مهرجان قصر الحصن صورة معاصرة تستعيد التاريخ

الإمارات مجلة مدارات ونقوش – العدد 9

 1,776 عدد المشاهدات

الكاتب: خليل البري

مهرجان قصر الحصن احتفالية سنوية للتاريخ والثقافة الإماراتية في رحاب قلاع الحصن التاريخي في أبوظبي.. يقف شامخاً ويعدُّرمزاً للأصالة والهوية والتراث، ويشكِّل هذا المهرجان مسيرة ملحمة وطنية وشاهداً على حب متبادل بين القيادة والشعب، إضافة إلى كونه يستعيد التاريخ بشكل جديد ومتجدد، ويريط الأجيال بموروثهم وأمجادهم.


تقام هذه الاحتفالية الثقافية على أرض قصر الحصن المعروف بالقصر الأبيض، أحد المعالم التراثية في إمارة أبوظبي، والذي كان مقراً لأسرة آل نهيان الحاكمة، ورمزاً لنشأة الإمارة وتطوّرها. ويهدف المهرجان بصورة أساسية إلى الحفاظ على التراث الإماراتي عن طريق إحيائه من خلال الجمع بين المعرفة والتعليم والترفيه.

ويُقام المهرجان منذ عام 2013 تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بتنظيم من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، ويحقِّق نجاحاً كبيراً كلَّ عام.
ويتيح المهرجان المجال للتعرُّف إلى ملامح حقبة مهمَّة في تاريخ الإمارات، ويهدف برنامجه إلى ترسيخ الهوية الوطنية وقيمها، وتعزيز الفخر بها، عبر تسليط الضوء على أسلوب حياة أجيال من الإماراتيين، وكفاحهم في سبيل بناء دولة حديثة ومتطوّرة.


احتفالية تاريخية

يقوم المهرجان على فكرة توزيع مجموعة واسعة من الأنشطة والفعاليات، وبرنامج كامل من الفنون المسرحية والشعر والمعارض، وورش عمل على منطقة الحصن كلها، حيث تأخذ الزوّار في رحلة للتفاعل مع التراث واستكشاف تجربة تقاليد حياة مجتمع أبوظبي، وفهم الماضي العريق للحصن وتاريخ حضارة دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقد تمَّ إضافة «منطقة قصر الحصن» الجديدة التي ستكون فرصة لاستكشاف الهندسة المعمارية الإماراتية التقليدية، وعلم الآثار، ولتعرّف زوّار المهرجان إلى الأهمية المعمارية والأثرية للحصن، فيما يستضيف «المجمع الثقافي» ورش عمل ومعارض جديدة تسرد قصة أبوظبي من خلال القطع الأثرية والوثائق والشهادات الشخصية للمواطنين والمقيمين.
وفي الدورة الرابعة للمهرجان عام 2016، تقدّم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، المسيرة الوطنية إيذاناً بانطلاق فعاليات «مهرجان قصر الحصن 2016».

وتفقّد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والحضور آخر مستجدات عمليات الترميم الجارية لقصر الحصن رمز نشأة أبوظبي وتراثها، واطلع سموهما على برنامج فعاليات المهرجان والنشاطات الثقافية والتراثية المرافقة له.


تراث ثقافي

ويحظى زوّار المهرجان بفرصة التعرُّف إلى عناصر التراث الثقافي المعنوي التي تمَّ تسجيلها أخيراً على قائمة اليونيسكو للتراث الثقافي المعنوي، والتي تتضمّن «المجلس» و«القهوة» و«الرزفة» إضافة إلى العناصر المدرجة سابقاً وهي «الصقارة» و«التغرودة» و«العيالة» و«السدو».
ونظراً إلى أهمية نقل القيم الثقافية والتراثية إلى جيل المستقبل، فقد انضمَّ ما يزيد على 300 طالب وطالبة من تسع جامعات من مختلف أرجاء أبوظبي إلى برنامج «سفراء مهرجان قصر الحصن» لتوجيه الزوّار وتزويدهم بالمعلومات حول فعاليات وأنشطة المهرجان.
كما تمَّ تنظيم برنامج للزيارات المدرسية الصباحية؛ بهدف استقطاب الآلاف من طلبة مدارس أبوظبي لزيارة قصر الحصن والمشاركة في أنشطة المهرجان.
وقال محمد خليفة المبارك رئيس هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة: إنَّ «قصر الحصن» يجسِّد مجد الوطن وماضيه العريق، ويعكس في الوقت ذاته الحاضر المشرق الذي تنعم به دولة الإمارات ومستقبلها الواعد بمزيد من الإنجازات.
ويمنحنا المهرجان فرصة لتسليط الضوء على هذا الصرح التاريخي ومسيرة تطوّره باعتباره رمز نشأة أبوظبي ومركز الحركة الثقافية فيها.

محطات المهرجان

تمَّ تجسيد فكرة المهرجان بطريقة إبداعية عن طريق تصميم مجموعة مناطق تعكس تنوّع مظاهر التراث الإماراتي، وتضمُّ مسرح المهرجان، مبنى المجمع الثقافي، معرض قصر الحصن، منطقة “قهوة”، منطقة قصر الحصن، منطقة جزيرة أبوظبي، منطقة البحر، منطقة الصحراء ومنطقة الواحة والبوتيك.

يتميّز مهرجان قصر الحصن ببرنامج ثقافي غني مستوحى من التراث في أبوظبي، ويتجسّد في الأيقونة المعمارية «قصر الحصن» والمناطق المحيطة به، وأهمية تراث أبوظبي المتمثّل في مبنى المجمع الثقافي الذي يقدّم مجموعة متنوعة من البرامج والأنشطة.
ويهدف إلى الحفاظ على التراث الإماراتي عن طريق إحيائه ونقله من الأجداد إلى الأجيال الجديدة من خلال الجمع بين المعرفة والتعليم والترفيه.
وتنظِّم الهيئةُ المهرجانَ في المساحة الواقعة بين هذين المَعْلَمَيْن التاريخيَّيْن، ويشهد استضافة مجموعة متنوعة من التجارب لجميع الأعمار، للتعريف بتراث الإمارات والاحتفال به.
ويضمُّ المهرجان معارض وأنشطة تعليمية وثقافية مفتوحة للزوار، فيما يستضيف مسرح قصر الحصن سلسلة من العروض الفنية والفعاليات العائلية التي تركّز على موضوعات تعكس الأهمية الثقافية للمكان، ودوره في تطوّر إمارة أبوظبي ومجتمعها، كما يتضمّن المهرجان عروضاً بصرية حية، وفنون الأداء وورش عمل الفنون التراثية والحرف التقليدية، وتجارب تعليمية وثقافية تفاعلية تعكس التراث الثقافي العريق للدولة.
ويستضيف «المجمع الثقافي» ورش عمل ومعارض جديدة تسرد قصة أبوظبي من خلال القطع الأثرية والوثائق والشهادات الشخصية للمواطنين والمقيمين.
الفعاليات الجديدة تدعم رسالة المهرجان الرامية إلى الاحتفاء بالحصن باعتباره صرحاً وطنياً وثقافياً، إلى جانب التعريف بمبادرات الترميم الجارية للحفاظ عليه إرثاً للأجيال المقبلة.
ويعدُّ قصر الحصن مسيرة ملحمة وطنية بين القيادة والشعب، وهو شاهد على هذا الحب المتبادل، إضافة إلى كونه شاهداً على هذا التعانق الجميل بينه وبين الأبراج الشاهقة، باعتباره معلماً يعانق شموخ ما حوله، ونموذج الرجال القادة الذين عاشوا فيه.
ويكتشف زوّار «منطقة قصر الحصن» الجديدة الهندسة المعمارية الإماراتية التقليدية، وعلم الآثار خلال ورش العمل والأنشطة الحية التي يتعرفون عن طريقها إلى الأهمية المعمارية والأثرية للحصن. وترسم المناطق الأربع الأخرى صورة لمختلف جوانب الحياة التقليدية من خلال الأنشطة التفاعلية وورش العمل تحت إشراف فنانين ومتخصصين.
وتسلّط منطقة البحر الضوء على التراث البحري لدولة الإمارات العربية المتحدة وشعبها، حيث يلتقي الزوّار ببناة القوارب والبحارة وصيادي اللؤلؤ، ويستمعون إلى قصصهم، ويتعرفون إلى مهاراتهم، ويشاهدون عروض صناعة الأشرعة وأهازيج البحّارة التقليدية.
وتأخذ منطقة الصحراء زوّارها إلى البيئة الصحراوية والثقافة الإماراتية، وتمنحهم فرصة لتجربة الأطعمة والحرف الشعبية، ورؤية الحيوانات التي ساعدت أفراد المجتمع على مواجهة تحديات الصحراء.
وخُصِّصَت منطقةُ جزيرة أبوظبي لعرض أسلوب الحياة في المجتمع الصغير حول قصر الحصن الذي تطوّر لاحقاً، ليصبح مدينة حديثة وعاصمة عالمية، ويتعرّف الزوّار في هذه المنطقة إلى أهمية التقاليد الإماراتية في جوانب الحياة كافة.
ويتسنّى لزوّار المهرجان التزوُّد بمعلومات أكثر عن قصر الحصن، من خلال الجولات التي تتاح للزوّار في باحة القصر والقلعة، والتي ستكون برفقة مرشدين يعرّفون الزوّار، باللغتين العربية والإنجليزية، كيفية الحياة آنذاك وأهمية هذا الصرح في توفير الأمان والاستقرار، خلال حكم آل نهيان الأوائل، وإلقاء نظرة على التطوّر الذي واكب الأحداث الزمنية على القصر، إلى جانب الاطلاع على مقر المجلس الاستشاري الواقع قرب أسوار القصر.
وفي معرض قصر الحصن، يمكن لزوّار المهرجان التعرُّف إلى قصة أبوظبي وسكانها عبر مجموعة من الشهادات الشفهية والصور التاريخية المهمّة التي تروي قصة الحصن.

فولكلور وتاريخ
ويقدّم المهرجان لزوّاره عروضاً مسرحية مستوحاة من الثقافة الإماراتية، ويشكّل قيام هذه المهرجانات التراثية فرصة حقيقية لنشر الأغنية التراثية القديمة، والاطلاع على تاريخ الأغنية الإماراتية بدءاً من أول مطرب إماراتي، ووصولاً إلى العهد الحالي، ومن خلال الحضور اليومي للفعاليات الخاصة بالأغنية الإماراتية يتعرّف الجمهور إلى الألحان الشعبية الإماراتية والأغنية الشعبية من خلال اللقاء بعدد كبير من العازفين والفنانين والاطلاع على تجاربهم الفنية.
ويعطي الحدث التاريخي الكبير في منطقة التصوير فرصة لالتقاط الصور التذكارية بالأزياء الإماراتية التقليدية، ويكون موقع المهرجان في خلفية الصور.
ويتعرّف الزوّار من خلاله إلى الطوي وطريقة العثور على مصادر المياه، وحفر وبناء الآبار، وجمع ونقل المياه، كما يمكن للزوّار ركوب الهجن في منطقة الصحراء، والتعرّف إلى طيور الحبارى وبيئتها الطبيعية، فضلاً عن مبادرات صندوق الإمارات الدولي للحفاظ على الحبارى، والذي يساعد على حماية هذه الطيور النادرة من الانقراض.
ويكتشف الزوّار أسرار تربية الخيول ومكانتها في مجتمع الصحراء، والرعاية التقليدية التي تحصل عليها من الفرسان.
ويحكي معرض «قصة الأمس والحاضر» قصة أبوظبي وشعب الإمارات، التي تعود إلى ما يزيد على 250 عاماً، ومنذ ذلك الحين، شهدت العاصمة الإماراتية تغيُّرات جذرية، ونما المجتمع الصغير القائم على أنشطة الصيد، ليصبح حالياً مدينة عصرية حديثة، حيث تشكّل أبوظبي اليوم نموذجاً للمدينة العالمية.
تعود قصة تطوّر أبوظبي وارتباطها بأهم صروحها المعمارية للحياة مجدداً بين جدران الحصن ذاته، الذي شهد نشأة ونمو العاصمة الإماراتية على مدى القرون الماضية. والجولة الليلية غير المسبوقة التي لا نظير لها، تروي مسيرة وتاريخ هذا المبنى العريق.
وتبدأ الجولة في قاعة المجلس الوطني الاستشاري، ويمكن للزوّار التعرّف إلى الأصول التاريخية لأبوظبي ومراحل نموها، ممثلة في «قصر الحصن» بوصفه مركزاً للحوار والدبلوماسية والحكم والذاكرة الوطنية.
ويستكشف الزائر كنزاً من الهدايا التذكارية الفريدة في «البوتيك»، لتذكره بتجربته خلال المهرجان. ويقع متجر «البوتيك» عند مدخل منطقة جزيرة أبوظبي بالمهرجان، وبداخل معرض قصر الحصن، ويقدّم للزوّار تجربة شراء ممتعة، تهدف إلى تعميق حبهم لقصر الحصن ليحملوا معهم ذكريات جميلة عنه.
ويقدّم «البوتيك» مجموعة رائعة مختارة من المنتجات المستوحاة من قلعة قصر الحصن وثقافة الإمارات، وهي مصمَّمة بطريقة فنية جميلة.
كما يحظى الزوّار بترحيب خاص مع تقديم القهوة العربية التي يعدُّها خبراء متخصصون، ويتعلمون كيفية صناعتها، بينما يتذوّقون التمور ويستمعون إلى أنغام الربابة حول نار المخيم.
وتتاح أمام الزوّار فرصة التعرّف إلى تقاليد القهوة وأهميتها وأسباب اعتماد «اليونيسكو» لها ضمن قائمتها التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، ودلالتها الرمزية في المجتمع وتقاليد الضيافة الإماراتية.

حرف وألعاب
يتمكّن الأطفال الزوّار للمهرجان من خلال أركانه المختلفة، من تعلّم الحرف اليدوية الإماراتية والألعاب الشعبية، كما يشهد الزوار عروضاً تجسّد مكانة الرمل وحكاياته التاريخية وانعكاساته الجغرافية من خلال لوحات ترسم بالرمال لتبرز تاريخ قصر الحصن على ألحان الربابة. ويستضيف المسرح الخارجي برنامجاً سينمائياً يومياً يعرض مجموعة مختارة من الأفلام القصيرة؛ بهدف دعم المشهد السينمائي الإماراتي.
ويشهد المهرجان العديد من الأنشطة التي تعيد إحياء الذاكرة التراثية في أذهان الجيل الجديد، من خلال مجموعة من العروض الثقافية والفنية، ويتيح لزوّراه التمتُّع بتجربة مباشرة من خلال زيارة الغرفة من الداخل للتعرّف إلى كيفية توقُّف الزمن فيها، والاستماع إلى مقاطع صوتية حول القرارات الحاسمة التي تمَّ اتخاذها والاجتماعات التي عقدت داخل المجلس.
ويقدّم نادي الزراعة عند مدخل بيئة الواحة للصغار والكبار، معلومات تعريفية حول بعض النباتات المحلية التي تنمو في المنطقة، أمّا ركن الحرفيين، فإنه يعرّف الزوّار بحرفتي صناعة الفخار والحدادة، وأدوات كلّ حرفة وبداياتها وتاريخها.
وللمرأة الإماراتية حضورٌ فاعلٌ في أركان المهرجان، حيث تميزت الأركان الأربعة؛ الصحراء، البحر، الواحة، وجزيرة أبوظبي بمشاركة عدد من الجهات المحلية؛ ومنهم الأسر المنتجة التابعة للاتحاد النسائي العام، والتي تتجلّى مهامها في المحافظة على التراث لتجعله حاضراً وبقوة في الحياة المعاصرة، من خلال تطوير بعض المنتجات مع المحافظة على هويتها، ومنها صناعة العطور الإماراتية والدخون، والمنتجات اليدوية المصنّعة من السدو والخوص والأقمشة التراثية.

المادة الأرشيفية
تمّ الاستناد في تقديم المادة الأرشيفية المقدّمة للزوّار إلى كل من الأرشيف الوطني، أبوظبي للإعلام، ديوان ولي العهد، أرشيفات شركة “أدكو” التابعة لشركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك»، وقناة بينونة، وكلها تكاتفت لتبرز للزائر مادة خاماً، تأخذه لعشرات السنوات إلى الخلف، ويبرز المعرض اعتزاز أبوظبي بامتلاكها أرشيفاً وافياً يحتفي بالتراث الثقافي الغني للإمارة، حيث تمثّل محفوظات الأرشيف ذاكرة الدولة بكل ما مرّت به من مراحل وأحداث، سواء أكانت ذات قيمة تاريخية كبيرة، أم مجرد تفاصيل يوميَّة صغيرة.
ويقدّم المعرض عدداً من الأفلام الأرشيفية في صالاته المتعددة، وهذه النوعية من الأفلام تشهد على الماضي، وتحتفظ بذاكرة بصرية للمستقبل، وتتضمّن من التفاصيل العرضية التي تكسبها أهمية بالغة للباحثين والمؤرخين، ففي إحدى الصالات 3 شاشات عرض، تتضمّن أفلاماً عن الفترة ما قبل إنتاج النفط، وقيام الاتحاد وبعده، والحياة في تلك الفترات، وفي صالة أخرى شاشة عرض تبثُّ حفلاً غنائياً لكوكب الشرق أم كلثوم، تسترجع مسيرة اتحاد الإمارات والاحتفالات التي تبعت قيامه من خلال استرجاع الأحداث والوقائع، إضافة إلى الأجواء والمشاعر التي سادت في الأيام الأولى للاتحاد، ففي ذلك العام، وكجزء من الاحتفالات، أقيم احتفالان لأم كلثوم، حيث قام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، بدعوتها لتغني في أبوظبي، وقد أطالت إقامتها حينئذ لأيام عدة لتشهد اللحظة التاريخية لتأسيس الدولة.

ويبرز المعرض اهتمام أمناء الأرشيف بحفظه الصور للمستقبل، وجعلها في المتناول، حيث توثّق كلُّ صورة الحدث والزمان والمكان والشخصيات والمصورين، وقد قُسِّمَ المعرضُ الخاص بالصور بطريقة تبيّن القطاعات المختلفة في الدولة ما بين الماضي والحاضر، ومن ذلك المواصلات، حينما بدأ التخطيط العمراني المدني لأبوظبي في مطلع ستينيات القرن الماضي، من خلال إنشاء شبكة طرق، وإنشاء مهبط للطائرات على جزيرة صير بني ياس.
وفي صالة ذات طابع مختلف، تكتظُّ بكل اللحظات التاريخية قبيل وأثناء اتحاد الإمارات، تظهر إحدى الصور المأخوذة في عام 1971 للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، في الذكرى الخامسة من توليه مقاليد الحكم، وإلى جانبه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله. ويبرز المعرض الكثير من الصور التاريخية والوثائق الرسمية؛ منها ما يعود لستينيات القرن الماضي، ويظهر فيها الشيخ زايد، رحمه الله، وحكّام الإمارات في اجتماع، ويشير بعضها إلى الاتفاق الرسمي على تأسيس الدولة، ومنها ما يعود للاجتماع الأول للمجلس الأعلى لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، ومنها ما يعود ليوليو 1971، في الاتفاقية بين المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، والتي تمَّ التأكيد فيها على إرادة الحاكمين والشعب وعقدهم العزم على إتمام جهود الاتحاد.

التغرودة والرزفة

يجلس مؤدّو التغرودة ينشدون ما حفظوه من شعر غنائي شعبي بأصوات شجية تجذب المستمعين، أحياناً بمصاحبة الربابة وأحياناً من دونها، إذ تمثّل التغرودة أحد العناصر السبعة التي ضمّتها قائمة «اليونيسكو» للتراث الثقافي الإنساني غير المادي، باعتبارها من الفنون التي توارثها أبناء الإمارات عن الأجداد الذين اعتادوا إنشاد قصائد الشعر الشعبي، وهم على ظهور الجمال خلال الأسفار الطويلة في الصحراء، أو لبناء وتعزيز العلاقات الاجتماعية في الاحتفالات القبلية والأعراس، واللقاءات بين الأصدقاء حول نيران المخيم، وغالباً ما تتغنى أبيات التغرودة بالفخر والحكمة.
كذلك تضمُّ جنبات مهرجان قصر الحصن عروض الرزفة التي تقام في مواقع مختلفة منه، باعتبارها فناً شعبياً أصيلاً يجمع بين الموسيقى والشعر والحركات الإيقاعية الجماعية، يتمُّ تقديمه في الأعياد والاحتفالات لتكريم قيم الشجاعة والشهامة.

شهادات الزائرين

يقول سيف العبيدلي: إنَّ المهرجان يربط بين جيل التقنيات الحديثة والجيل الماضي الذي كان يعتمد على نفسه في صناعة مستلزمات الحياة التي يحتاج إليها، فهو يعرض الأنشطة التعليمية، والثقافية التفاعلية، وورش العمل، بطرق ابتكارية جديدة تجذب الأطفال إليها بعيداً عن الطرق التقليدية في العرض، وتبعدهم عن حياة التكنولوجيا الحديثة التي باتوا يعتمدون عليها في كل الأمور، والتي تنسيهم حياة البساطة التي كان يعيشها الآباء والأجداد في الماضي.
وتؤكّد لمياء عادل، زائرة للمهرجان، أنَّ تكنولوجيا العصر الحديث أخذت وقتاً كبيراً من الأطفال، وأصبحوا لا يستطيعون العيش من دونها، وأصبحت تؤثّر في عقولهم بشكل كبير، إلا أنَّ المهرجان أتاح فرصة لتعريف الأبناء والأطفال بالأعمال الفنية اليدوية التراثية.
أمّا علي محمد الحسني، فقد أوضح أنّ قيام الأطفال بالأعمال اليدوية في مثل هذه المهرجانات التي تقام سنوياً ذات ضرورة وأهمية كبيرة، فهم بحاجة إليها في أعمارهم الصغيرة تلك بعيداً عن تأثير الحياة العصرية والتكنولوجية الحديثة فيهم، والتي أصبحت ترافقهم على مدار 24 ساعة يومياً.
وتحرص سوسن البني، على المجيء إلى المهرجان مع أفراد عائلتها، رغبة منهم في رؤية وسائل الحياة القديمة التي كان سكّان الإمارات القدماء يعتمدون عليها في حياتهم، وأيضاً حتى تبعد أطفالها قليلاً عن حياة التكنولوجيا الحديثة التي أصبحت تأخذ معظم أوقاتهم.
ويرى يحيى محمد ناجي أنّ مهرجان قصر الحصن يعلّم الأطفال الصغار تراث الأجداد القدماء والحياة قديماً بطرق مبسّطة، ويعدُّ متنفساً يبعد الأطفال عن وسائل التقنيات الحديثة التي تشغل معظم أوقاتهم بها، فضلاً عن أنه وسيلة لتجمُّع العائلة كباراً وصغاراً بعيداً عن وسائل التكنولوجيا التي تُسْتَخْدم بشكل كبير في العصر الحالي.

قيم تحدٍّ وعطاء وتاريخ زاخر
صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال زيارته لإحدى نسخ مهرجان قصر الحصن قال: «إنَّ دولة الإمارات بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة “حفظه الله” تعتزُّ بإرثها التاريخي، وتعمل على الحفاظ عليه وتعريفه للأجيال الحالية والقادمة بما يحفظ ويصون الهوية الإماراتية العريقة، ويرسّخ في نفوس الأجيال قيم التحدي والعطاء والبذل والتضحية التي قدمها آباؤنا وأجدادنا الأوائل». وأضاف سموه: «سنظلُّ أوفياء لقيم وعطاء الأجداد، نستلهم من سيرتهم العطرة وتاريخهم الحافل بالأمجاد ما يحفّزنا على مواصلة دربهم ونهجهم الأصيل لخير هذه الأرض وخدمة شعبها والحفاظ على مكتسباتها». وأكّد سموه «أنَّ تاريخَنا زاخرٌ بالمفاخر، وتراثنا غنيٌّ بالأصالة، ويجب أن يبقى عزمنا الصادق وعملنا الهادف إلى رفعة وطننا الغالي متوهّجاً لا تخبو جذوته في سائر الأوقات وعلى مدى الأيام».