3,353 عدد المشاهدات
مدارات و نقوش (خاص)
أوغندا بلاد الملوك والتعددية الثقافية واللغات، ولهم عادات طيبة في معاملة ضيوفهم، وخاصة الحفاوة التي تلقّاها العرب العمانيون في أوَّل وصولهم إلى هذه الدولة المجهولة تماماً لدى العرب حتى زمن حكم السيد سعيد بن سلطان لزنجبار؛ فبدأ الاستكشاف العربي قبل أي دولة أخرى من العالم.
يقول محمد بن ناصر الحارثي في مقال نُشِرَ في جريدة الوطن العمانية:
في عام 1844م، دخل أحمد بن إبراهيم العامري إلى أوغندا، وهو يعدُّ من أوائل العمانيين الذين وصلوا إلى أوغندا، حيث عرض الإسلام على ملك «بوغندا»، ثمَّ تبعه كثير من العمانيين بعد ذلك.
لقد أسهم وصول العمانيين إلى أوغندا واستقرارهم فيها، في توسُّع وازدهار الحركة التجارية العُمانية، فأصبح كثيرٌ من التجار يقدمون على عرض وتبادل تجارتهم في أوغندا، واستقرَّ بعضهم فيها بعدما شعروا بالأمان، وهذا حال بعض أجدادنا الذين قرَّروا العيشَ والاستقرارَ فيها.
ترجع كلمة «إيجانجا» إلى موسيقي اسمه «آباي وايجانجلا» الذي كان يجذب الجمهور المحلي والتجار العُمانيين أيضاً. وقد أَطلق المحليون في تلك المنطقة على العُمانيين لقب الـ«ايجانجا» لعدم مقدرة بعض العُمانيين على نطق اسم المغني بشكل صحيح.
ثمَّ يتابع الحارثي فيقول:
«لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى ظهرت بوادر التأثير العُماني في ثقافة الشعب الأوغندي، حيث غيَّرت بعض القبائل الأوغندية الملابس الخاصة بها، وظهرت الملابس العُمانية «البشت والدشداشة» في أوساط الشعب الأوغندي، وكان الملك الأوغندي «كاباكا»، أوَّل من ارتدى الدشداشة العُمانية المعروفة باسم «كانزو»، والبشت المعروف باسم «بيسوتي»، ثمَّ تبعه كبار المسؤولين في الدولة».
الدشداشة العمانية
في الغالب تكون الدشداشة باللون الأبيض أو الحليبي. وقد اتخذ الأوغنديون الدشداشة لباساً لهم في قرية بوغندا أولاً، ثمَّ بدأت بالانتشار ببطء إلى القرى المجاورة؛ مثلاً في تورو، بوسوجا اُسْتُخْدِمَت لباساً للوظائف الرسمية.
ويعدُّ نموذج الدشداشة العُمانية القديمة التي قام الأجداد بخياطتها باليد في عُمان هي المستخدمة حتى الآن في أوغندا، وتبيعها المحلات والأسواق المحلية في بوغندا، بسوجا، بونيورو، وتورو، بينما نحن في عُمان قمنا بإجراء تغييرات على الدشداشة العُمانية، وأمّا الدشداشة التقليدية القديمة التي صنعها الأجداد فلا تزال تُخاط وتُباع وتُلبَس في أوغندا حتى الآن.
التأثير العُماني في الأوغنديين شمل أيضاً ارتداء الإزار المعروف محلياً باسم «بيكوي»؛ ففي أوغندا، لا يرتدي الرجال الأوغنديون الإزار أسفل الملابس كما يفعل العمانيون، وتضعه المرأة الأوغندية تحت ملابسها، ويعدُّونه نوعاً من الأناقة.
حالياً يأتي الإزار في تصاميم وألوان متنوعة، ويُسْتَوْرَد من دول مختلفة، وتخيط المرأة الأوغندية ملابسها باستخدام الإزار في تصاميم مختلفة. وأودُّ أن أذكرَ أنَّه بدأ في عُمان صنع وخياطة الإزار التقليدي في أشكال ونماذج متنوعة، وصناعته قد تمّت في قرى عُمانية محلية، وقد صُدِّر قديماً للأقطار الخارجية.
انتشرت على نطاق واسع أنواع متعددة من الإزار العُماني في أوغندا منذ عام 1880م، وسُمِّيَ طبقاً للقرية العُمانية التي تمَّ صنعه فيها، مثلاً:
يُطلَق على الإزار الذي تمَّ صنعه في قرية قريات العمانية «كارياتي»، وفي إبراء «بولا»، وفي سمائل «اسمايري». و«الجابري» يُطلَق على الوزار الذي تكون تصنيفته واسعة، وهناك أيضاً «صوبَيرة» وهو الذي يوضع حول الكتف والرأس. وهذه الأسماء المختلفة للإزار لا تزال معروفة حتى الآن في أوغندا.
محمية أوغندا
هذه لمحة عن التأثير العماني في أوغندا من صحفي معاصر، لعله لم يعرف أنَّ رجلاً من أجداده «آل حرث» كان من أوائل العمانيين الذين وطئت أقدامهم أوغندا، كما جاء في كتاب قديم لنبيل بريطاني درس تلك البلاد وخرج بكتاب مهم جداً من جزأين باسم «محمية أوغندا» لمؤلفه السير هاري جونستون، وطُبِعَ في لندن عام 1902. وقد اخترنا لكم ما يخصُّ تاريخ عمان في أوغندا فيقول:
تعدَّدت الدوافع التي حثَّت عرب مسقط، الذين تسيَّدوا ساحل شرق إفريقيا من أرض الصومال إلى موزمبيق، على استكشاف المناطق الداخلية المجهولة خاصة في اتجاه أرضٍ تُعْرَف باسم «يونيامويزي» (Unyamwezi) أو أرض القمر. خلال الأربعين سنة الأولى من القرن التاسع عشر، تقدَّم العرب في زنجبار شيئاً فشيئاً نحو المناطق الداخلية خلف ساحل زنجبار؛ فاكتشفوا بحيرة نياسا، وسمعوا شائعات عن بحيرة فيكتوريا وتنجانيقا.
خلال أربعينيات القرن التاسع عشر رسَّخ عرب مسقط مكانتهم بقوة كتجار في« يونيامويزي»، وكانوا يعاملون السكّان الأصليين بشكل جيد، باستثناء أنهم اشتروا عبيداً من أسياد على استعداد لبيعهم، وكانت تلك صفقة لم تحدث انطباعاً سيئاً على الإطلاق عن الزنوج. وبالكاد، واجه عرب مسقط أي عقبات في التوغُّل إلى المناطق الداخلية بحثاً عن التجارة؛ فوصلوا إلى شواطئ بحيرة فيكتوريا، وسمعوا شائعات عن ممالك قوية تقع إلى الشمال والغرب من تلك البحيرة.
تجار عمانيون في أوغندا في نهاية القرن التاسع عشرُ
أول جندي
من ناحية أخرى، بدأت إمبراطورية هيما الأرستقراطية الحذرة في كاراغوي وأوغندا تسمع عن هؤلاء الرجال الملتحين ذوي البشرة الفاتحة، الذين كانوا يأتون للتجارة مع الطرف الجنوبي من البحيرة العظمى. تلقّى التجار العرب دعوة إلى بلاط «سوارورا» ملك هيما في مدينة كاراغوي، الساحل الجنوبي الغربي لبحيرة فيكتوريا، وكذلك إلى بلاط خليفته «رومانكيا» الذي اتصف بطبيعته اللطيفة.
كان أول جندي غير زنجي من العالم الخارجي يدخل أوغندا، هو جندي بلوشي من زنجبار، يدعى عيسى أو عيسوه بن حسين، قد فرَّ من دائنيه، بداية إلى المستوطنات التجارية العربية في يونيامويزي، ثمَّ إلى كاراغوي وأخيراً إلى بلاط «سونا» ملك أوغندا؛ ولا بدَّ أنه وصل هناك نحو عام 1849 أو 1850م. أكسبه وجهه الحسن وشعره الكثيف حظوة لدى الملك، وأصبح معروفاً باسم «موزاجايا» (Muzagaya)، أي كثيف الشعر. وقد أصبح قوة في أوغندا حتى وفاة الملك «سونا» عام 1857م. وكان يملك مجموعة كبيرة من النساء قوامها 300 امرأة.
من خلال عيسى البلوشي، سمع ملك أوغندا وحاشيته وشعبه لأول مرة عن عالم من العرب والرجال البيض خارج ماسايلاند ويونيورو وتنجانيقا، فبعث «سونا» خطاباً إلى التجار العرب في كراغوي داعياً إياهم إلى بلاطه. وكان الشيخ ثاني بن عامر الحارثي أوَّل مَن قبل هذه الدعوة. وفي عام 1852، وقف هذا التاجر العربي بحضور أقوى ملك لأفضل دولة إفريقية منظمة في عصرها، بمنأى عن النفوذ العربي أو الأوروبي. بقي سناي بن أمير بعض الوقت مع الملك «سونا»، وزوده بالكثير من المعلومات حول العالم خارج بحيرة فيكتوريا، بل وخارج ساحل إفريقيا، وجاءت رواياته للملك «سونا» لتؤكد قصص عيسى، فعلم يقيناً بوجود الرجال البيض.
من جهته، فإنَّ الشيخ ثاني بن عامر الحارثي الذي عاد إلى يونيامويزي حاملاً في جعبته روايات كاملة عن هذه المملكة الزنجية المنظمة والحضارية إلى الشمال، وسرعان ما انتشر الخبر بين التجار العرب في أقاصي زنجبار، كما بلغ مسامع المبشّر الألماني يوهان كرابف ورفيقه يوهانس ريبمان. كان هذان المبشران قد اكتشفا الجبال الثلجية في كليمنجارو وكينيا، وكانا يبذلان ما بوسعهما من أجل التعريف بأسماء وميزات شرق إفريقيا الداخلية.
قوافل عربية
نحو عام 1857م، عبرت أولى القوافل العربية التجارية من مومباسا إلى دول ماساي وناندي، لتتوقَّف في كافيروندو بانتظار الحصول على إذن لدخول أوغندا، غير أنَّها لم تُمنَح ذلك الإذن بحجة أنَّ الملك «سونا» قد توفي، وأنَّ خَلَفَه «موتيسا» لم يتسلَّم بعد مقاليد الحكم.