991 عدد المشاهدات
الكاتبة: رهام خالد
بجهد إبداعي عميق ولغة شعرية معبرة رسم الشاعر الإماراتي جمال بن حويرب تجاربه الشعرية الذاتية بشكل شفيف، إذ أودع خلاصة مشاعره وإحساسه الفني الخالص في ديوانه الشعري «الفاتنة»، العامر بألوان شتى من الأنساق الإبداعية في مجال قوامه المفردة الشعرية بكل ما تحمل من عرامة وقوة. وقوامه أيضاً الموسيقى بكل ما تحفل به من غناء وتطريب، فاجتمعت له في النهاية الأدوات كافة لإنتاج قصيدة تحمل دلالات متعددة، إذ ضرب شاعرنا ابن حويرب في ميادين عدة من الشعر، بما يمتلك من لغة وثابة طيعة لينة توافق نفسه المحبة للجمال والمسكونة بالعطر والمندفعة نحو الدهشة.
ويتجلى ذلك في الإهداء الذي صدّر به الديوان، إذ يقول: ولم أكتب من الأشعار بيتاً/ ولم أنطق بحرف أو كلام/ سوى أني ذكرتك في ابتداء/ وأني قد ذكرتك في الختام فنستخلص من هذه اللغة الحية الرقيقة العطرية منهج ابن حويرب وأدواته في مخاطبة نفسه، فمن يطالع شعره يجد أنه اندفع نحو تصوير رقة العاطفة وما يقابلها من رقة اللفظ وحنوه، فضلاً على قدرته على التغلغل في داخل النفس البشرية، لكن شاعرنا الذي اتخذ «الفاتنة» عنواناً لديوانه الشعري الأول، لم يتركنا لنتجول في عالمه طويلاً لنكتشف بأنفسنا سره، فنجده في القصيدة الأولى من الديوان، والتي تحتل موقعها المميز، واختار لها اسم «دبي الفاتنة». والشاعر محق فهو مر ببلاد ورأى من عجائب المدن ما رأى، وتبقى فاتنته التي غلب عليه هواها هي «دبي»، التي قال فيها الشاعر السوري أدونيس: «دبي مصغر العالم» وأصدق دليل على هذا الحب العارم الذي يسكن قلب شاعرنا قوله: هذي هي «اسطنبول» كم من عاشق/ كلف بها والحب فيه تمرد/ لما رأتني عانقتني ساعة/ قالت حبيبي لم تغب وتبعد/ قلت اسمحي لي إن تركتك لحظة/ فهوى «دبي» هو الكبير السرمد».
على أن شاعرنا يمضي في هذا الديوان الذي قسمه أقساماً عدة، فبدأ بقصائد متنوعة تطرق فيها إلى «المدح»، فأفرد قصائد كاملة يمدح فيها القيادة الرشيدة في الإمارات بأسلوب شعري رائق وقدرة إبداعية خالصة، مقتفياً أثر الشعراء الكبار القدامى الذين أثروا حياة الشعر العربي بإنتاجهم الوفير في هذا الفن الذي له سماته الخاصة. ثم يمضي إلى قسم آخر هو «المناسبات»، ثم «الرثاء» ثم ينتهي الديوان عند «أطياف». واستطاع جمال بن حويرب أن يجيد تمثيل الحياة من كل جوانبها في هذا الديوان. ولكي تكتمل الصورة الشعرية، إلى جانب الكتابات النثرية، صدر أيضاً بالتزامن مع ديوان «الفاتنة» كتاب يحمل عنواناً مثيراً هو «يوميات جمال بن حويرب» الصادر عن دار العبيكان للنشر، وهو يرتفع به من مقام الشعر الذي يقيد الشاعر بالأوزان الخليلية والالتزام بوحدة القافية إلى فضاء النثر الحر، فيقدم لنا جانباً توثيقياً من ملامح السيرة الذاتية، عبر مسيرة قضاها مع الكلمة الحرة، والتي تجمع آراءه بشكل واضح في الوطنيات واللغويات والاشتقاقات والتراثيات والمشاهدات، عبر مسيرة مشوقة في عالم الكتابة الصحافية. لكن المثير في «يوميات جمال بن حويرب «أنها لم تغفل العصر الرقمي وعوالم الاتصال الحديثة، عبر القسم الذي يحمل عنوان: «اجتماعيات»، فجاءت بعض العناوين المؤثرة على هامش الصفحات، مثل «عزيزي المغرد احذر أنت في خطر، عادات نحتاج إلى تصحيحها في تويتر» وغيرها من الرؤى، التي تناولت مواقع التواصل في فكر ضاحي خلفان.
وما من شك في أن الكتابين يبرزان جانباً مهماً في شخصية جمال بن حويرب، يتمثل بعشقه للعربية وتمكنه من مفرداتها وأساليبها ودهاليزها الخفية، ويتجلى ذلك في دفاعه عن اللغة العربية ومكانتها وجذورها التاريخية عبر الزمان والمكان، وما يقابلها من تنوعات اللهجة المحكية في التراث المحلي. والطريف أن ابن حويرب لا ينسى أن يمد القرّاء بطيف وافر من خلاصة تجربته في الحياة بحكمة بالغة.
صحيفة الحياة
٢٠-٢-٢٠١٥