لمحة تاريخية عن الأحوال الصحية في الإمارات العربية

block-2 مجلة مدارات ونقوش – العدد 18 - 19 وثائق

 2,448 عدد المشاهدات

الكاتب : فاطمة بنت ناصر

المرض رفيق البشر منذ أن خُلِقوا، يصارعهم ويصارعونه. وللأمراض تاريخٌ أيضاً كتاريخهم. قد يهمل الناس حين يقرؤون الوثائق التاريخية تلك التفاصيل المتعلِّقة بالصحة والأمراض في الماضي، ولكني أراها مثيرة للاهتمام ولا تقلُّ أهميةً عن قصص البطولات والصولات والجولات في ميادين الحروب. إنَّ الإصابة بالأمراض، خاصة في زمن كان يعمُّه العوز وضيق الحال، يكشف عن معادن الناس ويظهر لنا دروساً في التكاتُف لكبح النائبات. تماماً كما حصل في عام 1936 حين زادت الإصابات بالجدري، وتحوَّل إلى وباء قاتل عمَّ أرجاء الإمارات، ولأنَّ المقيمية البريطانية لم تتمكّن من توفير كادر طبي، اعتمدت على شخص واحد أو شخصين يقومان بمهمة التطعيم. وظهرت مواقف إنسانية لشيوخ تعلَّموا التطعيم وضرب الإبر فقط لإنقاذ مواطنيهم، كالشيخ حشر آل مكتوم وغيره من الشخصيات التي قد مرَّ عليها التاريخ مرور الكرام، ولكنها تستحقُّ وقفة شكر وتقدير لمواقفهم الجليلة. أمّا المواطنون فلا يقلّون عن شيوخهم في كتابة التضحيات، بل ساعدوهم لمجابهة الأوبئة؛ فمنهم من كان يبني سكناً معزولاً ليسكن فيه قريبه المصاب بالجدري بعيداً عن القرية، حتى لا تنتقل العدوى للآخرين.

يعتمد هذا المقال على ذكر السنين من الأقدم مرفقة بذكر أبرز الأحداث الصحية والملاحظات التي دوّنت عن تعاطي الناس مع تلك الأمراض.

   1824

  • تقرير أعدَّه الملازم هوايتلوك عن المنطقة بين رأس الخيمة وأبوظبي. نشر في العدد الأول من حولية جمعية بومباي الجغرافية (1836-1832م) تحت مقال حمل عنوان: «معلومات عن العرب الذين يسكنون المنطقة بين رأس الخيمة وأبوظبي المعروفة بساحل القراصنة».

  • من ملاحظاته انتشار الحمّى والتهابات العيون. ويقول إنَّ الناس غالباً ما تعزي أمراض العيون إلى مهنة الغوص.

  • يذكر أنَّ الناس تعالج بعض أمراضها عن طريق مسح جلودهم بمزيج مكوّن من السمن ومسحوق الكركم.

  • يقرُّ الناس الذين صادفهم بأنَّ الغوص متلف للصحة وهم صادقون، حيث لاحظ أثره في أجسادهم النحيلة التي تعاني التهاب العينين بشكل دائم.

  • يعتقد العربُ أنَّ الاكتحالَ مفيدٌ لأمراض العيون، لهذا يصطحبون مكحلتهم دائماً. ويصفها هوايتلوك بأنها عبارة عن علبة صفيح مذهبة، والمرود عبارة عن قطعة من الصدف، يضعون الكحل في طرفها ويمررونها على الجفن من الداخل.

  • ينقل هوايتلوك ملاحظة عن النساء في الساحل، حيث يقول إنهن يتزوجن في سن مبكرة (عادة في الرابعة عشرة) ويؤثِّر الحمل

  • المتكرِّر في مظهرهن فيذبلن قبل الأوان.

    1893-1894

  • انتشرت الكوليرا في الإمارات، من داخلها وصولاً لساحلها، وعلى الرغم من عدم بقائها فترة طويلة، فإنها خلَّفت وراءها عدداً من الضحايا لا يستهان به. وأكثر الإمارات تضرُّراً منها رأس الخيمة والشارقة ودبي وأبوظبي.

    1900-1901   

  • ظهر نوع شرِس سريع الانتشار من وباء الجدري في الشارقة في شهر إبريل، ومات بسببه 500 شخص.

      1904-1905

  • أصيبت معظم دول الخليج في تلك الفترة بوباء الكوليرا، وبلغ عدد المصابين في الإمارات وحدها نحو 800 شخص.

   1922 

من تقرير كتبه المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي:

«في تلك السنة مرَّت على الإمارات (الساحل المتصالح) موجة حر شديدة، لدرجة أنَّ كبارَ السن لم يتذكروا شيئاً مرَّ عليهم كحرارتها. وقد عانى الكثير من السكان حمّى قوية مصحوبة بالتقيُّؤ الشديد، كما عانى آثارها المقيم السياسي البريطاني، حيث أصيب بصداع قوي ومزمن وازدياد في نبضات القلب وقد، أُلْزِمَ بمغادرة الإمارات لمدة 6 أسابيع».

   1934

  • خوفاً من تفاقُم وباء الجدري، قام المسؤولون البريطانيون بإرسال طبيب مختص لإجراء التحصين في الإمارات المختلفة، وكانت على النحو التالي:

أبوظبي: 66 شخصاً

دبي: 229 شخصاً

الشارقة: 13 شخصاً

– من أبرز الذين تعلَّموا إجراء التطعيم الشيخ حشر (أخو حاكم دبي) وقام بتطعيم الناس، حيث تمَّ إرسال دفعتين من المصل التحصيني له، وكذلك قريبه الشيخ جمعة بن ثاني. كما فرّغ شيخ رأس الخيمة اثنين من رجاله هما: جاسم بن كلبان ومحمد بن عبدالعزيز، ليتعلّما كيفية التحصين.

    1936

  • وباء الجدري ينتشر بسرعة في أرجاء الإمارات، وفي تقرير كُتِبَ في عام 1936 يشير إلى أنَّ الجدري لم يبارح الإمارات منذ 5 سنوات، أي منذ عام 1931، غير أنَّ انتشاره بدأ بالتناقص بعد التطعيمات.

  • من الملاحظات المهمّة أنَّ الحالات كانت تتزايد في فصل الشتاء، وذلك بسبب كثرة الناس وقربهم في المنطقة الواحدة، بينما في فصل الصيف يتوزَّع الناس في أنحاء مختلفة.

  • يقول أحد المسؤولين في تقريره: «إنَّ دبي تتعامل مع الحالات المصابة بالجدري بشكل متميز ومثير للاهتمام مقارنة ببقية الإمارات، حيث يقوم الناس بعزل المصاب في منطقة بعيدة عنهم لمدة 40 يوماً، وهذا من شأنه تقليل نقل العدوى بشكل كبير. إلا أنه في يناير عام 1936، منع شيخ دبي عزل المصابين وإرسالهم خارج دبي، وذلك لضعف حالة أهاليهم المادية وعدم قدرتهم على إنشاء مكان محصّن يَقِيهم البرد».

 

رســالة مــن الشــيخ ســعيد آل مكتــوم شــيخ دبــي إلــى المقيــم السياســي بالبحـريــــــن يشــكــــره فيهــــــــا عـلـــــى مســاعدته بإرســال الدكتــور هولمــز لمواجهــة وبــاء الجــدري  1936
رســالة مــن الشــيخ ســعيد آل مكتــوم شــيخ دبــي إلــى المقيــم السياســي بالبحـريــــــن يشــكــــره فيهــــــــا عـلـــــى مســاعدته بإرســال الدكتــور هولمــز لمواجهــة وبــاء الجــدري  1936

 

رســالة مــن خــان صاحــب حســين بــن حســن إلــى وكيــل المقيميــة البريطانيــة فــي الســاحل المتصالــح1936
رســالة مــن خــان صاحــب حســين بــن حســن إلــى وكيــل المقيميــة البريطانيــة فــي الســاحل المتصالــح1936

 

  • لم يكن تقديم الرعاية الصحية في بلدان الخليج بالأمر السهل؛ فالتعليم كان معدوماً والثقافة السائدة بُنِيَت على تراكمات من المعارف، بعضها مفيد والآخر مجرّد خزعبلات. لاقى التحصين معارضة في البداية، كما تذكر التقارير، لكن بحلول عام 1936 كان تقبُّل الناس أفضل، لكنهم لم يستوعبوا فكرة التطعيم قبل الإصابة بأي مرض؛ فالسائد أن تَمرَضَ ثمَّ تُعالَج. لهذا كان كثير من الناس يعتقدون أنَّ التطعيم المسبق هو ما سيجلب المرض الحقيقي إليهم.

  • ضحايا الجدري المسجلة في عام 1936 كانت:

  •   100 حالة في الشارقة منها 12 حالة وفاة

  •    10 حالات في رأس الخيمة منها 4 حالات وفاة 

  •    80 حالة في أم القيوين منها 4 حالات وفاة

  •    15 حالة في عجمان منها 7 حالات وفاة

  •    500 حالة في دبي منها 60 حالة وفاة 

 ورد ذكر لقائمة من الأمراض التي قام الطبيب البريطاني بمعاينتها في دبي أثناء إحدى زياراته في عام 1936:

  • الملاريا: 11 حالة

  • الزحار/ الديزنتاريا: حالتان

  • السل الرئوي: حالة واحدة

  • الكبد: حالتان

  • العيون: 14 حالة

  • تسوُّس الأسنان: 4 حالات

  • الزهري: حالتان

  • السيلان: 3 حالات

  • الخراج: حالتان

  • الأذن: حالة واحدة

  • الديدان = 3 حالات

– من أبرز المتوفين بداء الجدري في عام 1936 الشيخ حميد بن راشد بن سلطان، ابن حاكم دبا. وقد أُغْلِقَ السوق عند وفاته بأمر من ابن عمه الشيخ سلطان بن صقر.

    1939

  • في تلك السنة، قام طبيب المقيمية البريطانية بجولة طبية في الإمارات عدا كلباء، واستقبله الناس بترحاب، غير أنه لم يتمكّن من معاينة النساء لتحفُّظ الأهالي. وقد عاين في إمارة أم القيوين وحدها نحو 350 شخصاً. ومن الملاحظات الغريبة أنَّ بعض الناس كانوا يتصنّعون المرض، ليحصلوا على الإبرة.

  • تمَّ العثور على حالة مصابة بحمى التيفوئيد في حصن الشارقة، وقام البريطانيون بإرسال التطعيم الخاص بعلاجها وإرسال عينة من المياه لبغداد للقيام بالتحاليل اللازمة.

  • زار الشيخ سعيد آل مكتوم الداخل الإماراتي على بعد (20-30 ميلاً) عن دبي، لمناقشة بعض القضايا المتعلقة بتلك المنطقة مع الشيخ محمد بن علي، إلا أنَّ الشيخ محمد بن علي كان مصاباً بالحمى التي أنهكت جسمه ومنعته من النقاش.

     1940      

  • جلب بعض الحجاج، بعد قدومهم من الحج، مرض الجدري إلى أبوظبي، بينما خلت بقية الإمارات في تلك السنة من داء الجدري.

 

  • تمَّ تطعيم 837 شخصاً في الشارقة و1386 في دبي.

 

  • وصول شحنة من المصل ضد الجدري من البصرة، ولكنها لم تُحْفَظ بعناية فكسرت 9 قنينات، بينما 3 منها أتت فارغة من المصل.

   1941           

  • ظهور حالات جديدة من الجدري في المنطقة بلغ عددها 10 في دبي، و2 في الشارقة، وكانت هناك حالة واحدة فقط متأخرة وميؤوس من علاجها. وقد أوصت الحكومة البريطانية في الهند بإرسال شحنة أسبوعية من التطعيمات للإمارات عن طريق الجو، غير أنَّ كاتب التقرير يقول إنه حتى وقت كتابته له مرَّ 10 أيام دون وصول أي شحنة من التحصينات.
  • وصول شخص مصاب بحالة خطيرة من الجدري للعلاج في دبي، تمَّ إحضاره من الكويت.
  • طلب المسؤولين دفعة إضافية من المصل التحصيني ضد الجدري (500) مصل.

    1945

  • أُبْلِغَ شيخُ رأس الخيمة عن وجود حالات مصابة بالجدري في منطقة شعم؛ وذهب المسؤول الطبي البريطاني لعلاج المصابين مصطحباً معه لقاح التطعيم ضد الحصبة، والتي طلبته المقيمية البريطانية في البحرين من حكومة السند.

  • قام الدكتور البرتغالي خوسيه كوريا فرنانديز Dr jose Correia Fernandis»» بافتتاح أول عيادة أسنان في دبي

   1946

  • وصلت من كراتشي إلى الإمارات 120 قارورة تطعيم ضد الجدري، وقام المسؤول الطبي في المقيمية البريطانية بتطعيم الناس في كل من الشارقة ورأس الخيمة وعجمان.

المراجع:

1- الأرشيف البريطاني: تقارير الخليج الإدارية منذ 1883-1884 وحتى 1904-1905.

2- الأرشيف البريطاني: مذكرات المسؤول السياسي، الساحل المتصالح.

3- الأرشيف البريطاني: ملف انتشار الجدري والكوليرا وغيرهما من الأمراض في الساحل المتصالح.

4- عبد العزيز عبد الغني إبراهيم، روايات غربية عن رحلات في شبه الجزيرة العربية. دار الساقي، 2013.