1,939 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
لا يُسعفنا التاريخ في أغلب الأحيان، لمعرفة سِيَر كثيرٍ من أعلام الخليج العربي، وذلك لأسباب عدة ومن أهمها قلّة التدوين، بل عدم وجوده بسبب انتشار الأمية في كل أرجاء الجزيرة العربية منذ قرونٍ طويلة، وإن وُجد المتعلمون – وما أقلّهم – ونجحوا في التدوين فقد تعرّض ما دوّنوه على مرّ الزمان للضياع، أو التلف.
أو قد يكون موجوداً في مكتبةٍ ما في العالم ولا نعلم مكانها ولم تظهر في الفهرسة الدولية للوثائق والمخطوطات، فقد تعرض الخليج للاستعمار من الدول الأوروبية الكبرى بداية من البرتغاليين حتى الدولة البريطانية.
ويحتمل الأمر أيضا أن تكون هذه المدونات موجودة بيننا، ولكنها مكنوزة عند بعضهم، إذ يظنها ذخائر خاصة فلا هو قام بنشرها ولا جعلها متاحة للباحثين، وهذا من أسوأ الأمور وأقبح صور البخل بالعلم، لأنه لم يستفد بها ولم يفسح الطريق للمؤرخين كي يستفيدوا منها، والحديث عن هذه المسألة عندي طويلٌ وذو شجون.
سألت من خلال تويتر عن أول سفير خليجي لدى أميركا فتلقيت أجوبة مختلفة، لكنّ أكثرها تدور حول الرحالة أحمد بن نعمان بن محسن الكعبي مبعوث الدولة العمانية إلى نيويورك، وكان من أهل التجارة والعلم وصاحب مهارة في الأسفار وخوض البحار، ولهذا آثرت أن أذكر لكم بعضاً من تاريخه الذي استطعنا أن نعرفه من خلال الوثائق والدراسات الموجودة التي تسلط الضوء على تاريخه، ولكننا لا نستطيع أن نتعمق فيه لعدم التدوين كما بينته لكم، فأقول:
عندما قامت الدولة اليعربية العمانية شهدت بلاد عمان من خلالها أوج عظمتها وانتصاراتها وتفوقها البري والبحري، فقد طردت البرتغاليين السفاحين، ووُحّدت المنطقة واتسعت مناطق نفوذها بشكل كبير حتى أذعنت لها دول في أفريقيا وآسيا كما هو معروف في كتب التاريخ.
ولكن بسبب صراعات العائلة بدأت في الضعف حتى انتهت وانتقل ملكهم في سنة 1733م إلى والي صحار المحنك الشجاع أبي هلال الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي الأزدي -مؤسس الدولة البوسعيدية- فجمع الصف ووحد المنطقة وأعاد عمان ثانية إلى قوتها وطرد منها الغزاة بكل جرأةٍ وشجاعةٍ وحسن تدبير، فما مات إلا بعد أن رأى عمان تعود إلى سابق عهدها من القوة والمنعة.
تولى من بعده أنجاله حتى جاء زمن حفيده السيد سعيد بن سلطان بن أحمد البوسيعدي الذي تولى الحكم بعد وفاة والده سنة 1821م فكان من عظماء حكام عمان فزاد من قوة تماسك الدولة وقام بإصلاحات كبيرة في سياسته الاقليمية والمحلية ونمت في عهده التجارة وأضاف أسطولاً بحرياً مهماً حتى بدأت الدول الكبرى من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية تتقرب منه خدمةً لمصالحها التجارية، لأنّ الدول العظمى لا تتعاون مع من لا فائدة منه ولا ترجو منه نفعاً ولا تخاف ضرّاً، بل هي مع مصالحها حيث دارت تدور!.
كانت أميركا من الدول الحديثة في تلك الأيام وأرادت التقرب من الدولة العمانية فأرسلت سفنها التجارية محملة بالبضائع إلى موانئ “زنجبار” التابعة لعمان يومئذ، وكانت تحمل منها البضائع أيضا إلى موانئ أخرى ثم في سنة 1828م اقترح أحد رجال الأعمال الأميركيين عمل معاهدة صداقة وتجارة مع عمان فرحب السيد سعيد ودخلت حيز التنفيذ سنة 1834م وسمح لهم السيد سعيد بالتحرك باطمئنان حتى بلغت عدد السفن الأميركية 32 سفينة، في حين لم تصل إلا 7 سفنٍ بريطانية وواحدة من فرنسا وأخرى من إسبانيا في تلك السنة.
وفي سنة 1837م تم تعيين أول قنصل أميركي في زنجبار واسمه ريتشارد وترن، مما عزز العلاقات العمانية الأميركية وتم زيادة النشاط التجاري بينهما من خلال ميناء زنجبار التجاري، ولم يصل القنصل البريطاني إلا في سنة 1841م، أي بعد أربع سنوات من تسلم نظيره الأميركي وهذا يدل على أنّ العلاقات الثنائية صارت مهيأة لدعوة السيد سعيد لزيارة أميركا، خاصة وأنّ الطرق صارت سالكة ومعروفة بين زنجبار ونيويورك.
نشر في البيان
بتاريخ: 13 أغسطس 2012