5,203 عدد المشاهدات
دأب مركز جمال بن حويرب للثقافة والتراث على استضافة شخصيات مخضرمة لها باعٌ طويلٌ مع التأسيس لإمارة دبي، بغية التوثيق والتأريخ لماضٍ لا يزال مستمراً في حاضر يبشِّر بمستقبل مشرق لأبناء هذه المنطقة من العالم، فكانت استضافة معالي الفريق ضاحي خلفان تميم، نائب رئيس الشرطة والأمن العام بدبي رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لرعاية الموهوبين، ضمن هذا السياق التأريخي، وذلك بحضور جمع من العاملين في سلك الشرطة بدبي والشخصيات العامة والمثقفين والمهتمين.
بداية، أشار ضاحي خلفان إلى مشهد سياسي مختلف تماماً عمّا هو عليه الآن، وإلى تاريخ 20 أغسطس 1956، حيث كانت المنطقة تنضوي تحت مظلة ساحل عمان، وبواكير شرطة دبي كانت تنشط تحت لواء قوات ساحل عمان، وكان عددها متواضعاً لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، حيث كانت الحظيرة تتكوَّن من 6 ـ 10 أفراد؛ ثلاثة منهم مواطنون وثلاثة صوماليون تمَّ تدريبهم في ديرة تحت قيادة ضابط إنجليزي يدعى بيتر كلاين، والذي كان يطلق عليه بدو المنطقة لقب (كليطم).
وأكَّد ضاحي خلفان أنَّ التحريات في دبي وُلِدَت قوية، وأنها تخوض منذ بداية عملها تجربة ناجحة في الكشف عن الجرائم ومرتكبيها، إذ شاءت الصدف في تلك الأيام أن يتعرَّض محل اسمه (جاشنمال) للسطو، حيث قام اللصوص بثقب سقف المتجر وتمكّنوا من سرقته، لكن سرعان ما تمكّن رجال التحريات من القبض عيلهم.
تشكيلات
** واستعرض خلفان 6 تشكيلات مرّت بها مراحل تطوُّر القيادة العامة لشرطة دبي، بدءاً من مرحلة التأسيس.
-التشكيل الأول لقيادة شرطة دبي بقيادة بيتر كلايتون، واستمر هذا التشكيل من عام 1956 إلى 1966، منوهاً إلى أنَّ الشرطي المواطن رقم واحد كان الرقيب أول محمد بوحميد، وكان يعمل في المقر القديم للمحاكم الواقع على ضفاف خور دبي الذي كان يضمُّ مكتب الشرطة، وأنَّ الشيخ محمد بن حشر كان مشرفاً على الضابط الإنجليزي، وأنَّ أفراد الشرطة كانوا يقيمون في خيمة نُصِبَت لهم بجوار قلعة نايف، وأن كلايتون كان محبوباً من قِبَل مرؤوسيه والناس؛ لأنه كان يتكلَّم اللغة العربية ويتفاخر بذلك، لكن كلايتون عيَّن مكانه عام 1957 ضابطاً إنجليزياً آخر يدعى جورج لوريمير، وكان تعسفياً وقاسياً ولا يحبُّه الناس، ما ألقى بظلال قاتمة على سمعة الشرطة بين المواطنين الذين رأوا فيها آنذاك مكاناً لا يجوز العمل فيه.
وبما أنَّ المحاضرة تدور حول تاريخ شرطة دبي، كان لا بدَّ من ذكر جانب آخر مشرق منه يتعلَّق بانخراط المرأة الإماراتية في العمل فيه، حيث أشار خلفان إلى المواطنة تفاحة سالم الحامض، التي تعدُّ أوَّل إمراة إماراتية تنضمُّ إلى سلك الشرطة، حيث عملت في محاكم دبي وفي السجن النسائي والشرطة النسائية منذ عام 1960، الأمر الذي يسجَّل لإمارة دبي بالمقارنة مع الكثير من بقية دول العالم التي خطت هذه الخطوة في مراحل متأخرة من عمرها.
– أمّا التشكيل الثاني، فكان تحت قيادة بيتر لورمير وأحمد راشد الغيث، وشهدت هذه المرحلة أوَّل كارثة بحرية تقع قبالة سواحل دبي، حيث تعرَّضت السفينة ( دارا) للغرق، بينما كانت من بين أربع سفن تابعة لشركة الملاحة الهندية، وأودى ذلك الحادث بحياة 238 شخصاً اختناقاً أو غرقاً بعد أن وقع انفجار كبير على متنها أدى إلى احتراقها وتعطل محركها، وكان لشرطة دبي رغم ضآلة إمكاناتها آنذاك، دور كبير في تنظيم عملية إنقاذ 330 شخصاً آخرين كانوا على متن السفينة وإخماد الحريق؛ فكانت تلك أوَّل مشاركة لشرطة دبي في مجال الإنقاذ البحري.
– وشهد التشكيل الثالث، الذي كان مكوّناً من جاك بريكس، وهامفيرز، وباركن، ومارشال، ومحمود مصطفى، وأوبري وأوملي، قفزة نوعية في آليات عمل الشرطة، بعد أن وضع جاك بريكس أوَّل هيكل تنظيمي لها وأوَّل قانون للشرطة بعد أن أصدر أوَّل أمر مكتوب، كما أسَّس جاك نادي الضباط وأدخل الطب الشرعي في البحث الجنائي، علماً بأنَّ اقتراح تشكيل مختبر البحث الجنائي يعود لخلفان دون غيره. لكن الخطوة الأهم من كل ذلك بدت بتوجيهات حاكم دبي الذي أدرك مبكراً أهمية التصدي لعملية توطين سلك الشرطة، ولا سيما مستوياته القيادية، فأمر بابتعاث المواطنين للدراسة في الخارج لتأهيل القيادات.
وأكّد خلفان أنَّ البعض يعتقد بأنَّ هذا الفكر وهذه الرؤية جديدان، لكن الواقع يشهد بأنَّ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد كان أوَّل من قام في عام 1971 بتأهيل قيادات مواطنة لتحل محلَّ القيادات الأجنبية، بما في ذلك جاك نفسه، الذي أعفاه من منصبه عام 1970.
خبرات
في 15 فبراير 1968، شهدت مسيرة الشرطة في دبي نقلتها النوعية الكبرى، عندما صدر مرسوم بتعيين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رئيساً للشرطة والأمن العام في دبي، وكانت بداية صدور الأوامر المكتوبة وابتعاث الدورات إلى الخارج، وكان خلفان أحد الذين ابتعثوا للدراسة في العاصمة الأردنية عمّان عام 1970 ضمن بعثة ضمّت إليه كلاً من إسماعيل عبد الله القرقاوي، وجمعة عبيد الصايغ، وحارب خليفة بن حاضر من بين آخرين، حيث شاءت الأقدار أن تندلع حرب أيلول الأسود أثناء وجود البعثة هناك، لكنها لم تغادر مقاعد الدراسة رغم المخاطر الجدية التي تعرَّض لها أفرادها، ما دفع أعضاء بعثات عربية أخرى إلى مغادرة عمّان والعودة إلى بلدانهم.
كما شهد التشكيل القيادي الثالث الإعلان عن قيام اتحاد دولة الإمارات عام 1971، حيث تمَّ تكليف خلفان بتولي مسؤولية تأمين حراسة قصر الضيافة في منطقة الجميرا يوم الإعلان تحت سارية العلم.
– التشكيل القيادي الرابع عمل تحت مظلة الاتحاد، وشهد عودة عدد من الضبّاط المواطنين من دورات في الخارج، كما حلَّ القائد المساعد للواجبات العامة عبد الله بالهول محلَّ الضابط الإنجليزي أوبري، ومحمد سعيد الغيث محلَّ باركلي، وسجَّل بذلك عام 1974 أوَّل عملية توطين جزئية للقيادات، كما شهدت هذه المرحلة بعض التبديلات في مواقع الضبّاط المواطنين أنفسهم، فحلَّ الضابط ضاحي خلفان بديلاً للقائد المساعد عبد الله بالهول، وأجاز صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ترقية رتب القادة المساعدين إلى رتبة مقدم.
– أمّا التشكيل الخامس في عام 1975، حيث عُيِّن عبدالله بالهول قائداً عاماً للشرطة، وفي عام 1977 أصبح ضاحي خلفان نائب القائد العام لشرطة دبي قبل أن يدخل عبد الله بالهول إلى مكتبه وهو يحمل بيده مظروفاً ويقول له: «لقد تمَّ تعينك قائداً بعد أن طلب مني صاحب السمو ترشيح اسم لهذا المنصب، فرشَّحت اسمك»،
ثمَّ صدر المرسوم رقم واحد لعام 1980 في الثاني من مارس والذي قضى بتعيينه قائداً عاماً للشرطة، وبذلك أصبح خلفان أصغر قائد شرطة في العالم.
إرساء العدالة
وهكذا انطلقت مرحلة نوعية جديدة في عمل شرطة دبي، وضع خلالها خلفان سلماً من الأولويات التي تقوم على إرساء العدالة الاجتماعية والابتعاد عن الممارسات التعسُّفية، وتمَّ خلالها إنشاء مختبر الأدلة الجنائية وفصل الادعاء العام عن الشرطة والتأكُّد من صحة المخالفات، كما سعت القيادة الجديدة إلى البحث عن الأذكياء لتطوير جودة عمل الشرطة، وتمَّ وضع برنامج لهذا التوجُّه حمل عنوان (برنامج البحث عن الأذكياء) من المواطنين الذين كانوا يدرسون الهندسة الإلكترونية والكيمياء والفيزياء والأحياء في الجامعات الغربية عموماً، وفي بريطانيا والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وكان يُشترط في أولئك النخبة من الطلبة أن يجتازوا السنة الثانية بتقدير لا يقل عن جيّد، وألا تقل درجاتهم في الثانوية العامة «علمي» عن 80%، ويقول خلفان في هذا السياق:(وهكذا بدأت البعثات بينما كانت الدوائر من حولي في غفلة من أمرها).
موضوع السجون شكَّل على الدوام مصدر اهتمام قيادة شرطة دبي، حيث يؤكِّد خلفان أنَّ سجون دبي مرَّت بعهدين متباينين؛ عهد الإنجليز وعهد المواطنين، حيث كانت في عهد الإنجليز خالية من المكيِّفات ولا تلتزم بمعايير حقوق الإنسان، بينما أصبحت تلك الحقوق مكفولة في عهد القيادة المواطنة، حيث يؤكِّد خلفان أنَّ العبرة من السجن تكمن في تقييد حرية الانسان.
وأشاد خلفان بزملائه من الضباط الذين تقاسم معهم مهمة توفير الأمن لأهالي دبي وفي مقدمتهم القائد العام لشرطة دبي السابق عبد الله بالهول، مؤكداً أنَّ الأخير كان أوَّل قائد مواطن لشرطة دبي (1975-1980) وأنه كان محباً وجاداً في عمله، وأنه كان أوَّل من أدخل الكاميرات، وأوَّل من أدخل البرقية الإلكترونية، وأوَّل من نقل خدمات المرور وكشف الحوادث المرورية إلى مراكز الشرطة، وأوَّل من أدخل الترفيه في السجون، وأوَّل من أنشأ «سوبر ماركت» للشرطة.
مقارنة
وعقد خلفان مقارنة بين غرفة عمليات شرطة دبي التي تركها الإنجليز، والتي أخفقت كل محاولات تطويرها، وغرفة العمليات التي شيَّدتها القيادة الجديدة وخصَّصت لها مبنى خاصاً بها، والتي مرَّت بمراحل عديدة ومتنوعة من التطور، وتمَّ اعتماد التقنيات الحديثة في دورة عملها ولا سيما التصويرة منها، ومنها ما يُعرف بالنظام (اللورانسي) المتطوِّر والذي يغطي دائرة قطرها 50 كلم، بينما كان النظام القديم لا يغطي أكثر من واحد كم، بحيث أصبحت هذه الغرفة تثير إعجاب الجميع إلى أن دخل نظام الأقمار الاصطناعية للخدمة.
ومن الإنجازات التي تمكَّنت شرطة دبي من تحقيقها، عبر تاريخ عملها الطويل والمضني، التعامل مع أوَّل كارثة جوية متمثلة في سقوط طائرة تابعة لطيران الخليج في منطقة (سيح الدهل) عام 1983، حيث برزت مهارات العديد من رجال الشرطة وفي مقدمتهم سعيد سالم الذي أظهر مهارة فائقة في التعامل مع الحوادث، كما عاد خلفان بالذاكرة إلى أوَّل عملية ضبط لخلية إرهابية إيرانية جرت في عام 1985 في الشارقة، وذلك بعد أن تلقّى القائد العام لشرطة دبي معلومات من مصادره الخاصة تفيد بوجود مجموعة إرهابية في الشارقة وبحوزتها متفجرات، ورشاشات إسرائيلية وحتى بازوكا وقنابل يدوية، بينما كانت خطة المجموعة تقتضي بتفجير أماكن وسيارات وجسور.
شرطة دبي في سطور
تأسَّست شرطة دبي بتاريخ 1 يونيو 1956م وكان مقرُّها في ذلك الوقت بجانب محكمة دبي في قلعة نايف في ديرة، والتي أصبحت الآن مركـزاً للشرطـة.
انتقلت عام 1973 إلى مقر القيادة الحالي في منطقة الطوار شمال شارع الاتحاد. يبلغ قوام شرطة دبي ما يقارب 30 ألف فرد، وكانت أوَّل مؤسَّسة شرطية عربية تطبّق نظام البصمة الوراثية في البحث الجنائي، وكذلك استخدمت نظام “البصمة الإلكترونية”، وطبَّقت نظام “الإدارة بلا أوراق” واستخدام تحديد مواقع الدوريات ما يساعد عمل موظف العمليات وذلك عبر الأقمار الاصطناعية. كما أنها وضعت كاميرات في جميع أنحاء المدينة لمراقبة أزمات السير والحوادث وأعمال الشغب. وأسَّست إدارة لرعاية “حقوق الإنسان” ضمن هيكلها الإداري. وقد حصلت على جوائز عدة في المنافسات الإدارية، محلياً ودولياً، ومن ضمنها جائزة دبي للأداء الحكومي، ودرجة الأيزو 2000:9001 في تطبيق أنظمة إدارة الجودة في جميع مجالات العمل الشرطي.