشيخ أحمد ووضع اسمه كما مرَّ معنا، وقد استفدت منه كثيراً في جميع بحوثي منذ قرابة ثلاثة عقود، وهذه بعض من مميزاته أختصرها لكم لكي نكون عادلين في الحكم :

ما يتميَّز به معجم الخليج «دليل الخليج»

-تجميع وتنظيم وتدوين المعلومات التاريخية والجغرافية والإحصائية المبعثرة في شكل معجمٍ جغرافيٍّ وتاريخيٍّ يشمل كثيراً من المعلومات المهمة والخرائط؛ فيعدُّ بذلك ذا أهمية حيوية لكلِّ باحثٍ يريد أن يصل إلى المعلومة بسرعة.

-بعد نشر كتاب معجم الخليج «دليل الخليج» تمَّ استخدام المعلومات الموجودة في معجم لوريمر ووضعها في عدد لا يحصى من التقارير الاستعمارية اللاحقة وأوراق السياسة والكتيبات.  فكان من نتائج هذا الاستخدام أنه أعطى زخماً لمزيد من الاستكشاف وجمع المعلومات الاستخبارية في شبه الجزيرة العربية وخارجها، مما ساعد على ترسيخ وتوسيع الهيمنة الاستعمارية البريطانية على الشرق الأوسط. فإذا كان هذا الكتاب أعطى كلَّ البعد المعرفي لدولة عظمى مثل بريطانيا، أفلا يعين هذا الكتاب الدول المعنية التي شملها هذا المعجم أن تستفيد منه وتحلله لصالحها لكي لا يتكرَّر التاريخ عليهم؛ لأنَّ الذي لا يعلمه كثير من المتابعين أنَّ معجم لوريمر لا يزال يستفاد منه في أعلى المستويات في الحكومة البريطانية.

-إذا كانت المعرفة هي القوة، فإنَّ المعجم السري للحكومة البريطانية للخليج العربي، والمعروف باسم “لوريمر” على اسم كاتبها، يلخص للمؤرخين حجم الطموح الإمبراطوري البريطاني وكل خططهم وأساليبهم التي اتبعوها خلال قرون في الخليج، ولهذا يعدُّ هذا المعجم أحد أكثر الكتب غرابة في القرن العشرين.

-كذلك لا نستطيع أن نقلل من أهمية كتاب معجم الخليج للوريمر، حيث يعدُّ موسوعة كبرى شملت كلَّ جوانب الحياة في الخليج العربي من عادات وتقاليد وتجارة ولهجات ولغة، إضافة إلى أسماء الدول المدن والقرى، وكذلك أسماء القبائل العربية وغيرها، والمذاهب، والديانات، وأنواع التجارة والزراعة، وطرق صيد اللؤلؤ، وأسماء السفن، وأسماء مغاصات اللؤلؤ، وأسماء كثيرة من التجار، وأنواع الماشية والحيوانات بالمنطقة؛ لهذا كله يعدُّ كتاب معجم الخليج للوريمر ثرياً جداً بمعلوماته.

-شمل كتاب معجم الخليج للوريمر جزءاً مهماً من تاريخ الخليج العربي، ولولا هذا الكتاب مع  وجود الوثائق البريطانية لضاع كثير من تاريخ هذه المنطقة، أو صعب الوصول إليها بسبب كثرتها وتشعبها، فالمدة الزمنية التي تناولها معجم لوريمر مدة تاريخية مظلمة بقلة معلوماتها مع أهميتها القصوى، لهذا لا يمكن لباحث في تاريخ وجغرافية الخليج العربي إلا أن يرجع لهذا المعجم العجيب.

-أظهر معجم لوريمر بوضوح مواقع القبائل العربية على ساحل الخليج العربي والفارسي والعراق وفي الجزيرة العربية، وأشار بموضوعية إلى نفوذ كلِّ قبيلة والأراضي الخاضعة لها، وأشار إلى التحالفات القبلية والسياسية في منطقة الخليج، وكل هذه المعلومات نادرة جداً وكان من الممكن أن تضيع مع رواتها لولا ما وثقه لوريمر في معجمه.

ترجمات معجم الخليج «دليل الخليج»

لا شكَّ أنَّ الترجمة الأولى القطرية عام 1967 هي التي فتحت الباب للترجمات التي تبعتها بعد عقود وستبقى الأشهر؛ بسبب توزيعها مجاناً لزمن طويل، ولكن لم تسلم هذه الترجمة من أخطاء كثيرة تبعد الباحث عن الوصول إلى المعلومة الصحيحة، وقد تضعه في موقف محرج إن استفاد منها بمعلومة في بحث له وقد بنى على هذه المعلومة أو المعلومات نتائج معينة، أو شكَّل رأياً ما، ثمَّ يأتي أحد الباحثين الآخرين ويكتشف خطأه ولهذا أدعو من يملك حقوق هذه الترجمة الأولى أن يعيدَ طباعتها مصححة لكي تعمَّ فائدة الكتاب.

ثمَّ بعد مرور أكثر من عقدين من الزمان نشرت جامعة السلطان قابوس عام 1995م ترجمتها لمعجم لوريمر، والتي تمَّت على يد فريق من المترجمين. وتميَّزت هذه النسخة بكونها شملت النص العربي مقابلاً له النص باللغة الانجليزية، لذا خرجت في قرابة 19 مجلداً؛ 10 في الجزء التاريخي، و7 في الجزء الجغرافي ومجلدين ضما الملاحق المختلفة.

ترجمة جامعة السلطان قابوس

ثمَّ قام الناشر الراحل خالد العاني بإصدار ترجمة جديدة من لوريمر، وقد كنت أشجعه جداً على هذا العمل؛ فكان يقدم رجلاً ويؤخِّر أخرى حتى أتمَّه، وقد طلب مني أن أصحِّحَ القسم الخاص بالإمارات، لكنني شغلت عنه. وكان إصدار هذه الترجمة من داره الدار العربية للموسوعات، الكتاب عام 2013م في بيروت، ويقع في 20 مجلداً تحت مسمّى «دليل الخليج العربي وعمان ووسط الجزيرة العربية»، وأصدر أيضاً كتاب تاريخ البلاد السعودية في دليل الخليج، وقد شجعت هذه الترجمات على ظهور كتب من معجم لوريمر متخصصة قام بنشرها وجمعها باحثون مثل: معجم قبائل الخليج في مذكرات لوريمير عام 2002م، ونخيل الخليج العربي في دليل لوريمر لعلي عفيفي2017م.

ومنذ تلك الفترة صدرت لهذا الكتاب ترجمتان باللغة العربية؛ إحداهما في سلطنة عُمان والأخرى في دولة قطر، وكانت الترجمة الصادرة عن دولة قطر هي الترجمة الأشهر والأكثر انتشاراً، حيث إنَّ النسخة العمانية كانت تختصر في كثير من الأحيان نصوص الكتاب الأصلي، في حين كانت النسخة القطرية شاملة وكاملة لجميع محتويات الكتاب الأصلي.

وبسبب حاجة كلِّ دولة إلى أن تقرأ ما يخصُّها من معلومات تاريخية وجغرافية فقد ظهرت كتب متنوعة من المختارات والملخصات تختصُّ بموضوعات محددة معتمدة على الترجمة القطرية، مثل:

•كتاب «الكويت في دليل الخليج» لخالد سعود الزيد (1981) الذي استخلص فيه المواد المتعلقة بالكويت، وهو أيضاً في جزأين (تاريخي وجغرافي).

دولة الكويت في دليل الخليج 

•كتاب «تاريخ البلاد السعودية في دليل الخليج» لمحمد بن سليمان الخضيري (2001) الذي استخلص فيه المواد المتعلقة بتاريخ السعودية.

•كتاب «معجم قبائل الخليج في مذكرات لوريمر» لسعود الزيتون الخالدي (2002) الذي استخلص فيه المواد المتعلقة بجزء من القبائل العربية التي تسكن الضفة الغربية للخليج العربي، في حين لم يتطرَّق للقبائل العربية في الساحل الإيراني من حوض الخليج العربي.

•كتاب الإمارات في دليل الخليج من إصدار دار بيسان 2016 وفيه كثير من الأخطاء المضحكة.

دولة الإمارات في دليل الخليج

•كتاب سلطنة عمان في دليل الخليج يإشراف سيف المسكري ونشر دار بيسان، وهناك كتاب آخر بنفس الاسم من نشر دار الموسوعات .

طبعة دار الموسوعات العربية

•كتاب قطر في دليل الخليج من نفس الدار السابقة، وهذه الدار لم تتحرَّ الدقة وإنما أسرعت بالنشر بدون تحقيق .

الخلاصة

معجم لوريمر معجم مهم جداً يحتاج إلى تصحيح ودراسة ذكية له، وهناك كتب وأبحاث متنوعة وُلدت من هذا المعجم الضخم، مما يدلُّ على موسوعيته وأهميته، ولكن حتى الآن لم أرَ ترجمةً صحيحةً يمكن الاعتماد عليها لجميع ما ورد في الكتاب إلا ما يخصُّ دولة الإمارات فقد حقَّقته بنفسي وقرأته على أستاذنا الراحل حمد بو شهاب وصحَّحته وانتهيت منه في عام 1994، ولم أجد وقتاً لنشره لكثرة الأشغال، ولعلِّي أنشره قريباً إن شاء الله .

توثيقي للانتهاء من تصحيحي لكتاب دليل الخليج على حمد بوشهاب في 1994/6/2