راشد: «الصحة» للمواطن والمقيم… سواء

Business الإمارات ذكريات (مفكرة أخبار دبي) مجلة مدارات ونقوش – العدد 24– 25

 2,143 عدد المشاهدات

الكاتب : خليل البري

تحدثت في الحلقة السابقة عن المبادئ الأساسية الأربعة التي تقوم عليها فلسفة الحكم لدى المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وتأتي الخدمات الصحية في طليعتها. وفي هذه الحلقة سيكون الحديث عن مستشفى «دبي الجديد»، الذي أمر ببنائه الشيخ راشد، رحمه الله، في سبعينيات القرن الماضي، تلبية لحاجة المجتمع، من مواطنين ومقيمين، في إطار ازدياد عدد السكان في ظل التنمية الاقتصادية والبشرية التي تشهدها البلاد. وأستشهد هنا بقول للدكتور رضا كلثوم، مدير مستشفى راشد الأسبق، الذي التقيته في مكتبه بالمستشفى ليحدِّثَ القرّاء عن مشروع بناء مستشفى «دبي الجديد»، حيث قال: «انطلاقاً من رؤية الشيخ راشد البعيدة نحو مستقبل البلاد، كان سموه يأمر بتوفير الخدمات الصحية بصورة تزيد عمّا نطلبه منه».

وتالياً التفاصيل…

مستشفى دبي الجديد

في استطلاع أجريته ونشرته «أخبار دبي» في العدد 34 الصادر يوم الخميس 19 آب «أغسطس» 1976، عن إنشاء مستشفى «دبي الجديد» جاء فيه:

مستشفى راشد في دبي، يزدهي باتساعه ومستواه، بيد أنه يتواضع بعد سنوات ثلاث؛ ذلك لأنه يتألَّف من طابقين، أمّا مستشفى دبي الجديد فسيتكوَّن من 16 طابقاً، وإن كان مستشفى راشد مزوداً بمهبط لطائرة الهليكوبتر في ساحته، فإنَّ مهبط هذه الطائرة سيكون على قمة مبنى المستشفى الجديد. وإذا كان مستشفى راشد يعتمد على اليد البشرية في تنظيم قيوده الطبية، فإنَّ المستشفى الجديد سيعتمد على الكمبيوتر. وإذا كان مستشفى راشد بعد هذا كله عبارة عن مؤسَّسة للعلاج الطبي، فإنَّ مستشفى دبي الجديد سيضمُّ إلى جانب ذلك بنكاً ودكاكين لبيع احتياجات المرضى والزائرين، وكذلك قسماً خاصاً للعناية بالأطفال الذين يرافقون ذويهم في عيادتهم للمرضى.

16 طابقاً يعلوها مطار

هذه هي بعض ملامح مستشفى دبي الجديد التي كشف عنها الدكتور رضا كلثوم مدير مستشفى راشد في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه فوز المؤسسة البريطانية (جون هاريس وشركاه) في المسابقة العالمية التي أُجْرِيَت لتصميم المستشفى الجديد.

هذه الشركة هي ذاتها التي صمَّمت مستشفى راشد، كما أنها هي التي وضعت تصاميم مركز دبي التجاري الدولي الذي يجري إنشاؤه حالياً على طريق أبوظبي ويتكوَّن من 33 طابقاً.

 

 

الشيخ راشد في خبر مستشفى دبي الجديد
الشيخ راشد في خبر مستشفى دبي الجديد

 

متابعة أخبار دبي لحدث افتتاح الصرح الطبي الضخم
متابعة أخبار دبي لحدث افتتاح الصرح الطبي الضخم

 

يقول الدكتور رضا كلثوم: إنَّ من الأمور الواجبة أن تسبقَ الخدمات الطبية في أيِّ بلدٍ طموحٍ ويسير وفق خطة تنمية سليمة، أي نمو أو ازدياد سكاني ينتظر هذا البلد. وبناءً على هذه الرؤية البعيدة فقد أبدى صاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وسمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، رئيس دائرة الصحة والخدمات الطبية، رغبتهما في أن تبادر هذه الدائرة بإنشاء مستشفى كبير في دبي يواجه النمو الاقتصادي المطرد المشهود، ويسبق الازدياد السكاني الحتمي الذي يرافق الخطة الاقتصادية التي يجري تنفيذها.

وأضاف: إنَّ دبي تبني حالياً أكبر حوض جاف في العالم، وهي تبني أيضاً في جبل علي أكبر ميناء في الشرق الأوسط، وتبني كذلك أحد أكبر ستة مصاهر للألمنيوم في العالم، وغير ذلك من المشاريع الاقتصادية الجبارة التي ستبدأ الإنتاج تباعاً خلال السنوات الخمس المقبلة. ومثل هذه المشاريع سترفع عدد سكان دبي الحالي الذي يبلغ أكثر من مئتي ألف نسمة إلى أكثر من نصف مليون حسب تقديرات البلدية. وعلى هذا فقد أصبح لزاماً علينا، كجهاز يسهر على الصحة العامة، أن نواجه هذه الزيادة المطردة في التعداد السكاني. ومن هنا كان مستشفى دبي الجديد الذي سيضم (638) سريراً، ولعله بذلك يكون أكبر مستشفى يُنْشَأ في منطقة الخليج العربي.

مسابقة عالمية وتحكيم دولي

طرحت دائرة الصحة والخدمات الطبية عروضاً لوضع تصاميم هذا المستشفى الكبير على مستوى عالمي. واستجاب لهذه الدعوة (200) شركة هندسية محلية وعالمية، انتقت دائرة الصحة من بينها ثماني شركات تتوافر فيها عوامل الخبرة في إنشاء المستشفى على المستوى المطلوب. ولدى توزيع المواصفات الأساسية للمستشفى على هذه الشركات لتقديم تصاميمها على أساسها، تقدَّمت سبع منها بمشاريع تصميم المستشفى وهذه الشركات هي:

1- شركة أرنكو – دبي

2- الشركة العالمية للتصميم – لندن

3- جون هاريس وشركاه – لندن

4- كابا الاستشارية الهندسية – مدريد والشارقة

5- المجمع الطبي العالمي – كانساس- الولايات المتحدة

6- سكان للهندسة المعمارية والمدنية – السويد

أكبر مستشفى في الخليج العربي

وفي الرابع من الشهر الحالي اجتمعت لجنة من عشرة خبراء للنظر في التصاميم المقدمة. وبعد دراسة استمرت أربعة أيام خرجت لجنة التحكيم هذه بقرار إجماعي بفوز التصميم الذي وضعته مؤسسة جون هاريس البريطانية.

وضمَّت لجنة التحكيم:

1- الدكتور جمعة بلهول – مدير عام دائرة الصحة والخدمات الطبية

2- الدكتور ألكسندر هانيمان – مستشار الدائرة

3- المهندس جون دربي – مهندس بلدية دبي

4- الدكتور بيير كلمنت – ممثل منظمة الصحة العالمية

 

 

صورة الشيخ حمدان بن راشد في معرض حديثه من المستشفى
صورة الشيخ حمدان بن راشد في معرض حديثه من المستشفى

5- البروفسور ك.ا. سميث – عميد كلية الهندسة والفنون الجميلة في جامعة كاليفورنيا

6- الدكتور د.ا. مكريدي – دائرة الصحة الاسكتلندية

7- المهندس هوارد جودمان – كبير مهندسي دائرة الصحة والضمان الاجتماعي في المملكة المتحدة

8- الدكتور دافينداس سكمينا – جمهورية الهند

9- السيد س.ج. جوثي – مدير مستشفى بومباي

10- كما شارك السيد سلطان بن خليفة عضو المجلس البلدي ووكيل وزارة العمل في أعمال لجنة التحكيم.

ويتكوَّن مستشفى دبي الجديد من 16 طابقاً؛ منها طابقان أرضيان، ثمَّ برج بارتفاع 14 طابقاً آخر. وقد راعى التصميم الفائز الطابع الشرقي التقليدي للبناء، كما راعى متطلبات العمل الطبي تحت كل الظروف المناخية المحلية.

سيضمُّ المستشفى 638 سريراً موزعة في عشرة طوابق. وستكون في المستشفى ثلاثة أنواع من الغرف: غرفة لسرير واحد، وغرفة لسريرين، وغرفة لأربعة أسرة، بمعنى أنه لن يكون في المستشفى الجديد عنابر جماعية كبيرة. وستكون كل الغرف مزودة بدورة مياه خاصة، كما تطل جميع الغرف على البحر، والميناء، ومدينة دبي.

الطابق الأرضي من المستشفى سيضمُّ العيادة الخارجية، وكذلك قسماً كبيراً للحوادث يتصل مباشرة مع مهبط الهليكوبتر الذي يُنْشَأ في قمة المبنى، ويتبع قسم الحوادث قسم للجراحات الصغيرة وقسم للإدخال المؤقت، حيث يمكث المريض تحت المراقبة ليوم أو بعض يوم.

كذلك فإنَّ هذا الطابق يضمُّ قسم السجلات الطبية، وقد ترك فيه مجال كافٍ لتنظيم هذه السجلات بواسطة العقل الإلكتروني (الكمبيوتر). والمدخل الرئيس للمستشفى سيضم قسماً للاستعلامات وإرشاد المرضى والزائرين، كما يضمُّ أيضاً محلات مخصصة لافتتاح بنك وعدداً من الدكاكين لبيع احتياجات المرضى والزائرين، وكذلك قسماً لرعاية الأطفال في أوقات الزيارة.

وسيتزود مستشفى دبي الجديد بـ(12) مصعداً لتوفير الخدمات المختلفة التي يحتاج إليها.

مستشفى دبي الجديد سينشأ في موقع المصلى قرب مستشفى الكويت حالياً، وسيبدأ إنشاء المستشفى الجديد في بداية العام المقبل، وسينتهي العمل فيه خلال عام 1980. أما التكاليف فتبلغ نحو 350 مليون درهم، أي (50) مليون جنيه إسترليني. وتستنفذ المدة من الآن وحتى نهاية العام الحالي في إعداد مواصفات عطاء إنشاء هذا المستشفى الكبير، حيث يطرح الإنشاء عقب ذلك في منافسة كبرى بين الشركات المؤهلة.

ويتحدث الدكتور هانيمان مستشار دائرة الصحة والخدمات الطبية من الجهاز الذي سيعمل في المستشفى فيقول: إنَّ المستشفى الجديد سيحتاج إلى نحو (2000) موظف بين طبيب وممرض وإداري وعامل. منهم (75) طبيباً، و(600) ممرضة، و(600) فني وإداري.

طبيب واحد عام 1940

ويتناول الدكتور رضا كلثوم الحديث فيقول: إنَّ إنشاء مستشفى دبي الجديد يدلل على مدى الاهتمام الذي توليه حكومة دبي للرعاية الصحية؛ فميزانية دائرة الصحة والخدمات الطبية ارتفعت من (38) مليون درهم عام 1975 إلى (60) مليون درهم عام 1976. وقد رصد مبلغ (200) مليون درهم أخرى للأعمال الإنشائية في المستشفيات الحالية ومركز الخدمات والمراكز الطبية التسعة الأخرى التي أقامتها الدائرة في مختلف أحياء المدينة. وهذه المخصصات لا تشمل طبعاً تكاليف المستشفى الجديد البالغة (350) مليون درهم، غير ما نحتاجه لإنشاء المرافق والمساكن لموظفي المستشفى الجديد.

على من يقع اللوم؟!

ويدور حوار بين إداريي دائرة الصحة، وبين رجال الصحافة حول الطاقم الوظيفي العامل في مستشفيات الدائرة، وافتقارها إلى العدد الكافي من الموظفين العرب. ويرد الدكتور كلثوم على ذلك قائلاً: لقد وقعنا بين خيارين نعمل جاهدين للتوفيق بينهما. فنحن نريد خدمات طبية رفيعة المستوى لا نستطيع تأمينها دون الاستعانة وإلى حد بعيد باليد العاملة غير العربية، ثمَّ نحن نريد الطاقم العربي المنسجم مع البلد والوضع الاجتماعي فيه.

 

الدكتور جمعة بلهول مدير عام دائرة الصحة والخدمات الطبية
الدكتور جمعة بلهول مدير عام دائرة الصحة والخدمات الطبية
الدكتور ألكسندر هانيمان
الدكتور ألكسندر هانيمان

 

 

الدكتور رضا كلثوم
الدكتور رضا كلثوم

 

ويضيف: ليس من السهل أن تجد الطاقم المطلوب في البلاد العربية. لقد عبرنا هذه التجربة وبذلنا الجهود فيها، ولكن النتيجة لم تكن إيجابية، حيث وجدنا أنَّ المعروض هو غير المستوى المطلوب، أو أن المقبول هو أقل من حاجتنا.

ثمَّ ينظر الدكتور كلثوم إلى مخططات مستشفى دبي الجديد المطروحة أمامه ويقول: لم يكن في دبي عام 1940 سوى طبيب واحد، والآن أصبح لدينا مستشفيات تتسع لأكثر من (700) سرير، إلى جانب العديد من العيادات الحكومية والخاصة، كل ذلك حصل في ربع قرن فقط.

والواقع فإنَّ سمو الشيخ راشد وسمو الشيخ حمدان يعطياننا الميزانية التي نطلبها مهما كانت مشاريعنا طموحة.. بل هما يغدقان علينا أكثر مما نطلب، وذلك انطلاقاً من رؤيتهما البعيدة واطلاعهما على ما هو مخطط للبلاد من نمو اقتصادي كبير.

هل الاسم مشكلة؟

وبين الاطمئنان إلى الخطوات المتخذة للنهوض بالخدمات الطبية، والاستجابة إلى احتياجات التقدم، يدور سؤال جانبي حول الاسم الذي سيحمله المستشفى الجديد! فاسمه المطروح الآن وهو (مستشفى دبي الجديد) ليس بالاسم الذي يتصف بالديمومة! فالجديد سيصبح قديماً بعد سنوات.. وهكذا فقد طرح عدد من الأسماء من بينها (مستشفى دبي)، فذلك من شأنه أن يعكس تقدُّم دبي من خلال تقدُّم خدماتها الطبية.. وكذلك طرح اسم (مستشفى بني ياس) فبني ياس هي القبيلة العربية الأصيلة التي ينحدر منها آل نهيان حكّام أبوظبي، وآل مكتوم حكّام دبي، وأيضاً طرح اسم (مستشفى ابن ماجد)، وابن ماجد، وكما هو معلوم، هو ابن هذا البلد، دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي جاب البحار، وانتزع إعجاب الجماهير التي أطلقت عليه اسم (السندباد البحري). فأي هذه الأسماء سيحمل مستشفانا الجديد الذي سيرتفع ستة عشر طابقاً، ويرفع لواء الصحة في أجواء خليجنا العربي؟