5,813 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
الفخامة في سبك الأشعار لا تكون إلا لصاحب تجارب متجددةٍ في مضمار الكلمات، ودراية تامة بموارد المعاني ومصادرها، ومُلكٍ لناصيةٍ القوافي يطوّعها كيف يشاء، فإذا اجتمعت هذه الملكات بعاطفةٍ جيّاشةٍ فإنها بلا شك ستنتج قصيدةً فخمةً تسلب لبَّ من يسمعها وتبهر كلَّ من يقرؤها.
كمثل الروائع التي يهديها لنا شاعرنا الكبير سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، «فزاع» الشاعر الذي لا يشقُّ له غبار في ميادين الأشعار، عرفت سموه صغيراً وهو يتغنّى بالشعر وينشد أجمله، ورأيته خلال السنوات الماضية وهو يبهر الشعراء بالمعاني المبتكرة والمفردات الجزلة التي يعرف كيف ينتقيها ويجعلنا نقف لها تقديراً.
كمثل هذه الرائعة التي وصلتنا (الخميس 14 نوفمبر 2019) بصوته، وبدأها ببراعة استهلال، وبيَّن في أول بيت منها أنَّ هذه القصيدة مخصَّصة لمدح وطنه، فرغبة الشاعر في هذا المدح هي رغبة جامحة تتملكه ولا مناص منها، وهاجسه يهيم في عشق بلاده، فأفكاره تنتخى، أي يُطلب منها العون والحمية، لتبدع في هذا المديح، وتلاقي هاجس شاعر لا يصد سمعه عنها، بل هو المعتصم الذي سيلبي بأجزل شعر، لأنَّ البحر العظيم تحتدم أمواجه وتتلاطم عند مرور الرياح القوية، وكذلك مشاعر «فزاع» عندما تجيش حول أرضه ودولته، فإنها تحتدم أيضاً، وكيف لا تحتدم مشاعرنا وهي دار الكريم الذي حكم الشعب الكريم، فيقول سموه:
للشاعر فْـ مدح الوطن رغبه وللهاجس هيام
فالتنتخي فكره وتلقى من هجوسي معتصم
البحر لامواجه إلى ثارت الاعاصير احتدام
وانا كذلك هاجسي في ذكر داري يحتدم
يا دارنا دار الكريم اللي حكم شعبٍ كرام
تسـتاهلين نقـدّرك يا دارنـا دار الكــرم
ثمَّ انتقل شاعرنا الكبير والتفت إلى الماضي، وكيف بُنِيَت هذه الدولة العظيمة برغم أنف الأعداء وفوق جماجمهم، إذ قاد هذا التأسيس والدنا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، والمخاطر تحيط بالدولة الناشئة، ولكنه جنَّبها الشرور وبناها بعزمه وحزمه كالصقر الحر إذا حام لا تخيب مخالبه، وفي الوقت ذاته كان بين الناس متواضعاً مع علوِّ مقامه، وتميَّز بحكمته وسماحته وكرمه، فهو حكيم أمة محمد صلى الله عليه وسلم في العصر الحديث. يقول فزاع:
على جماجم من نوى حدّك من عيال الحرام
تأسّـست دوله ورفّت رايه و ثبّـت حكُـم
حام الفلاحي زايد وزايد تعرفينه لا حام
حر ٍ مخاليبه تطش الدم وتقص العظم
تواضعه بين البشر وهو من اعلاهم مقام
خلاّه يكبر في عيون ملوك عصره والخدم
هذا هو الماضي وحاضرنا ومستقبل مدام
هذا حكيم أمّة محمد من عرب والاّ عجم
«خمسين عام»، اختار سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد هذا الرقم إمّا للإشارة إلى «اجتماع السديرة» الذي كان بذرة الاتحاد، حيث تمَّ فيه الإعلان عن الاتحاد الثنائي بين دبي وأبوظبي من قِبَل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، في منطقة «سيح السديرة» بإمارة أبوظبي، في 18 فبراير عام 1968.
وإمّا لأنَّ سموه يقصد تاريخ إعلان الاتحاد في العام الهجري، وهو 1391 (الموافق 1971 ميلادية)، فمن يحسب بالتاريخ الهجري سيجد أنَّ اتحاد الدولة أكمل خمسين سنة في هذا العام الهجري (1441)، ويشارف على الخمسين بالتاريخ الميلادي.
في هذه العقود الخمسة رفرف علم الدولة بعزِّها، فلا ذلَّ ولا ضيمَ، والخيل تُسرج لحماية البلاد من أعدائها، والسلاح يثار من أجل الوطن الذي يعيش كلَّ هذه العقود في نعيم وخير، يستمع الشاب من كبار المواطنين كيف عاش أجدادهم وكيف تطوَّرت دولتهم، وكيف أنه في خمسين عاماً تحقّق كثير من الآمال، وترسّخت بنى التسامح بين الشعوب مع الجهود النوعية للإمارات، وبرز فيها البناء الذي يفتخر به شعب الإمارات في العالم، إذ أنارت الدنيا بحضارتها، وأرهبت بنورها خفافيش الظلام وأعمتهم كما قيل:
خفافيش أعماها النهارُ بضوئهِ
ووافقها قطعٌ من الليل مظلمُ
في هذه الخمسين نفتخر بالمؤسِّسين الذين رحلوا عنا، وبهمتهم الباقية في أبنائهم وأحفادهم نسابق الأمم.. يقول فزاع:
خمسين عـامٍ لا نهـون وْلا نـذل وْلا نضـام
الخيل تسرج والسلاح يثور رفرف يا علم
وخمسين عام وْكل عام نقول هذا خير عام
فالحمد لله والشكر على ما فاض مْن النعم
ولعلَّ سائلاً يسأل، لماذا كلُّ هذا الفخر والحديث عن تاريخ هذه الدولة الناشئة التي لم يمر على تأسيسها سوى خمسين عاماً؟
فيجيب شاعرنا سمو الشيخ حمدان بن محمد، في هذه الأبيات الآتية، عن جميع الأسئلة التي تأتي من هنا وهناك، فيقول إنَّ الإمارات موطن الفخر والطموحات والإنجازات الكبرى والحزم والوفاء، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنَّ هذه الدولة تحقق أحلام المبدعين، وتوحّد اتجاهاتهم، وتنهي الانقسامات، وتعلّم القيادة والفكر المبدع ورفعة الأوطان، وكيف يكون النصر بالأفعال لا بالأقوال، ويقول فزاع:
هنا الفخر هنا الطموحات الكبيرات العظام
هنا الفكر هنا العمل هنا الوفـا هنا الحزم
هنا تعلّم كيف تحقيق الطموحات الجسام
هنا يحقّـق حلمه المبـدع الى منّـه حـلم
هنا بدايـات الـولا والتوعـيه والالتـحــام
هنا نهايات التشرذم والطريق المنقسم
هنا توحّـد مجـتمع كان يعاني الانقـسام
وبفضل زايد أصبحوا ما بين خال وْبين عم
هنا يكون النصر من حظ الفعل ليس الكلام
هنا يكون الوعـي فـارس والتـخاذل منهزم
هنا المواطن والوطن حب وتفاني وانسجام
هنا المواطن والقـياده والتـكاتـف والهمم
هنا فقط مسك الوطن لان الوطن ماله ختام
لكن غـلانا يبتـدي به كل يـوم وينخـتم
هنا هنا هنا هنا هنا هنا إلى الامـــام
هنا هنا هنا هنا هنا هنا إلى القمــم
هنا هنا هنا هنا هنا هنا كف السـلام
هنا هنا هنا هنا هنا هنا دق الخشـم
وفي لوحة جديدة عجيبة يرسمها شاعرٌ متفنِّنٌ في مضمار الشعر، ينتقل سموه من مدح وطنه الغالي الإمارات إلى كتابة حوار بليغ بين قائدين كبيرين لهذه الدولة المعطاء، وهما صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وأخوه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهذه خاتمة رائعة لهذه القصيدة، فكأنَّ سموه ينقل لنا جانباً من أحاديثهما وخططهما التي ترمي إلى رفعة هذه الدولة وتأمين سعادة شعبها، فيقول فزاع:
يقول أبو خالد لأبو راشد عسى عمره دوام
خمسين عامٍ يعزف الابـداع وبأحـلى نـغم
ويقول ابوراشد لأبو خالد هذا اللي يوم قام
قامت معـاه الأرض والـتـاريـخ ردّد والنِّعِـم
ويقول أبو خالد لأبو راشد هذا اللي ما ينام
رجلٍ يخزم المستحيل اللي لغيره ما انخزم
ويقول أبوراشد لأبو خالد هذا عوق الخصام
إلى نـوى صــرحٍ من البـاطـل يـردّه منهــدم
ويقول أبو خالد لأبو راشد هذا الرجل الهمام
استاذي اللي يصـنع الانجاز نفـسه من عدَم
ويقول أبو راشد لأبو خـالد أنا والعـلم عـام
تلميذ زايـد منهـجي منهجه وبنفس الرتـم
ويقول أبو خالد هذا محـمد عدوّ الإنهـزام
مكـسّـــر الأرقـــام ما خلاّ حـفـظه الله رقــم
ويقول أبو راشد هذا محمد وقصّاص العظام
بْسيف حقٍ لو دخل في المعركه تحسم حسم
ويقول ابو خالد هذا محمد مجـدّد الاهتمام
بْهـيبة الـدولـة وراسـم نهـضة بْـلاده رسـم
ويقول ابو راشد هذا محمد وصمّام النظام
هَـرَم عروبتنا وحنّـا ما نفــرّط فـي الـهَــرَم
ثمَّ ينهي قصيدته الوطنية مع وصفٍ متفرِّدٍ للقائدين العظيمين: صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
حيث يقول إنهما الحصن والدرع، وإنهما من أعظم الزعماء وأكرمهم، ويؤكِّد تقديرهما بعضهما بعضاً، لأنها عادة العظماء، ثمَّ يتمنّى سموه لو أنَّ للتاريخ عباءة، «بشت» في اللهجة المحلية، من الفخر أو وساماً من المعزّة، لكان سموه سلّمه لهما، ويخاطب وطنه بأن يفاخر بهذين العظيمين، حفظهما الله، بين كل الأمم.
محمّـدين الدار هم حصنه ودرعه والحزام
عَدّد عظـماء الـدول تلقـاهم أكـرم وآعـظم
من بينهم حشمه وهذي عادة الناس الحشام
ومن حشمة الاثنين شعب الشيخ زايد ينحشم
ياليت للتـاريخ بشـتٍ من فـخـر والاّ وسـام
من المعزّه كان واللي أقسم بنجـمه قَـسم
إنّـي لسلّـمها لهـم وأقـول وبكـل احتــرام
تـفــاخـري يا دارنـا فيهـم على كـل الأمــم