أحمد بن نعمان الكعبي..مبعوث عُمان لأميركا (2-2)

جمال بن حويرب مقالات متنوعة

 1,114 عدد المشاهدات

الكاتب: جمال بن حويرب 

لسلطنة عمان الشقيقة تاريخٌ عريقٌ نفخر به نحن أهل الخليج العربي وأهل الإمارات العربية خاصة، فتاريخنا و”عمان” مشترك منذ القدم، وعلاقاتنا وطيدة وقبائلنا وقبائلهم مرتبطة بعرى القرابة والصداقة والجوار.

ومنذ صارت الأمور بيد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي المؤسس قام هو ومن بعده أنجاله وأحفاده بحفظ مكتسبات الدولة اليعرُبية، ونجحوا في توحيد الصفوف وتطوير العلاقات المحلية والإقليمية بكل اقتدار.
وقد نشأ في “عُمان” أجيالٌ من المؤرخين قاموا بتدوين تاريخها ولكن على فترات متباعدة وعلى الأسلوب القديم، وكان كلٌّ منهم ينقل من الآخر بكل أمانة، ولأن أكثرهم من الفقهاء فقد غلب على بعضهم الجانب الفقهي فكانوا مثلا يدخلون الأحكام الفقهية في أثناء كتاباتهم التاريخية ولا لوم عليهم، فهم فقهاء في الأصل، ولكنّ ما تركوه أعدّه من كنوز تاريخ منطقتنا ولولاهم لم نعرف من تاريخ “عمان” شيئاً.
لا نعرف كثيرا من المعلومات الخاصة بالرحالة أحمد بن نعمان بن محسن بن عبدالله الكعبي، ولكن هناك بعض الدراسات الحديثة التي قام بها غير واحد من الباحثين عن رحلته لأميركا على متن السفينة “سلطانة”.
وقد ذكروا فيها أنه ولد سنة 1784م في البصرة من مثل السفير الأميركي هيرمان فريدريك ايلتس ومؤلفة كتاب “العرب الأميركيون” ماري حداد وغيرهما، وبعضهم يقول: إنه ولد في البحرين لأنه يلقب “بالبحراني”، وهذا مستبعد فالألقاب لا تدل على مكان المنشأ فقد يلقب بالبحراني وهو يعيش في إيران أو العراق وأظن أن ولادته في البصرة أقرب للصواب بسبب تعدد المصادر التي تذكر ذلك.
وكذلك لإتقانه اللغة الإنجليزية ومن المعروف أنّ شركة الهند الشرقية التابعة للدولة البريطانية كانت تتردد على موانيء البصرة منذ القرن السادس عشر وفي سنة 1763م نقلت الشركة مقرها من بندر عباس إلى البصرة، مما يدلك على زيادة عملياتها التجارية هناك، وهذا ولا شك سيدفع بعضا من أهالي البصرة إلى تعلم اللغة الإنجليزية من أجل التجارة والعمل كما كانوا يتعلمون اللغة التركية من أجل السياسة.
إذا كان الرحّالة أحمد بن نعمان الكعبي يتقن اللغة الإنجليزية، وهي من الأمور النادرة جدا في تلك الأيام فلا بد أنه أخذ بقسط وافر من العلوم الإسلامية، وتعلم في مدارس البصرة وقد عُرف بالأمانة وحب الأسفار.
وهذا ما جعله محل ثقة السيد سعيد بن سلطان الذي اتصل به منذ أوائل حكمه، ولم تذكر المصادر كيف كان هذا اللقاء ويقال إنه رافقه في حجته سنة 1824م وقد يكون أنه لم يرافق السيد سعيد، وإنما تعرف عليه أثناء الحج ذلك العام فدعاه للعمل عنده وعلى هذا تكون بداية اتصاله منذ هذه السنة، لأنه لم يرد خبر عنهما قبل ذلك.
وقد ذكر هيرمان: أن الكعبي كان يسافر إلى الصين وأوروبا ومصر وغيرها من البلدان في مهمات متنوعة منها السياسي والتجاري، وهذا يدل على علو مكانته لدى سلطان عمان القوي وفي سنة 1835م أصبح أمين سره وأقرب الناس إليه حتى وفاة السيد سعيد بن سلطان.
اهتم السيد سعيد ببناء السفن على الطراز الأوروبي الحديث، لرغبته الشديدة في تعزيز الأسطول العماني بأحدث السفن الحربية، فقد بنى في سنوات متتابعة سفنا كثيرة ومن أهمها سفينة “تاج بكس” و”كارولين” و “شاه علم” و “ليفربول” التي أهداها إلى الملك البريطاني وليم الرابع فسماها “الإمام” تكريما للسيد سعيد، ورد بهدية مماثلة في سنة 1837م، وكذلك أمر السيد ببناء السفينة “سلطانة” و”تاجه” وغيرها.
في سنة 1833م شرع السيد في بناء السفينة “سلطانة” في حوض مازجون من بومباي وسعة حمولتها 314 طنا ومزودة بـ14 مدفعا، وبلغت الغاية في اتقان الصنع، ولهذا اختارها السيد سعيد لكي يسافر على متنها مبعوثه الخاص إلى ميناء “نيويورك” في سنة 1840، وقد تم الاستعداد لهذه الرحلة المهمة والخطيرة لمدة عام بإشراف من الكعبي، وفي فبراير أقلعت من ميناء زنجبار محملة بأنواع التمور والسجّاد والعاج والتوابل.
وكذلك تحمل هدايا ثمينة من السلطان لرئيس أميركا “فان بورين”، واستمرت الرحلة لأشهر ولم تتوقف إلا في جزيرة “سانت هيلانه”، وقد كان يوم دخولها ميناء “نيويورك” مشهودا، فلم يشاهد الناس عربا من الخليج قبل ذلك، وقد كتبت عنهم الصحف واحتفلت الحكومة بزيارتهم واستقبله كثير من المسؤولين، ومن بينهم نائب الرئيس الأميركي وقاموا بزيارات عديدة من مثل زيارة مصنع السفن الأميركي.
وقد رد الرئيس بورين هدية السلطان بهدايا ثمينة ولا يزال المتحف العماني يحتفظ ببعضها، ومن باب التصحيح لم يقدم المبعوث العماني أحمد الكعبي أوراق اعتماده كسفير وإنما قدم لتسليم رسالة خاصة تهم البلدين من السلطان، وفي نفس الوقت أراد السلطان زيادة أواصر العلاقات بين عمان وأميركا.
بعد انتهاء الزيارة وبيع جميع السلع العمانية وتزويد السفينة بالسلع الأميركية أقلعت “سلطانة” راجعة في التاسع من أغسطس، ولم تتوقف إلا في ميناء “كيب تاون”، ثم وصلت في الثامن من ديسمبر من نفس العام إلى ميناء زنجبار.
وكانت رحلة ناجحة بجميع المقاييس، ولا يزال مبنى مدينة نيويورك في الدور الثالث يحتفظ بصورة رسمها الرسام الأميركي إدوارد موني لرحالتنا الكبير أحمد بن نعمان الكعبي رحمه الله تعالى.

 

نشر في البيان

بتاريخ: 14 أغسطس 2012