1,417 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
في زيارتي لولاية بوسطن الأميركية الشهر الماضي لتلبية دعوة مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد لإلقاء محاضرة هناك، كنت على علم بأنني سوف أحاضر في جامعة عريقة تُعَدّ الجامعة العالمية الأولى في العالم في ريادتها على أصعدة مختلفة، ولذلك كنت مهيئاً للوقوف أمام نوعية مختلفة من الطلاب من حيث القدرات الفكرية والنظرة للمستقبل والدراية بتحديات الحاضر..
وهذا ما وجدته بالفعل. في هارفارد أنت أمام صرح تعليمي عملاق بكل ما يحمله الوصف من معنى. ولكن نظرتي لجامعة هارفارد قبل إلقائي للمحاضرة ليست كما هي وأنا في طريق عودتي إلى الوطن. فقد وجدت أن البيت الأول للتعليم الأكاديمي في العالم هو أيضاً صاحب أضخم وأكبر الصناديق الاستثمارية، بل إن جامعة هارفارد تتصدر باقي جامعات العالم في حجم الاستثمارات التي تمتلكها على شكل أوقاف، حيث وصلت في أعلى معدلاتها إلى أكثر من 37 مليار دولار في 2008م .
هنا زادت نظرتي أعجاباً وتقديراً، حيث وجدت نفسى أمام نموذج ناجح يحتذى به في بناء الحلقة التكاملية بين التطور الاقتصادي والنهوض بالتعليم. وهذا هو الارتباط الوثيق الغائب في أغلب جامعات العالم لا سيما جامعاتنا العربية رغم عراقتها وتاريخها التعليمي الحافل. خصوصاً وأن المسلمين هم من أوائل من وظفوا الأوقاف بغرض تطوير واستمرارية التعليم، وجامعة الأزهر الشريف، المؤسسة العلمية الإسلامية العالمية التي تعد من أقدم وأكبر الجامعات في العالم، مثالاً واضحاً يؤكد ذلك، حيث ألحق بها العديد من الأوقاف منذ بداية نشأتها .
إن الاستثمار الناجح يعود برأس المال الذي يعاد ضخه مرة أخرى في مساقات التعليم الأكاديمي على هيئة تطوير كل سبل نقل المعرفة من مراكز أبحاث وتطوير وفرص التعرف إلى ممارسات الآخرين وجلب العقول النابغة وتأسيس بيئة علمية نموذجية تحفز على الإبداع والابتكار. جامعة هارفارد تعكس القيمة الحقيقة للاستثمار في المعرفة، وهو الاستثمار الذي تطمئن معه المجتمعات والأفراد على استدامة التنمية وتحسين سُبل العيش نحو الرخاء والازدهار والتطور المأمول.