1,981 عدد المشاهدات
الكاتب: قاسم بن خلف الرويس – كاتب سعودي
كانت الصحافة وما زالت من المصادر التي لا يستغني عنها الباحث في التاريخ بصفة عامة، فهي تكتنز تاريخ الشخصيات وأعمالها كما تتضمن مجريات الأحداث وتسلسلها، ولذا فهي تعتبر سجلاً مفتوحاً يحكي التطور التاريخي في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأي مجتمع من المجتمعات، في هذه الدراسة نقدم قراءة عن أخبار مسقط وعمان في جريدة «الشورى» القاهرية التي توقفت عن الصدور سنة 1931م.
وفي حين يرى بعض الباحثين أن الصحافة لا تقدم إلا جزءاً من الحقيقة فإنهم لا ينكرون أن فيها توثيقاً لحظياً مصاحباً للحياة اليومية في زمن شكلت فيه الصحافة مرآة عاكسة لصور تلك الحياة تم تقييدها بالتدوين في مرحلة عزّ فيها التدوين وخصوصاً في بلدان الجزيرة العربية.
والحقيقة أنني ممن يستهويه التنقيب في الصحف القديمة لأني وجدت في ثناياها أنابيش من الوثائق والمعلومات التاريخية والأدبية ما لم أجده في غيرها، فعملت على استخراج كنوز رأيت فيها فائدة عظيمة للباحثين وخدمة سليمة للعلم والتاريخ، واشتغلت عليها تحقيقاً وتعليقاً وتبويباً وتنظيماً وقدمته في أكثر من كتاب.
منهج وصيت
ومن هذه الجرائد التي تكتسب أهمية خاصة نظراً لصدورها في فترة سياسية حرجة من التاريخ العربي الحديث جريدة ذات انتشار وصيت اكتسبتهما بسبب منهجها الشجاع في الدفاع عن حقوق العرب والمسلمين، وجرأتها في تفنيد أعمال المستعمرين، وعدم خضوعها للمساومات المأجورة والأقلام المأزورة، فكانت شوكة في حلوق الدول الاستعمارية؛ إنها جريدة «الشورى» القاهرية التي أصدرها الأديب الصحفي المناضل العربي الفلسطيني محمد علي الطاهر(1896 – 1974م).
وقد استمرت في الصدور سبع سنوات ابتداء من سنة 1343هـ/1924م حتى توقفها سنة 1350هـ/1931م وكانت ساحة لأقلام كبار الكتّاب العرب في زمانهم، وقد عملت على قراءة جميع أعدادها قراءة دقيقة فوجدتها تتضمن مادة تاريخية خصبة تتعلق بالجزيرة العربية عموماً وبالخليج العربي خصوصاً يجب العناية بها وتسليط الضوء عليها فبادرت إلى ذلك ونشرت بعض الأجزاء وقد بدأتها بالإمارات العربية المتحدة التي شكلت المادة الصحفية المتعلقة بها الجزء الأول من هذا المشروع حيث صدر تحت عنوان (من أخبار الإمارات 1925-1931م/1343-1350هـ) عن دار جداول للنشر والترجمة والتوزيع في بيروت سنة 2014م، ثم صدر الجزء الثاني المتعلق بالكويت عن دار جداول للنشر والترجمة والتوزيع في بيروت أيضاً سنة 2015م تحت عنوان (ماذا في الكويت: أوراق من عشرينيات القرن العشرين الميلادي)، وتلاه الجزء الثالث المتعلق بالبحرين تحت عنوان (شيء عن البحرين: لمحات تاريخية من عشرينيات القرن العشرين)، وأما الجزء الرابع الذي هو قيد النشر حالياً فنضع لمحات عنه بين يدي القراء هنا فهو متعلق بمسقط وعمان ويكتسب أهميته في كونه يؤرخ لفترة كان يتجاذب فيها على الأرض العمانية كيانان سياسيان هما السلطنة على الساحل والإمامة في الداخل.
الشورى في عمان
كانت الصحف العربية التي تصل إلى الخليج العربي في عشرينيات القرن العشرين متعددة الاتجاهات منها السياسية الوطنية كـ«الشورى» و«المؤيد» و«اللواء» والعلمية كـ«الهلال» و«المقتطف» والإصلاحية الإسلامية، وتمثلها «المنار» (1)، ونلاحظ من خلال المواد المنشورة في جريدة الشورى أن علاقة الجريدة بعمان بدأت في عام 1925م، ورغم أنه ليس لدينا تصور كاف عن مدى متابعتها وانتشارها في القطر العماني في ظل اعتمادها المطلق على الاشتراكات في تلك الفترة.
ولكننا يمكن أن نستأنس في هذا الشأن بما كتبه الشيخ عبدالعزيز الرشيد في 5 يناير 1927م في مقالته التي نشرتها «الشورى» في عددها 118 تحت عنوان «الشورى في الخليج» التي أفاد فيها بأنه لم تنل جريدة من الجرائد العربية في الخليج العربي ما نالته جريدة الشورى من الحظوة والإقبال، فقد انتشرت بسرعة مدهشة في تلك البلاد الواقعة على ضفافه انتشاراً لم يعهد لجريدة أخرى، وأصبح المشتركون بها كثيرين وأكثر منهم المعجبون بخطتها المستقيمة ولهجتها الصادقة ودفاعها المجيد عن الوطن العربي وأهله ووقوفها في وجه المستعمرين وكشف ما يضمرونه للشرق وأبنائه من غش وخداع، وأن الكثير من القراء ينتظرونها بفارغ الصبر ويوصي بعضهم بعضاً بالاحتفاظ بها عن الضياع.
كما نلاحظ بعد ذلك ما يدل على العلاقة الوثيقة بين صاحب الشورى ورجال عمان من السياسيين والمسئولين أو من الشعراء والأدباء من خلال رسائلهم وقصائدهم ومقالاتهم المنشورة على صفحات الجريدة حيث تشير رسالة لسليمان باشا لباروني نشرت في العدد 181 من الشورى إلى وجود رسائل متبادلة بينه وبين صاحب الشورى، كما أن الأخبار التي تنشرها الشورى عن عمان وردود الفعل التي تتلوها يؤكد وجود قراء ومتابعون ومشتركون في عمان لهذه الجريدة، وبقدر ما تيقنّا من وجود مراسلين خاصين بالجريدة في مناطق عمان المختلفة وبخاصة مراسل الشورى الخاص في مسقط الذي كان يوافيها بالأخبار من هناك فلا شك بعد ذلك في وجود وكلاء يقبضون اشتراكات الجريدة وربما يكونون المراسلين أنفسهم أ غيرهم، وهو الأمر الذي يدل على انتشارها وجمهورها الواسع، وهذا لا شك من أسباب اهتمام الجريدة بأخبار عمان ومسقط إذا علمنا أن الشورى من الجرائد العربية الحرة التي لا تجامل الاستعمار في بلاد العرب، وهذا الأمر من الأسباب الرئيسة لشعبيتها في الخليج العربي بشكل عام.
الكتاب والمراسلون
كان أول موضوع يتعلق بعمان ينشر في جريدة الشورى هو المنشور في الصفحة الثانية من العدد 30 بتاريخ (12 شوال 1343هـ/14 مايو 1925م) تحت عنوان (سليمان باشا الباروني والمسألة الحجازية) والذي نشر تحت توقيع مستعار هو «خبير» حيث أشار فيه إلى اهتمام الإمام أبو عبدالله محمد بن عبدالله الخليلي والسلطان تيمور ابن السلطان فيصل بالحرب الدائرة في الحجاز بين ابن سعود وعلي بن الحسين وعزمهما على التوسط لإيجاد طريق للوفاق بين الفريقين المتقاتلين من خلال إيفاد سليمان باشا الباروني.
بينما نشر آخر الأخبار المتعلقة بعمان في العدد الأخير من جريدة الشورى والذي يحمل الرقم 335 الصادر بتاريخ 21 ربيع الأول 1350هـ/ 5 أغسطس 1931م إذ نجد في الصفحة الرابعة موضوعاً تحت عنوان (أمراء المسلمين والتبشير) تنقل فيه الجريدة عن أحد عظماء الشرق خبراً عن دعوة رئيس المبشرين بـ(مسقط) لكبراء البلدة وعدم إجابتهم لدعوته وشكواه للسلطان من ذلك.
ويلاحظ أن أخبار عمان الأولى المنشورة في الجريدة كانت من مراسلين للجريدة خارج عمان (بومباي والبصرة والبحرين)، ولكننا نجد أول إشارة إلى وجود مراسل لجريدة الشورى في مسقط في الصفحة الثالثة من العدد 47 بتاريخ 29 صفر 1344هـ/17 سبتمبر 1925م وجاء الخبر تحت عنوان (أخبار جزيرة العرب: اجتماع هام يقيمه أقطاب المملكة العمانية) حيث صدّر الخبر بعبارة «مسقط في 9 صفر – لمراسل الشورى الخاص»، وهو ما يؤكد وجود مراسل أو مراسلين لجريدة الشورى في مسقط منذ وقت مبكر أي قبل مرور سنة واحدة من عمر الجريدة.
ومما يلفت النظر في هذه الجريدة أن السائد فيما كتب من عمان ومسقط أو عنهما من مقالات وتعقيبات على صفحات الشورى باستثناء ما نشر بتوقيع سليمان الباروني، وأحمد محمد المحضار، وأحمد جمال، وأبو إسحاق أطفيش، وعبدالله الصانع، وأمير جعلان محمد بن ناصر آل حمودة، ومحمد بن راشد المعولي وسيف بن يعرب السعيدي، وسعيد خالد السكرتير الخاص لوالي صحار، وإسماعيل حقي الرصاصي، كان ينشر مهملاً بدون توقيع أو تحت أسماء مستعارة يمكن أن نحصرها في الأسماء التالية: (خبير، عماني، مكاتب، العصامي، عابر سبيل، عماني عربي أزدي، عربي صميم، وطني غيور، عماني حر، عماني منصف) لدرجة أن الجريدة لم تصرح باسم مراسلها أو مراسليها في عمان أو مسقط في أي خبر من الأخبار التي تصل إلى سبعين خبراً، كما أن الجريدة استخدمت صيغ أخرى لا تدل على أن مصدر بعض أخبارها ليس مراسليها المعتمدين مثل «كتب إلينا من مسقط» أو«اتصل بنا» أو «ورد إلينا» أو«حمل لنا البريد من مسقط» أو«ورد إلينا من مكاتبنا في الخليج» وما شابهها من صيغ لا تريد الجريدة أن تكشف مصادرها فيها.
فهذه الملاحظة تلفت النظر إلى التساؤل عن دوافع أولئك لإخفاء شخصياتهم الحقيقية؟! فإذا علمنا واقع الخليج العربي السياسي والفكري في تلك الأيام فلعلنا نجد لهم عذراً في ظل ما يفرضه البريطانيون من رقابة صارمة وإجراءات مشددة في التعامل مع كل توجه وطني أو نزعة سياسية أو مقاومة اجتماعية، التي أدناها النفي كما حدث للشاعر خالد الفرج وغيره من الوطنيين الذين نفوا من البحرين لأن هذا الملاحظة لا تقتصر على مسقط وعمان بل سمة عامة لكل ما ينشر من أخبار تتعلق بالخليج العربي.
ومما يجدر الإشارة إليه أيضاً أنه مثلما كان مراسلو الجريدة في بلدان أخرى يقومون بتغطية بعض الأخبار المتعلقة بمسقط أو عمان فقد كان مراسلوها في عمان ومسقط يزودونها أيضاً ببعض الأخبار التي تتعلق بدول الخليج الأخرى وخاصة ما يتعلق بالإمارات العربية المتحدة التي كان يطلق عليها إمارات الساحل المتصالحة أو شمال عمان، وكذلك بعض ما يتعلق بالبحرين.
وباستثناء العددين 35 و36 اللذين لم نعثر عليهما، فإنه ما بين العدد 30 الذي تضمن أول مادة تتعلق بعمان والعدد 335 وهو العدد الأخير من جريدة الشورى وقد تضمن آخر مادة، وعلى مدى زمني يمرّ بسبع سنوات ميلادية، جمعنا في هذا الكتاب ما مجموعه 186 من المواد الصحفية والأدبية التي تتناول أحداث عمان ومسقط وعلاقاتها ورجالها والتي تتوزع أعدادها حسب سنوات نشرها كما في الجدول التالي:
السنة 1925 1926 1927 1928 1929 1930 1931
المجموع العدد المواد 20 15 29 21 50 12 39 186
النسبة 10.57% 8.06% 15.59% 11.29% 26.88% 6.45% 20.96% 100%
أخبار عمان في الشورى
وقد اختلفت مصادر أخبار عمان وجهاتها وإن كانت غالباً ترد من مراسليها في مسقط وعمان، ولكن كان للجريدة أيضاً مراسلون في الخليج (دبي، البحرين، بندر عباس، البصرة) وخارج الخليج (بومباي، كراتشي، القاهرة، بغداد، عدن، زنجبار) يزودونها بأخبار عمان إضافة إلى ما يصل الجريدة من رجالات العرب في الخليج ومصر والحجاز والعراق والهند، كما كانت تنقل بعض الأخبار من الجرائد الإنجليزية والهندية والإيرانية والزنجبارية والعراقية والشامية والمصرية ومن شركات الصحافة أو وكالات الأنباء وخاصة تلك التي رمز لها بحرف (ص)، إضافة إلى مراسلات القراء.
وسنجد أن أغلب المواد تركزت على النواحي السياسية بحكم الحالة السياسية غير المستقرة في عمان وما جاورها إضافة إلى السيطرة البريطانية على الخليج العربي بشكل عام، وكذلك نجد اهتماماً بالإصلاحات الاقتصادية والتنظيمات الإدارية مع إشارات للأوضاع العلمية والثقافية في المناطق العمانية، كما نلاحظ توثيقاً لزيارات العمانيين وأسفارهم للخارج وكذلك توثيق زيارات بعض الشخصيات لعمان.
بقي أن نقول: إن هذه المواد الصحفية التي بين أيدينا سيجد فيها الباحث في تاريخ الخليج عموماً وفي تاريخ عمان خصوصاً ما يساعده في سد بعض الثغرات أو تحليل بعض الحوادث أو الاستدلال على بعض الأحوال أو فتح آفاق لأبحاث ودراسات مفيدة؛ فهي أشبه ما تكون بسجل تاريخي لحظي يتضمن أخباراً وإشارات ومواقف ولمحات عن بعض الأمور الجارية خلال الفترة 1925-1931م قد تحتاج إلى مزيد من التحقيق والتدقيق، ولكنها تظل مصدراً خصباً ينبغي للباحث ألا يتجاوزه، ومن أبرز الموضوعات التي تطرقت إليها:
1ـ الأحوال السياسية والأحداث المؤثرة فيها والإجراءات المتخذة حيالها وتسجيل بعض الحوادث ورصد الدور البريطاني في الخليج عموماً وفي عمان خصوصاً.
2ـ تطور الحركة العلمية والأدبية في عمان، فنجد إشارات توثيقية إلى بدايات التعليم النظامي وتاريخ تأسيس بعض المدارس وأسماء مؤسسيها، ورصداً لبعض النشاطات الثقافية.
3ـ توثيق الزيارات التي قام بها كبار رجالات السياسة والثقافة والاقتصاد لعمان، مثل زيارة الزعيم التونسي عبدالعزيز الثعالبي أو زيارة المستر كراين وغيرهم، وكذلك توثيق زيارة السلطان تيمور إلى أوروبا وزيارة الأمير حمد بن فيصل إلى دبي وزيارة محمد بن عيسى بن صالح إلى زنجبار .
4ـ رصد بعض نتاج أدباء عمان ومثقفيها في تلك الفترة كالشاعر سعيد الحراصي والشاعر محمد راشد المعولي والشاعر سيف بن يعرب البوسعيدي المتفاعلين مع الأحداث الثقافية والسياسية الجارية في محيطهم الخليجي ومحيطهم العربي في ظل اتصالهم المبكر بالصحافة العربية وتأثير هذا الاتصال عليهم وعلى بلادهم.
5ـ ممارسات السلطات البريطانية التعسفية ضد الوطنيين من مضايقات ونفي عن الوطن وكذلك ما تقوم به من تنظيمات سياسية وإدارية واقتصادية تخدم مصالحها أكثر من خدمتها لعمان.
6- تسجيل بعض المناسبات والحفلات وتواريخ إنشاء بعض المؤسسات مثل المدرسة السلطانية ، وكذلك إثبات تواريخ وفيات بعض الأعيان كالأمير محمد بن ناصر آل حمودة أو الشيخ سعيد الكندي أو الشيخ ماجد بن خميس العبري أو الشيخ راشد بن عزيز أو الشاعر محمد بن شيخان السالمي .
7ـ طبيعة الاقتصاد وواقعه، من ذلك ما ذكر عن معاناة الناس بسبب ضيق المعيشة وعدم سقوط الأمطار وهجرتهم إلى زنجبار، ومثل توثيقها لامتياز شركة الكهرباء، والإشارة إلى واردات الجمارك وما شابه ذلك.
8- توثيق علاقة عمان والعمانيين بالصحافة العربية واطلاعهم عليها وتعاملهم معها واشتراكهم فيها ومراسلتهم لها للتعبير عن رأيهم ونشر إبداعهم في مرحلة مبكرة والاستفادة منها في التأثير الداخلي والخارجي.
………………………….
(1)
: مي محمد الخليفة، مع شيخ الأدباء في البحرين: إبراهيم بن محمد الخليفة 1850-1933م رياض الريس للكتب والنشر، المملكة المتحدة، 1993م، ص66