1,422 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
كتاب «كليلة ودمنة» من الكتب العجيبة التي دخلت المكتبة العربية منذ القرون الأولى الإسلامية، وقد أُولع الناس بهذا الكتاب الغريب حتى نُظم شعراً كما فعل إبان بن عبدالحميد للبرامكة حيث نظمه في 5 آلاف بيت، وقيل أكثر من ذلك، ومنهم من أضاف له رسوماتٍ تدلُّ على القصص المذكورة فيه .
وهذا بعد ترجمته إلى الفارسية كما نراه اليوم في الطبعات العربية والأجنبية، ومنهم من حاول تقليده فصنّف مثاله ، وملخص القول فيه: إنه كتابٌ تم تأليفه على أساس الحكمة وأنظمة المُلك ورفع الظلم عن الشعوب وأجراه مؤلفه على ألسنة الحيوانات، وقد زعم ابن المقفَّع: أنه ترجمه من الفارسية الذي ترجمه الفُرْس من اللغة الهندية حتى صار الأمر مُسلّما به عند بعض العلماء عبر القرون ولهذا سأتكلم عن هذا الموضوع قليلا، لأنه يحتاج إلى حديثٍ طويلٍ حتى نستوفيه حقه.
أولاً: قصة كتاب «كليلة ودمنة»
قالوا: إنّ أصله باللغة الهندية وقد ألفه الحكيم الهندي والفيلسوف رئيس البراهمة “بيدبا” للملك “دبشليم” ملك الهند، ويقول ابن المقفع عن غرض الكتاب في مقدمته:” جعل (بيدبا الكتاب) على ألسن البهائم والطير صيانةً لغرضه فيه من الطغام، وبخلاً بما ضمنه عن العوام؛ وتنزيهاً للحكمة وفنونها، ومحاسنها وعيونها؛ إذ هي للفيلسوف مندوحةٌ ولخاطره مفتوحةٌ ولمحبيها تثقيفٌ ولطالبيها تشريف”.
ثم قام “برزويه” طبيب كسرى «أنوشروان» بسرقته سراً في القرن السادس الميلادي بأمرٍ من كسرى وترجمه إلى الفارسية وزاد عليه فصولاً حتى وصلت نسخة منه إلى الأديب عبدالله بن المقفع وقام بترجمته إلى العربية وزاد عليه فصولاً من عنده. هذا مختصر قصة هذا الكتاب العجيب وقبل أن نناقش هذه المعلومات نريد أن نتعرف على ابن المقفَّع المترجم.
ثانياً: سيرة ابن المقفع
هو عبدالله بن المقفَّع من أهل فارس كان مجوسياً، وأسلم على يد عيسى بن علي العباسي -عم الخليفتين السفاح والمنصور- ثم اختص به وكان بليغاً فصيحاً كريماً ولد سنة 106هـ وأخذ من الآداب الفارسية وتعلم العربية ومهر بها وألف فيها مجموعة من المصنفات تشهد بعلو قدره في اللغة والحكمة والفلسفة، وله “الدرة اليتيمة” التي قال عنها الأصمعي:
لم يُصنّف مثلها، وقد ضاع هذا الكتاب ولم يبق من مصنفاته إلا “الأدب الكبير والصغير” و “كليلة ودمنة” وشعر قليلٌ ينسب له، وقد قُتل في سنة 142هـ، وله من العمر 36 سنة، وقد اتهم بالزندقة وهو بريء منها كما بيّن ذلك ابن كثير وغيره من العلماء وكتبه شاهدة له بالخير ولكن الحاسدين لا يسلم منهم أحد.
ثالثاً: من هو مؤلف «كليلة ودمنة»؟
لم يُوّفق الباحثون منذ عصر ابن المقفّع حتى اليوم إلى العثور على نسخةٍ واحدةٍ هنديةٍ من هذا الكتاب، ولا حتى على النسخة الفارسية التي تُرجمت في ذلك الوقت إلى العربية مما يثير هنا بعض الأسئلة: هل ضاعت هذه النسخ الهندية والفارسية؟ وإذا كان ابن المقفع وجد نسخة منها ألا يستطيع غيره أن يجد مثلها؟ وكيف عرف المترجم كلّ هذه المعلومات عن “بيدبا”، وكذلك حديث الإسكندر مع ملك الهند عندما علّل تأليف الفيلسوف الهندي الكتابَ لملكه، والعجيب أن ابن المقفع جعل المقدمة على لسان رجل سماه علي بن الشاه؟!وهناك غيرها من الأسئلة وليس هناك من جوابٍ صحيحٍ لها، إلا أنّ هذا الكتاب ألّفه خيالٌ عبقريٌّ من لغويٍّ بليغٍ وهو عبدالله ابن المقفع نفسه.
ولكنه خاف على نفسه من القتل فكتبه على ألسنة الحيوانات واخترع قصة انتقاله من الهند إلى فارس ليبعد التهمة عنه، وإني لأشعر كلّما قرأت “كليلة ودمنة” بأنه يصور أناساً يعرفهم في وقته فجعلهم في صور الحيوانات لكي ينقذ نفسه من ظلمهم، ولهذا قال “ابن خلّكان” وقدّم : “إنّ ابن المقفَّع هو الذي وضع كتاب “كليلة ودمنة”، وقيل: إنه لم يضعه وإنما كان باللغة الفارسية فعرّبه”. هذا والله أعلم وأنصحكم بقراءة هذا الكتاب فإنه ممتعٌ ومفيد.
نشر في البيان