3,207 عدد المشاهدات
الكاتب: محمد أحمد السويدي – كاتب إماراتي
ما إن استقرَّ معالي راشد بن عبد الله النعيمي في مجلس الوالد، حتَّى هتف قائلاً: الحلوى، ولكن كأنَّ يداً خفيَّة نهته قبل أن يمدَّ يده، قال وهو يخاطب الوالد: جئت للسلام على أخي في لندن، ثمَّ شرع الوالد في بسط سجّادة أيام إكسبو اليابان عام 1970، وقال يخاطب الحضور: كنَّا قد فرغنا للتوِّ من افتتاح المعرض بحضور الإمبراطور وقفلنا عائدين إلى جناحنا عندما سمعنا صوتاً يصدح بأذان الظهر، فعجبنا من ذلك ورحنا نتعقَّب الصوت إلى أن انتهينا إلى جناحنا نفسه، قال راشد: كان هذا المؤذن الياباني غريباً حقّاً، فما إن حصل على شهادة الدكتوراه حتَّى قصد العقيد معمّر في ليبيا، فلم نعد نسمع عنه، وأضاف: من المواقف التي صادفته في ذلك المعرض عربيّ يبكي شوقاً إلى بلاده، فلمَّا سأله مِن أين هو قال: من إسرائيل، فعجب راشد من ذلك، ولمَّا سأل الوالد راشد عن المدّة التي قضاها في اليابان بمناسبة المعرض ردَّ قائلاً: ستَّة أشهر، وأضاف راشد: كانت الظروف صعبة، فلم نكن دولة بعد، فقال الوالد: ولكنَّ مكانة أبوظبي التي كانت تصدّر ربع الطاقة التي تحتاج إليها اليابان حرَّضت الشركات اليابانيَّة على إقناع الشيخ زايد، رحمه الله، بالمشاركة، ثمَّ تطرَّق الحديث عن الحلقات التي بثّتها قناة «العربيّة» عن تجربة راشد فأثنى الوالد على هذه الحلقات التي حرص على حضورها، وقال راشد إنه قابل سمو الشيخ محمد بن راشد بعد بثّ المقابلة فقال له: لقد رأيت الحلقات كاملة وشجّعني على مواصلة الإدلاء بهذه الذكريات وكذلك سمو الشيخ محمد بن زايد الذي كان راضياً عنها.
وأضاف: كنت أسمّى قبل هذه اللقاءات الصندوق الأسود، ولقد شجّعني دعم الشيوخ والناس على أن أبوحَ بمزيدٍ من الذكريات، ثمَّ تحدَّث الوالد عن عزمه لقاء جون مورال العضو الأخير الباقي من هيئة استثمار أبوظبي، قال الوالد: إنه تولّى أمر الهيئة التي كلّفه الشيخ زايد بمتابعة الأمر، وهي بعضويّة كلٍّ من معالي محمد الحبروش، ونديم الباجه جي، ومحمد الملّا، قال الوالد: كان الإنجليز يفاجئوننا بأكوام من الكراريس والتقارير الماليّة دون تحضير ودون جدول أعمال، فشكرناهم على جهودهم وقرَّرنا نقل اللقاءات إلى أبوظبي، واقتدينا بالكويت التي سبقتنا إلى ذلك، وأضاف الوالد: طلبنا لقاء مورال فأجابنا إلى ذلك ولكنّه حدَّد السّادس من أكتوبر موعداً مناسباً له؛ أي بعد أسبوعين، وبدأت مطالعة تاريخ المؤسَّسات الخمس الممثلة في ذلك المجلس، وهو العمل الذي كان ينبغي علينا إنجازه قبل 47 سنة من الآن، وأضاف الوالد: لقد عزمت على مقابلة جون مورال هذه المرّة وأنا ملمٌّ بما صارت إليه هذه الشركات، وكيف ومتى تأسَّست.
وقال إنه أخبر السيّد مورال بذكرى زيارة الوفد الذي كان يمثّل الشركات الخمس، وكان على موعد للقاء الشيخ زايد في أوّل السبعينيات، وكان الشيخ مخيّما في واجهة دبي عندما تأخَّر وصول الوفد الذي غرّزت سيّارته في الرمل وكان زايد مزكوماً ومرهقاً، فطلب منَّا الاعتذار للضيوف على أن يلقاهم في الغد، ولمّا وصلوا في العاشرة ليلاً اعتذر جميعهم عن المبيت في استراحة أعدَّت لهم، وقالوا جئنا للسّلام فبلّغوا الشيخ زايد تحيّاتنا، سوى جون مورال، فإنه عزم على قضاء الليل معنا وطلب أن تعدّ له خيمة فقد اشتاق إلى تلك الأيام التي قضاها جنديّاً في العلمين، حيث تعوَّد على الإقامة في الصحراء، قال الوالد: فلمّا ذكّرته بتلك القصّة سُرّ كثيراً، وانتقل الحديث بعد ذلك عن مذكرّات الوالد فقال: لقد بلغت زهاء 150 كرّاساً ونيّف، وهي مصنّفة بالمواضيع ومكتوبة بخطّ أنيق، وستتاح للأجيال القادمة التي من حقّها الاطلاع على تاريخ الدولة، وهذه المجلدات تبدأ من منتصف السبعينيات.
وأعلم أنَّ الوالد يسعى لسدِّ ما فاته من تدوين كلقاء سو سيلر، وجون مورال اللذين حرص على إنجازهما إبّان إقامته القسريّة في لندن، ثمَّ تحدّث عن الاتحاد والصعوبات التي واجهت القادة، وخصوصا توجُّسهم من استئثار الإمارة الأكبر أو الإمارتين الأغنى بالقرار، ولكن ثبت لهم فيما بعد أنَّ التجربة كانت في مصلحة الشعوب والقادة الذين ظلّوا يديرون شؤون إماراتهم دون تدخُّل من مركز أو سلطة؛ فعزَّز وأكرم الحكَّام وكسب الشعب، حتّى صارت الإمارات مضرب الأمثال.