1,043 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
أيُّ شيء يجمع ما بين شخصيتين مختلفتين في الوطن واللغة والعرق والدين والزمن، بين شرقي وغربي وبين عربي وأوربي، بين شاعر عاش في القرن العاشر الميلادي وآخر عاش في القرن الثامن عشر، بين امبراطور الشعر العربي أبي محسّد المتنبي ويوهان غوته، عميد الأدب الألماني. هل تعلمون ما يجمع بينهما؟ هو الشعر وحب المتأخر وتأثره الشديد بالمتقدم.
في عام 2002 مررت على معهد الفيلولويجا الألماني (فقه اللغة) في جامعة ليدوج مكسميليان بميونخ، والتقيت البروفسور فروهوالد المتخصص في آداب اللغة الألمانية، وأخذنا الحديث إلى أهمية أدب غوته فقال: كل الأدب الألماني مدين له كما يدين الأدب الإنجليزي لشكسبير.
لقد ارتقى الأدب الألماني إلى القمة بسببه، وكل من أتى من بعده نهل من علومه واستفاد من آدابه. وبعد نقاش طويل تحدثنا فيه حول تأثر الأدب الألماني بالآداب العربية، فقال لي: إنّ غوته تأثر جدا بالشرق بل كان مسحورا بالمعلقات وشعر أصحابها وشعر الإسلاميين، وخاصة شعر المتنبي، ثم سألته كم عدد مؤلفاته فقال لي: التفت وراءك، فالتفتُ، فإذا بمكتبة كثيرة المؤلفات وعدد الأجزاء فقال: معظم ما ترى فيها من تأليف غوته.
لم ينكر غوته هذا الإعجاب بالأدب العربي بل تكلم عنه بكل إنصاف، خاصة في كتابيه (الشعر والحقيقة) و(الديوان الغربي الشرقي)، ولم يكن غوته وحده ممن تأثروا بالثقافة العربية والإسلامية، بل هناك الكثير وبعضهم منصف والآخر جاحد مستكبر. تقول كاثرينا مومسون المدرسة بجامعة ستانفورد بكلفورنيا في كتابها “غوته وبعض شعراء العصر العباسي”:
إن غوته كان من عشاق المتنبي وإنّ شخصيته تشبه شخصية المتنبي. المتنبي الذي شغل الناس بأدبه حتى البدو في زمننا يحفظون بعض أشعاره، ولو كانت خالية من القواعد النحوية، ولكنها تروى ويستشهد بها في مجالسهم، وهو بهذا يستحق أن يعتلي عرش إمبراطور الشعر بلا منازع، فقد بهر الشرق والغرب بشعره الذي لم يأت الزمان بمثله.
في رواية غوته “فاوست” ضمّن بعضا من أشعار المتنبي، كشاهد على تأثره به كما فعل ذلك في عدة روايات أخرى، وهو يلتفت إلى المعنى الشعري أو النص الأدبي، ويوظفه أحسن توظيف في رواياته ومسرحياته وأشعاره، وقد بلغ به حب العربية مبلغا كبيرا حتى قال: ربما لم يحدث في أي لغة هذا القدر من الانسجام بين الروح والكلمة والخط مثلما حدث في اللغة العربية، وانه تناسق غريب في ظل جسد واحد.
من أراد أن يصل إلى العالمية فيجب عليه أن يقرأ آداب العالم، ومن أراد أن يصل قمة المعرفة والأدب فليطلع على نتاج الفكر العربي والإسلامي والغربي كما فعل المتنبي وأبوتمام بالاطلاع على كتب المسلمين والفلاسفة والحكماء اليونانيين وغيرهم، وكذلك ما قام به شكسبير وغوته وفيكتور هيجو، ومن جاء في زمن التجديد الثقافي العربي كأحمد شوقي وطه حسين والعقاد وغيرهم، ممن ملؤوا الدنيا وشغلوا الناس بآدابهم وأشعارهم، وإن فعلت ذلك فقد تصل إلى درجاتهم العلمية والعالمية
نشر في صحيفة البيان
بتاريخ: 16 أكتوبر 2011
.