2,333 عدد المشاهدات
خاص «مدارات ونقوش»:
لا تترك دولة الإمارات العربية المتحدة شيئاً للمصادفة، إذ يتمُّ التخطيط بإتقان ودقة مسبقين لكلِّ حدث أو مناسبة، في البلد الذي أصبح قبلة للسيّاح والزائرين من أصقاع الأرض، الذين يتوافدون بالملايين سنوياً على مهرجاناتها ومعارضها وفعالياتها التي تدرُّ ملايين بل مليارات الدراهم، ويتمُّ تنظيمها وفق خطط ورؤى قيادة حكيمة تهدف إلى اقتصاد مزدهر، وإنسان تملأ حياته السعادة، ووطن مستقر وآمن ينافس على المراتب الأولى عالمياً في كلِّ شأن.
مهرجانات ومعارض تسوُّق تجارية وصناعية وسياحية تشهدها الدولة طوال العام، تحقِّق نجاحات منقطعة النظير، مدعومة بأنشطة وفعاليات ينظمها القطاع الخاص، الشريك التوأم للقطاع العام في مسيرة البناء والعطاء التي لمّا تزل مستمرة منذ قيام الدولة، بهدف تقدُّم وازدهار شعب الإمارات.
من فيض فعاليات وأنشطة القطاع الخاص، تبرز معارض السيارات الكلاسيكية الدائمة التي يسعى أصحابها إلى ربط الماضي العريق بالحاضر الزاهر والمستقبل المشرق.
ولعلَّ من أبرزها “معرض أسرة السركال” في دبي، ناهيك عن المعارض والمهرجانات السنوية التي تنظِّمها مؤسَّسات وأندية متخصِّصة، كما هي الحال بالنسبة إلى معارض السيارات والدراجات المتنوعة التي تنظِّمها مؤسَّسة دبي للمهرجانات والتجزئة، إحدى مؤسَّسات دائرة السياحة والتسويق التجاري.
معرض السركال
هناك في ديرة، وعلى مسافة غير بعيدة عن مطار دبي الدولي، يقع مبنى السركال الذي ينفرد بهندسة معمارية مميزة تدفع الزائر والمقيم في دبي إلى تلمُّس التاريخ العريق الذي يعكسه تصميمه وزخرفته، ويجهل الكثيرون أنَّ جوفه يحوي معرضاً يضمُّ مجموعة من عشرات السيارات الكلاسيكية التي تحاكي بعراقتها، زخارف البناء الخارجي.
ممّا يلفت نظر الزائر للمبنى أنَّ أشعار أمير الشعراء أحمد شوقي، وآخرين، ترصع جدران المعرض، لتزيد من عراقة المكان، إلى جانب العديد من التحف والمنحوتات الفنية التي يتمثّل بعضها بصناديق قديمة منحوتة بشكل فني أنيق.
في الداخل متحف للسيارات القديمة يضمُّ أكثر من 60 سيارة قديمة، من بينها سيارة «الكاديلاك ليموزين» التي تعود للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وسيارة «فورد» صُنِعَت عام 1918، وسيارة «رولز رويس» تعود لعام 1972، تمَّ تجميعها على مدار السنوات الطويلة. ويعدُّ من أكبر معارض السيارات الكلاسيكية في الإمارات.
يقول ناصر أحمد السركال، إنَّ عمَّه عيسى بن عبداللطيف السركال جلب سنة 1924 أوَّل سيارة إلى إمارة رأس الخيمة، من نوع “فورد”، سعة أربعة ركاب، كان يستعملها في تنقلاته بين منطقتي المعيريض وشمل.
وفي العام 1928 جلب سيارة أخرى إلى الشارقة، واستعملها في تنقلاته بين دبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والمناطق المجاورة، عبر الطرق الساحلية الصلبة.
وفي العام 1934م، افتتح خانصاحب حسين حسن عماد، ولأول مرة، الطريق بين الشارقة ورأس الخيمة بوساطة سيارة “فورد” مماثلة لسيارة عيسى السركال.
في المعرض تقف سيارات عاصرت الحربين العالميتين الأولى والثانية، إلى جوار سيارات عسكرية تمَّ الحفاظ على إطاراتها من دون أيِّ تعديل.
تعايش
اهتمَّ المعرض بالسيارات التي تحمل سمات ودلائل أصبحت لصيقة ببعض الدول مثل باص النقل المشترك الصغير الذي ميّز أرخبيل الفلبين، والذي يعكس طريقة المواصلات التي كانت معتمدة هناك في فترة من الفترات. ومن البرازيل، سيارة «فولكس واغن»، المصنوعة من مادة الفيبر غلاس، والتي أصبحت من رموز شوارع بلاد السامبا.
وتتعايش هنا سيارتان كانتا يوماً تتقاسمان العالم. فمن الولايات المتحدة الأمريكية، تقف سيارة الفورد، التي يعود تاريخ تصنيعها لعام 1940، وهي من النوع الفخم، تتشابه فيها طريقة فتح الأبواب مع طراز الرولز رايس القديم، وتعكس قوة صناعة السيارات الأمريكية، وخاصة أنها مصنَّعة من الحديد المضاد للرصاص، إلى جوار سيارة من عهد الحكم الشيوعي في أوروبا الشرقية.
جانب من السيارات المعروضة في متحف السركال
تتعايش السيارتان هنا في سلام قلَّ نظيره في العالم الخارجي، وتبدو على وجوه الزائرين ملامح الدهشة والانبهار من هذا المكان الذي يعيدنا إلى سنوات كثيرة خلت في مدينة يتسمُّ كلُّ ما فيها بالعصرية والحداثة.
عرض
يقول عيسى بن ناصر بن عبد اللطيف السركال، الذي يهوى جمع السيارات الكلاسيكية النادرة، وقد زار العديد من دول العالم، في محاولة لجمع أكبر عدد ممكن منها: «إنَّ تاريخ المعرض يعود لعام 1947، حين أسَّسه والده ناصر عبداللطيف السركال، وهو منذ ذلك الوقت يسعى للتجديد من خلال التطلُّع إلى إضافة سيارات قديمة مختلفة».
ويؤكّد السركال أنَّ السيارات الموجودة هي للعرض فقط، ويقول: «لكننا نقدم إصلاح أي من السيارات الكلاسيكية الموجودة في دبي والتي يمكن أن تردنا من خارج المعرض».
وعن سبب اختيار هذا المبنى تحديداً لاحتضان معرض للسيارات الكلاسيكية، يوضّح السركال أنَّ قربه من مطار دبي الدولي يجعله في منزلة الواجهة للمدينة، كما يعدُّ البناء مجموعة ثقافات مندمجة بروحية تتناسب مع المعروضات الموجودة.
ويتحدَّث السركال عن وجود الكثير من العروض التي يتلقاها المعرض من قِبَل الكثير من الشركات لشراء السيارات المعروضة لكنها تُرفض، معللاً ذلك الرفض بقوله: «لأننا لا نهتم بالمردود المادي الذي يمكن أن نحصل عليه، فهذه السيارات للعرض وليست للبيع».
لغات
الزائرون الذين يقصدون المكان، هم من مختلف الجنسيات، ويرى السركال في اختلافهم «مرآة لزائري دبي» الذين يأتون من كلِّ حدب وصوب. وهو لذلك أصبح متقناً لأكثر من لغة أجنبية، ما يسهّل عليه التواصل باللغات المختلفة التي تزور المكان.
وعن أقدم سيارة موجودة في المعرض، نجد تحفة فورد القديمة، التي صنعت من الخشب عام 1928، بمحرك بدائي بسيط جداً، بقوة أربعة سلندرات، وكانت تستعمل لتوزيع الألبان.
إلى جانبها، تقف سيارة ستروين، موديل عام 1948، ذات الأبواب الأربعة المتحركة، ومحرك بقوة أربعة سلندرات أيضاً. ومن ستروين أيضاً، سيارة أخرى تعود لعام 1950، ما زالت محافظة على جمالها وأناقتها، التي تميّز بها التصميم الفرنسي القديم، وهي سيارة مكشوفة بأربعة أبواب ذات قبضات غريبة الشكل. أمّا بيك أب فورد الأحمر القريب، فيعود تاريخ تصنيعه إلى العام 1955، وإن كان ما زال محافظاً على جماليته الأولى.
هواية
وقال مدير العلاقات العامة في مؤسَّسة ناصر بن عبداللطيف السركال، سلامة عبداللطيف: «إنَّ هواية عيسى السركال في جمع السيارات جاءت كنتيجة طبيعية للأسفار الكثيرة التي يقوم بها حول العالم»، مؤكداً «أنَّ هذه الهواية لم تتحوَّل بشكل من الأشكال إلى هوس، والدليل على ذلك أنَّ السيارات في المعرض ليست ذات تواريخ متسلسلة أو تعود إلى حقب معينة بذاتها، بل هي متنوعة ومختلفة»، معتبراً أنَّ هذه الهواية جزء من هوايات عدة منها «جمع الطوابع، وحفظ الشعر واهتمام واضح بالهندسة المعمارية»، وأشار عبداللطيف إلى البناية التي يوجد فيها المتحف، والتي تتميز بطابعها الإسلامي، وتزدان بآيات قرآنية تزخرف المكان وقصائد كبار الشعراء.
حياة الأجداد
وحول ارتباط السيارات بأحداث سياسية وتاريخية أوضح سلامة عبداللطيف أنَّ السيارة العسكرية «البوت فور»، كانت تستخدم قبل الاتحاد في نقل الأشخاص من عُمان إلى دبي والعكس، ومن بين السيارات المهمّة في المعرض سيارة «كاديلاك» عائدة للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وتعدُّ شاهدة على فترة حكمه رحمه الله لإمارة دبي»، وأشار عبداللطيف إلى أنَّ سيارة «لينكولن» تعود لوالد عيسى، المرحوم ناصر السركال، وسيارة «كاديلاك» بيضاء كانت تملكها والدته، وهناك سيارة من نوع «مرسيدس» تعود إلى أوائل السبعينيات، وكان يستخدمها السركال أثناء وجوده في أوروبا، وهناك سيارة الجيب العسكرية التي حرص السركال على اقتنائها وبحث عنها إلى أن وجدها في الفلبين.
ماضٍ وحاضر
أكّد عبداللطيف أنَّ الهدف الرئيس بالنسبة إلى السركال في إنشاء هذا المعرض هو إرضاء عشّاق السيارات القديمة وهم كُثُر في دبي؛ فالمعرض يحقِّق فرصة مميزة لأصحاب هذه الهواية ليشاهدوا السيارات غير المعروضة للبيع دون دفع رسوم دخول، فالعلاقة بين السيارات والناس على حدِّ تعبير عبداللطيف، تجاوزت الإبهار إلى العودة لذكريات الماضي.
وأوضح أنَّ «معظم مرتادي المعرض من كبار السِّن الذين عايشوا حقبة السيارات المعروضة»، وأضاف: زارنا شخص من جنوب إفريقيا وانهار باكياً عندما شاهد سيارته التي كان يقتنيها لدينا، وقال إننا أرجعناه إلى أجمل فترة في حياته، وجلس في سيارته وعاش لحظات جميلة مع نفسه، وكل فترة يأتي هذا الشخص ليجلس في سيارته.
مصادفة
وعن الطريقة التي يستخدمها السركال في جمع السيارات قال عبداللطيف: «لا توجد آلية أو تخطيط معين بل تلعب المصادفة دورها، وأي سيارة تعجبه يأخذها على الفور، حتى إنه لا يعتمد فقط على السفر، بل تأتيه السيارة إلى هنا ولا يتأخّر لحظة في شرائها»، مؤكّداً «التركيز بالنسبة إلى السركال هو الحصول على سيارات يفصلها عن زمننا الحالي ما لا يقل عن 50 عاماً، كي يطلق عليها سيارات كلاسيكية».