1,685 عدد المشاهدات
الكاتبة: إيمان محمود سليمان
شكَّلت اللقاحات خلال الآونة الأخيرة محور اهتمام الناس، نتيجة لانتشار فيروس كوفيد 19 المستجد، وعدم التمكُّن من الوصول إلى علاج ناجع للمرض، وبالطبع بدأ سباق التنافس بين الدول الكبرى لإنتاج اللقاح الأكثر فاعلية في مكافحة الجائحة بآثار جانبية أقل ضرراً على حياة البشر.
فما تاريخ هذه اللقاحات التي تُحقَن بها أجسامنا؟ وكيف بدأت فكرة التحصين من الأوبئة؟ وأين تمَّ اكتشافها أولاً؟
الجدري الفتّاك
بالعودة إلى القرن السابع عشر الميلادي، حيث شهد العالم انتشار وباء الجدري المريع الذي حصد ملايين الأرواح في مختلف بقاع العالم، وتسبَّب بوفاة نحو ثلث البالغين من المصابين بالمرض، بينما أودى بحياة ثمانية أطفال من بين عشرة مصابين، وتمثَّلت أعراض الجدري في تلك الفترة بحسب عالم الوبائيات “رينيه ناجيرا” بانتشار طفح جلدي في أنحاء الجسم، يتحوَّل إلى بثور متقيحة تغطّي الرأس والقدمين والحلق حتى الرئتين، ثمَّ تجفُّ خلال يومين وتسقط القشور.
لكن المؤسف أنَّ مَن نجا من الموت بالجدري لم ينجُ من آثاره وتبعاته التي تستمر طيلة الحياة للمتعافي من المرض، وتتراوح بين العمى والندوب وتشوُّهات في الوجه.
علاجات مسكنة
ومن المؤكد أنَّ الجدري حاله كحال مختلف الأوبئة والأمراض، فقد بدأ الناس يتداولون العلاجات التقليدية، التي كان معظمها يسهم في تسكين آلام المرض فقط وليس علاجه؛ فظهرت في تلك الآونة علاجات مختلفة كالامتناع عن تناول بعض الأطعمة ذات اللون الأحمر، أو لفِّ الأجسام بغطاء أحمر، ولجأ البعض إلى تناول كميات كبيرة من البيرة للحدِّ من آلام المرض القاتلة.
ولم يوقِف أيٌّ من تلك العلاجات أو يحد من انتشار وباء الجدري، الذي واصل انتشاره حول العالم آنذاك، وأودى بحياة نحو 400 ألف مصاب سنوياً في أوروبا وحدها.
التحصين بالتجذير
كانت البداية الحقيقية لظهورعلاج الجدري، التي شكَّلت أيضاً القاعدة الأولى من برنامج التحصين ضد الأوبئة، في عام 1721م حين جلبت الكاتبة الإنجليزية “ماري وورتلي مونتاغيو” طريقة التجذير من تركيا إلى إنجلترا، والتي تمثَّلت بأخذ سائل من بثرة جدري في شخص ذي إصابة خفيفة بالمرض وفركه في جروح صغيرة يتمُّ استحداثها في جلد الشخص المراد تحصينه.
وبالفعل طلبت السيدة ماري مونتاغيو من الطبيب “تشارلز ميتلاند” تطعيم طفلتها البالغة من العمر عامين في إنجلترا. وقد قلَّل التجذير من أعراض الجدري عند بعض الأشخاص، فيما عانى البعض الآخر كافة أعراض الجدري الشديدة، وأصبح جميع الأشخاص الذين خضعوا لهذا النوع من التلقيح حاملين للمرض، وناقلين له دون قصد.
اللقاح الأول
وفي عام 1796م بدأت المرحلة الثانية لمواجهة مرض الجدري من خلال التحصين، عندما علم الطبيب الإنجليزي “إدوارد جينر” من خادمة تُدعى “سارة نيلمس”، تعمل في حلب الأبقار، أنها محمية من وباء الجدري الشائع حينذاك؛ لأنها تلقَّت عدوى الجدري من البقر، حيث كانت أعراض الإصابة بجدري البقر خفيفة في الغالب، وكان المرض ينتقل من البقر إلى الإنسان عبر البثور خلال إصابة البقر بالمرض.
فقام الطبيب “جينر” بتطعيمِ طفلٍ يُدعى “جيمس فيبس” بمادة من جدري البقر أخذها من يد حالبة البقر. وظهرت على الطفل أعراض طفيفة تمثَّلت بضعف ووهن لأيام، ثمَّ استعاد عافيته بعدها. وبعد أشهر أعاد “جينر” تطعيم “فيبس” مرة ثانية، ولكن هذه المرة بصديد أخذه من شخص جديد الإصابة بالجدري، كمحاولة لإثبات فاعلية الجرعة الأولى من لقاح جدري البقر، وبالفعل لم تظهر أيُّ أعراض على “فيبس”، وبقي سليماً معافى. بهذا أثبت “جينر” نظريته أنَّ جدري البقر عندما ينتقل إلى البشر ومن شخص إلى آخر فإنه يوفِّر تحصيناً ضد مرض الجدري.
كوخ التطعيم
بعد ذلك بنى “جينر” كوخاً خشبياً في حديقة منزله الريفي في بلدة بيركلي، وجعله مركزاً لأبحاثه الطبية، وحثَّ الأطباء في البلدات المجاورة على تجربة اللقاح بأنفسهم، للتأكد من فاعليته، ونشر التطعيم بين الناس للحدِّ من انتشار الوباء، وأصبح الناس يلجؤون إلى مركز “جينر” لتلقّي التطعيم للحماية من الجدري.
ومنذ ذلك الحين عرف البشر أنه يجب البحث عن لقاحات التحصين ضد الأوبئة والأمراض الفيروسية سريعة الانتشار، عند العجزعن إيجاد الدواء الفعّال خلال وقت قصير، منعاً لانتشارها والحد من الخسائر في أرواح البشر. وهنا من الجيد أن نتذكَّر المثل القديم القائل: “درهم وقاية خير من قنطار علاج”.
المصادر :
ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
القاموس الطبي ، كتاب الميكروبات والإنسان