دينار مملكة ليديا أقدم عملة معدنية في التاريخ

Business عالمي مجلة مدارات ونقوش – العدد 11

 3,623 عدد المشاهدات

مدارات ونقوش

كثير من المهتمين بالشؤون الاقتصادية والأعمال والمال، أو مِمَّن كانت لهم هوايات جمع العملات المعدنية والورقية، لا يعرفون شيئاً عن مملكة من التاريخ القديم تعود إلى العصر الحديدي ألغت نظام المقايضة، وطوَّرت أساليب التجارة وشكَّلت بواكير النظام المالي العالمي الجديد، وهي لا تبعد كثيراً من الخليج العربي؛ فكان لها قدم السبق في اكتشاف العملات المعدنية وشيوعها من بعدهم حتى هذا اليوم إلى ما شاء الله؛ لأنها ظلّت لقرون طويلة لا يعرف عنها إلا القليل حتى اهتمَّ بها الآثاريون والمؤرخون وأخرجوا لنا بعضاً من تاريخها المجهول ونفضوا الغبار عن آثارها المتبقية.

هذه هي مملكة ليديا التي ولدت عام 1200 قبل الميلاد، أي قبل ثلاثة آلاف سنة، وظلّت قوية منيعة حتى منتصف القرن السادس قبل الميلادي تقريباً عندما وقعت تحت الاحتلال الفارسي الأخميني، فزالت إلى الأبد وبقي من بعدها أهم اكتشاف عرفته واستفادت منه البشرية في حياتها ألا وهي العملة الذهبية والفضية.
يقول المؤرخ اليوناني هيرودوت الذي كتب تاريخه في القرن الخامس قبل الميلاد: «كان الليديون أوَّل من استخدموا العملات الذهبية والفضية».

اتخذ الملوك الليديون “سارديس” عاصمةً لهم، وكان موقعها غرب المنطقة التي عرفت قديماً بآسيا الصغرى، وتقع اليوم في قضاء صالحلي بولاية مانيسا غربي تركيا. وممّا ساعد على تطوُّر وازدهار مملكة ليديا وقوعها قرب نهر “بأكتولوس” الذي كان مضرب أمثال في سهولة الحصول على معدن الذهب من رماله، أمّا عاصمتها “سارديس” فكان لموقعها الجغرافي أهمية استراتيجية حضارية مهمَّة؛ إذ يمتد جبل “تمولوس” من الهضبة الوسطى شرقاً، وتشرف النتوءات الحادة على سهل وادي نهر “هرموس”، وعلى أخد هذه النتوءات كانت تقام قلعة “سارديس” المحصنة بأسوار منيعة تصل إلى ارتفاع 1500 قدم فوق السهل الخصيب.

كان “كريسوس” آخر الملوك الليديين، والذي جمع ثروة طائلة، وبسبب كثرة أمواله كان مطمعاً للدول القوية المجاورة؛ فخسر مملكته نحو سنة 546 قبل الميلاد عندما هُزِمَ أمام قوات كورش الكبير الأخميني الفارسي.

اختراع العملة المعدنية
اقتبس الليديون عملية ضرب النقود من الحضارة العراقية القديمة لا سيما من الآشوريين؛ فأصدروا قطعاً معدنية بأوزان ثابتة وعليها إمّا صورة الملك الليدي أو ما يرمز له من شعارات الدولة. ويرجع تاريخ ضرب أقدم مسكوكة في ليديا إلى سنة 680 قبل الميلاد؛ فانتقلت صناعة المسكوكات من ليديا إلى بقية الأقاليم اليونانية. وكان الليديون يقسمون سبائك الذهب والإلكتروم (خليط الذهب والفضة) إلى قطع متساوية في الحجم والوزن، ويضعون عليها إشارات خاصة كضمانة من الحكومة، وغالباً ما يكون رمز الدولة أو رمز المدينة التي ضربت فيها المسكوكات مع تاريخ ضربها، وبهذا الاختراع سهّلوا طرق التعاملات التجارية. (1)

وعندما تولى “كريسوس” الملك، استبدل النقود القديمة بأخرى جديدة مصنوعة من معدن واحد شبه خالص، إمّا من الذهب أو الفضة، وبهذا أضاف الملك للتجارة العالمية نظاماً نقديّاً يقوم على استعمال معدنيْن بعد أن كان خليطاً بين معدنيين أو ثلاثة، ومن العجيب أنَّ الليدين جعلوا 12 قطعة من الفضة تساوي قطعة واحدة من الذهب، وهو أشبه ما يكون اليوم بالدينار الكويتي مقابل الدرهم الإمارتي؛ ومعلوم أنَّ الدينار كان يصنع من الذهب والدرهم من الفضة. وعندما وقع التزوير في عملات الليدين اضطروا إلى استخدام حجارة سوداء، فإذا حكّت العملات بهذا الحجر يمكن للنقّاد معرفة نسبة الذهب في نقودهم.

كنز المسكوكات
تمَّ العثور على أقدم كنز معروف من عملات الإلكتروم، ما يُعدُّ أقدم كنز عملة معروف حتى الآن خلال حفريات المتحف البريطاني لمعبد أرتميس في مدينة “أفسس” في 1904-5م. وتألف الكنز من 19 قطعة نقدية وضعت في وعاء صغير ودفنت جنباً إلى جنب مع 74 قطعة نقدية أخرى في أسس المعبد، وهي بلا شك واحدة من عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، في حوالي 600 قبل الميلاد. (2)

———
1- مملكة ليديا، مجلة بابل للدراسات الإنسانية – المجلد الرابع، العدد الثالث.
2- الموقع الرقمي للمتحف البريطاني.