ناصر بن عبداللطيف السركال.. ريادة معاصرة

أعلام الراوي مجلة مدارات ونقوش – العدد 15

 4,755 عدد المشاهدات

الكاتب: جمال بن حويرب

من منّا لم يستمتع بنعمة الكهرباء وتوصيل المياه التي تدخل اليوم بفضل الله ثمَّ بفضل قيادتنا الرشيدة كلَّ مكان في وطننا الحبيب، بل أصبحت دولة الإمارات تنافس الدول العالمية في مجال توليد الطاقة الكهربائية، ومَن لم يستفد من خدمة الهاتف الثابت والهاتف الجوال، فكيف دخلت هذه الخدمات إلى وطننا؟ ومتى كان ذلك؟

قبل هذا دعونا نتعرف إلى شخصية عصامية فذة من هذا البلد المعطاء، استطاعت أن تحقّق السبق في أمورٍ عجز عنها الآخرون، وليس مهماً أن تكون تابعاً ولكن أن تكون بادئاً أولاً في الأمر وكما قلت:

وليس بمجدٍ أن تكونَ مُقَلِّدا                

           ولكن بأن تَحْيَا كريماً مُقَلَّدا                                              

ولا بدَّ للناشئة أن يتعلموا المنافسة في طلب العلم، والبحث عن التميُّز والريادة في كلِّ نواحي الحياة كما كان عليه أسلافنا، ومن هؤلاء الأعلام السيد ناصر بن عبداللطيف السركال.

ولادته ونشأته

وُلِدَ في الشارقة سنة 1917م، في بيت والده عبداللطيف بن عبدالرحمن، الذي كان يعمل برتبة «خانبهادر» في الحكومة البريطانية، وهي ألقاب تطلقها الحكومة في الهند على عمّالها، وكان عبداللطيف وكيلاً عن الحكومة البريطانية لمتابعة مصالحها في المنطقة منذ عام 1890م، وبقي في هذا المنصب حتى يوم وفاته سنة 1919م، ثمَّ خلفه ابنه عيسى في العمل نفسه.

المغفور له الشيخ زايد وناصر عبداللطيف
المغفور له الشيخ زايد وناصر عبداللطيف

نشأ السيد ناصر نشأة حسنة، وأرسله والده للتعلُّم في المدرسة الأحمدية التي كان يدرس فيها نخبة من أبناء الأعيان والشيوخ، وكان ذلك في سنة 1927م تقريباً.

ويذكر أنَّ المحسن محمد زينل، صاحب مدارس الفلاح، زار دبي في تلك الفترة وقد طُلِبَ من السيد ناصر أن يُلقيَ قصيدةً للمعري مطلعها:

ألا في سبيل المجد ما أنا فاعلُ             

       عفاف وإقدام وحزم ونائلُ                                          

وكان ذلك إشارة إلى مكارم محمد زينل رحمه الله.

عمله

بعد أن أتمَّ دراسته بدأ بأعمال الحياة؛ فعمل في بيت الدولة التابع للحكومة البريطانية مع أخيه السيد عيسى رحمه الله، ولم يكن يتقاضى راتباً على عمله معهم، ولكنه أراد أن يستفيد خبرة تؤهله ومعرفةً ينتفع بها في حياته.

وبعد وفاة أخيه عيسى سنة 1935م عمل في المحطة التابعة للإنجليز في الشارقة، والتي تمَّ تأسيسها سنة 1932م، وهناك تعلَّم قواعد اللغة الإنجليزية حتى أتقنها، ثمَّ بدأ في أعماله التجارية.

واشتغل بالتجارة سنة 1947م؛ فبدأ باستيراد ما يحتاج إليه الناس ويستفيدون منه، ويجب أن أُبَيِّنَ هنا أنَّ التجارة في الخليج آنذاك لم تكن سهلة أبداً، بل كانت من أصعب الأمور وفيها كثير من المخاطر، لا كما نراه اليوم من تيسير طرق التجارة وسهولة المواصلات والشحن وتوافر الموظفين ذوي الخبرة، ولهذا كان دخول التجارة في الماضي كدخول محيط متلاطم الأمواج؛ فليس هناك مصارف ولا واعتمادات وشركات تأمين وغيرها من التسهيلات الحديثة.

يقول ناصر بن عبداللطيف عن تلك الفترة:

“كانت التجارة منحصرة في استيراد البضائع الاستهلاكية كالأطعمة والأقمشة والأخشاب التي تصنع منها السفن وتدخل في مواد البناء، وقليل من الكماليات، وكان مصدر تلك المواد من الهند والعراق وإيران وساحل إفريقيا الشرقي، وأخيراً اليابان وأوروبا وأمريكا التي لم يكن لها اتصال مباشر مع التجار المحليين، بل كان الحصول على بضائع الأقطار الأخيرة بوساطة الوكلاء المحليين”.

البنك الشرقي

بسبب خلاف السيد ناصر مع مدير البنك الوحيد في دبي، بدأ بالتفكير جدياً في إنشاء مصرف آخر ولكن في الشارقة، فعرض الفكرة على الشيخ صقر بن سلطان القاسمي؛ فرحَّب بالفكرة، وبعدها سافر السيد ناصر مباشرة إلى البحرين وأقنع إدارة البنك الشرقي المحدود أن يفتتح فرعاً له في إمارة الشارقة، وتمَّ افتتاحه في سنة 1957م، ما جعل كثيراً من التجار يتجه إليه؛ لأنه كان يخفض قيمة الاعتماد 15%، وقد اضطر البنك الآخر في دبي إلى أن يحذو حذوه وإلا فقد كلَّ عملائه.

وقد أدت هذه المنافسة إلى زيادة الاستيراد؛ فزادت عائدات البلاد من الرسوم الجمركية، وبرز تجار جدد أصبحوا بعد ذلك يملكون أكبر المؤسَّسات التجارية. نَمَت في هذه الأثناء تجارة السيد ناصر واتسعت في استيراد مكائن الماء الزراعية ومولّدات الكهرباء والمكائن البحرية التي تمَّ تركيبها في عبَّارات الخور وسفن صيد الأسماك.

بداية الكهرباء

الكهرباء بدأت في العالم المتحضر قبل وصولها إلينا بفترة طويلة؛ فمنذ اكتشافها في أواخر القرن الثامن عشر لم ننعم بها إلا في وقت متأخر جداً، وكان أول مولد للكهرباء يوضع في الشارقة سنة 1932م؛ لحاجة بيت الاستراحة المخصَّص للطيران البريطاني، وفي عام 1939م، تحوّلت محطة الشارقة إلى قاعدة عسكرية، وتمَّ وضع مولدات كهربائية كبيرة، وفي عام 1952م جلبت شركة “كريمكنزي”، وكيلة السفن، مولداً كهربائياً وتمَّ تركيبه في مقر الشركة بدبي، ثمَّ جُلِبَ مولدٌ آخر وتمَّ تركيبه في بيت المغفور له الشيخ سعيد بن مكتوم حاكم دبي، في الشندغة.

يقول السيد ناصر:

«في عام 1955 جلبت مولداً خاصاً قوته 2 كليووات، وركبته في منزلي في ديرة فتوالت عليَّ الطلبات من الجيران لِمَدِّهِم بالكهرباء؛ فاستجبت للبعض، وهنا فكّرت في توفير مولدات أكبر حتى أستطيع أن أمدَّ الجيران بالطاقة وتمَّ لي ذلك، ثمَّ جلبت مولدات أخرى حتى بلغت الطاقة سنة 1958م تعادل 210 كليووات. وبعد إلحاح من الناس اتصل السيد ناصر بالمرحوم علي بن عبدالله العويس، والد التاجر والشاعر سلطان العويس، وقدَّم له فكرة إنشاء محطة للكهرباء كبيرة فرحّب بالفكرة وعرضها على المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، وأمر بتأسيس الشركة برأس مال قدره 3 ملايين روبية أسهمت فيها الحكومة وكذلك المواطنون. وقد بدأت بالعمل في أواخر 1960م».

لم تقف إسهامات السيد ناصر عند هذا الحد، فقد أسهم أيضاً في إنشاء شركة الاتصالات التي كانت تُعْرَف بشركة تليفون دبي المحدودة في سنة 1959م، والتي تأسَست بأمر من المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وباشرت عملها في منتصف عام 1960م، ثمَّ أصبحت تدعى «أميرتل» بعد قيام الاتحاد، وصار السيد ناصر عضواً فيها.

وفي عام 1963م، تمَّ تأسيس أول بنك وطني في دبي، وكان السيد ناصر نائباً لرئيس مجلس الإدارة المرحوم علي بن عبدالله العويس، وقد أسَّس عدة شركات أخرى أصبحت من أكبر الشركات فيما بعد.

صفاته

كان رحمه الله، رغم سعة ماله، كثير التواضع.. يبدأ يومه بقراءة القرآن، ثمَّ يقرأ قصيدة تجمع أسماء الله الحسنى، ثمَّ يلتقي بعائلته قبل الذهاب إلى العمل. فإذا وصل مكتبه بدأ بمساعدة المحتاجين تفاؤلاً بالخير الذي عمله، ومن حرصه على عمل الخير قام بتأسيس جمعية بيت الخير مع سعادة جمعة الماجد. له مقالات منشورة وآراء كثيرة في موضوعات الاقتصاد والتجارة، وكان يشارك في كثيرٍ من الندوات الاقتصادية والاجتماعية وكان كثير المشاركة في هموم المجتمع غير منعزل عنه.

وفاته

في الأول من إبريل عام 1990م، وبعد رحلة طويلة من الإنجازات، وبعد مرور عام على مرضه انتقل السيد ناصر بن عبداللطيف إلى جوار ربه، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.