سين جيم من مجلة مدارات ونقوش العدد(16-17)

مجلة مدارات ونقوش – العدد 16 - 17

 3,089 عدد المشاهدات

يجيب عنه : جمال بن حويرب

* السؤال الأول:

 ما معنى اسم شخبوط؟ وهل له أصل في الفصحى؟

س.م البحرين 

الجواب: وصلتنا مجموعة من مثل هذه الأسئلة عن الأسماء المشهورة في بلادنا وفي الجزيرة العربية، والتي قد يتبادر إلى بعض العرب أنها أسماء ليست عربية أو أنها عامية بحتة منحوتة من مفرداتٍ قد تكون عربية أو أعجمية. ومن هذه الأسماء اسم «شخبوط»، والذي لا تسعفك المعاجم لأصل مادته ولهذا نحتاج إلى التدبُّر في أصله خاصة أنه اسمٌ مشهورٌ وقديمٌ في الجزيرة العربية عند شيوخ قبيلة ظفير، من مثل شخبوط بن حلاف الذي قُتِلَ في إحدى المعارك عام 966 هجرية، وكذلك عند قبيلة آل بوفلاح الياسية؛ فهو جَدُّ الحكام من آل نهيان حكام أبوظبي الكرام، وكذلك اسم حاكم أبوظبي الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان ما بين (1928-1966)، وأيضاً اسم سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في الرياض الشيخ شخبوط بن نهيان بن مبارك آل نهيان حفظه الله.

وعند النظر في هذا الاسم نجد أنَّ مادته مشتقة إمّا من:

– الشخت والشخيت، وهو الرجل الضامر من غير هزال فأضافت العامة له وزن فعلول وأبدلت التاء طاء، وأضافت الباء على مرِّ الوقت فقالوا: «شخبوط» وقد تمَّ تحريف بعض الأسماء العربية والصفات بسبب البعد عن اللغة الفصحى، وقد يعترضُ معترضٌ هنا بأنَّ هذا تكلُّفٌ في الاشتقاق، وأنَّ هناك قلباً مكانياً وقع في المفردة، فأصل هذه المادة يدور حول مادة شطب، وقد اشتقت منها العامة موادَّ جديدةً منها شخبط، إذْ «شطب» بمعناها الحديث هو طمس الكتابة أو الخط عليها. ولو تدبّرنا قليلاً فكأنّها كانت تتكوَّن من مفردتين «خطّ وشطب» فأصبحتا «شخبط» مع كثرة التداول، ثمَّ اشتقوا منها اسم الطفل «شخبوط» كما فعلت العامة مع مفردة طحن، وهو الذي يطحن أعداءه في الحرب فقالت: طحنون، وهو اسمٌ شائعٌ أيضاً في قبيلة آل بوفلاح، وأيضاً سعدون من السعد، وقد يعترضُ معترضٌ على هذا المعنى بأنَّ الشيوخَ لن يسمّوا أبناءهم مثل هذه الأسماء الغريبة إلا إذا كانت تعني العزة والقوة والمنعة والزيادة، فنردُّ عليهم: يمكن أن يكونَ الاسمُ في بدايته بهذا المعنى حتى أصبح اسماً مشهوراً لا يُعْرَفُ معناه؛ بسبب شهرة صاحبه في تلك الحقب القديمة، فسمَّت به العربُ أبناءَهم تيمُّناً كما يسمّى اليوم آلُ نهيان على جَدِّهم شخبوط، وإن لم يُعْرَف معنى الاسم، ولكن تيمُّنا بأن يكون صاحبُ الاسم يحملُ نفسَ صفات جَدِّهم.

قصر الحصن

– وإمّا أن يكونَ اسمُ «شخبوط» من مادة شخب والشخب: الدم وكل ما سال فقد شخَب، وشخب أوداجه دماً فانشخبت قطعها فسالت، ومنه قول الأخطل:

جاد القلال له بذات صبابةٍ    

     حمراء مثل شخيبةِ الأوداجِ

وعلى هذا المعنى يمكن أن يكونَ اشتقاقُ اسم «شخبوط» من شخب الدماء، أي دماء الأعداء؛ فقد كان العرب يختارون لأبنائهم أقسى الأسماء وأشدَّها تيمُّنا بالغلبة على أعدائهم وتخويفهم، ثمَّ أضافت العامة الواو والطاء ليكتملَ الاسمُ؛ فتغيَّر مع الأيام من شخب إلى «شخبوط» وقد يكون هذا الاشتقاقُ الأقربَ إلى الصحة.

ونريد التنبيه بأنَّ الأسماءَ في اللهجات تختلفُ عن الفصحى من جهة الاشتقاق؛ بسبب دخول مفردات جديدة وتحريف مفردات فصيحة كثيرة حتى ابتعدت كثيراً عن أصلها العربي، مثل قولهم شخبط الذي مر، وقولهم خربط من التخريب، ومنه قالوا لمن لا يكون جاداً في قوله أو عمله إنه «خربوط»، وهذا لا أصل له من الفصيح ولكنه مشاع في العامية بعد تحريف المادة ونحتها على مر السنوات، هذا والله أعلم.

*السؤال الثاني:

ما معنى قولهم «غربله الله»؟

عبدالله – أبوظبي

الجواب: الغربلة في اللغة العربية تعني التفريق والقتل، وتعني كذلك التنقية والتصفية، وعندما يقول أحدهم بلهجتنا: «الله يغربله» فهو يعني أنَّ الله يصفيه من كلِّ خير،  وقد يحملُ بعضُهم  هذا الدعاءَ على محمل الإيجابية فيقال: إنه يعني أنَّ الله يصفيه من العيوب، ولكن هذا المعنى قليلٌ جداً ولا أظنُّ أحداً يعنيه هذه الأيام، بل إنَّ الناس إذا دعوا بهذا الدعاء فإنهم يعنون الدعاءَ عليه وليس له.

كذلك إذا قالوا: «الجماعة تغربلوا» فهم يعنون أنهم دخلوا في شدة وبأس، ولم يأتِ بغير هذا المعنى في كلام العامة والشعراء، ومنه قولُ الأمير خالد الفيصل:

وإن عاكست سود الليالي يموتون

                     والحب «غربالٍ» من أول وتالي

وهو بنفس المعنى الذي ذكرته لكم.

وأخيراً، هذه دعوة منّا لمن يكثر من هذه المفردة أن يقصدَ عندما يقول: «غربله الله» ذلك المعنى القليل، وهو تصفية الشخص من العيوب والذنوب، فيكون دعاءً له لا عليه، أو يزيد عليه كما يفعل بعض الناس فيقولون: «الله يغربل إبليسك» فيحوِّلون الدعاء على إبليس ليتجنَّبوا الدعاء على أهلهم وإخوتهم.

لعبة الحالوسة

*السؤال الثالث:

 نسمع عن لعبة الحالوسة عند البدو، فماذا تعني؟

محمد – جدة

الجواب: الحالوسة لعبة بدوية عربية قديمة قدم تاريخ الألعاب العربية يلعبها الصبيان، وقد يلعبها الكبار، وهي لعبة قائمة على الذكاء والفطنة والصبر، أعني أنني أستطيع أن أطلق عليها شطرنج العرب، ولكنها لا تحتاجُ إلى مجسَّمات ولا إلى طاولة فخمة تُصفُّ عليها المجسَّمات الخشبية، فالحالوسة لا تحتاج إلا إلى لاعبيْن اثنيْن ورملٍ بأرضٍ سهلةٍ و5 بعراتٍ، أعزَّكم الله، و5 حُفر، وقد تزيد فتجعل البعر في حفرةٍ، ثمَّ يقوم اللاعبان بالتناوب على أخذ البعر ووضعها في الحفر، فإذا بقيت بعرتان أخذهما اللاعب ووضعهما أمامه، وإذا بقيت واحدة تركها وفي آخر اللعبة من زاد عدد بعره فاز وغلب صاحبه، وهي كما ذكرت لعبة ذكاء لا يزال البدوُ يلعبونها. وقد تطوَّع بعض الدارسين للهجتنا فذكر الحالوسة ولم يجد لها معنى، ثمَّ ذكر الحلس وهو السهم الرابع من سهام الميسر في المعجم العربي كأنه يشير إلى أنَّ الحالوسةَ مشتقةٌ من هذا السهم وهذا ليس بصحيح.

  جاء في معجم العباب الزاخر: الحَوَالِس لعبة الصبيان العرب وهي أن يُبَيَّتَ خمسةُ أبياتٍ »حفر« في أرضٍ سهلة؛ ويُجْمَعَ في كلِّ بيتٍ خمسُ بَعَرات وبينها خمسة أبيات ليس فيها شيءٌ، ثمَّ يُجَرُّ البعرُ إليها، والحالسُ خطٌّ منها. قــال عبدالله بن الزبير الأسَدِيّ:

وأسلَمَني حِلْمي وبِتُّ كـأنـَّنـي         

    أخو مَرِنٍ يُلْهِيهِ ضَرْبُ الحَوالِسِ

 قلت: الحوالسُ جمعٌ لحالوسة، ولم يعرف أصحاب المعاجم العربية كيف كانوا يلعبونها ولا المفرد منها، ولكن لهجتنا بيَّنت المفرد فقالت حالوسة، وبيَّنت أيضاً كيفية لعبها.