1,049 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
نحتاج إلى إسلامٍ ذي مدارس علمية تتعاون لرفع المستوى العلمي والفكري للأمة وتتساعد فيما بينها لصدِّ الهجمات الشرسة التي نتعرض لها كل دقيقة ولا نريدها للتناحر والتباغض وزعزعة الأمن وتفريق المسلمين، وما سئمتُ من شئٍ في حياتي سأمي من موضوع الطوائف والجماعات المتحزبة التي ترى الدنيا كلها في حزبها وجماعتها فمن يوافقها أو ينضمُّ إليها فهو ناجٍ لا محالة من الضلالة والنار ومن يتركهم أو يخالفهم فالويل والثبور له وأعجب ما في الموضوع أنهم يقولون بحتمية وصول جماعتهم إلى الجنة والتشكيك في الآخرين بل قد يصل بهم الوضع إلى تكفير بعضٍ من أهل القبلة وتفسيقهم كأنّ الأمر في يدهم والإسلام شركة لهم يتقاسمونه كيفما شاؤوا ومتى أحبوا ذلك .
*إبّان وجودي في المدينة المنورة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وذلك في عام 1988م حضرت محاضرة في مكتبة الملك عبدالعزيز وكانت بعنوان “سبب تفرق المسلمين” وقد وضع المحاضر خطوطا حمراء على أهم الأسباب وهي الاعتداد بالرأي والتكبر وطلب السلطة الدينية وغير ذلك ثم فُتح المجال للأسئلة فكتبتُ أبياتا أذكر منها :
كيفَ إتفاقهمُ والكلُّ قدْ حكموا
أنّ الجنانَ لهـمْ والفائزونَ هُمُ
ومنْ يخالفهمْ فالنـارُ موعـدهُ
فهمْ عليهِمْ شهودٌ والهـوى حكَمُ
إلى آخر الأبيات وهي قليلة ارتجلتها سؤالاً واستنكاراً ثم آثرتُ عدم إرسالها إليه لعدم جدواها، وقد آلمني بعد ذلك أن يكون هذا الرجل الذي كان يدعو لعدم الفرقة وحلّ أسباب الخلاف ينجرفُ التعصب بشدةٍ وهو صاحب علم وقد يكون قد أُفتري عليه من قبل تلامذته والله أعلم بذلك.
المذهب في اللغة مصدرٌ من ذهب وهو الطريق الذي يسلكه السالكون وصار بعد ظهور الإسلام وخروج المدارس العلمية والعلماء يطلق على أقوال العالم واجتهاداته التي ذهب إليها، فيقال مثلا فلان يرى كذا في المسألة تلك وهو مذهبه، وبه اختلفت الآراء وتعددت فانتشر العلم وفاضت جداوله حتى أصبحت أنهاراً تسقي العقول الظمأى وتجعل للعلم حياة أخرى ممتعة ومفيدة وكان التقليد أول الأمر لا يجوز عند العلماء فكلهم يلتمس العلم من معينِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأخذ من الأقوال المتاحة ويقارن بينها ويختار الأفضل الذي يوافق قواعده العلمية أو يأتي بقولٍ جديدٍ استنبطه بفكره ثم جاء أقوامٌ بعد ذلك توقف التفكير لديهم أو قل خافوا من الاجتهاد وآثروا التقليد عليه فقاموا بتفضيل الأقوال في المذهب نفسه دون الرجوع إلى أدلتها النقلية والعقلية الأولى فكانوا أفضل من الجيل الذي أتى من بعدهم حيث اكتفوا بما اختاره هؤلاء من الجيل التابع ولم ينظروا إلى أسباب تفضيلهم لهذا الرأي من هذاك وهنا انتقل التقليد العلمي إلى تقليد أعمى ميؤوسٍ منه.
بعد ظهور المذاهب الفقهية والعقدية واللغوية والفكرية وغيرها وقد بانت معالمها وعُرفت قواعدها صار من الصعب إنشاء مذاهب جديدة تحظى بدعمٍ من جمهور المسلمين كما كان في السابق لهذا عمد بعض الأذكياء ولحاجاتٍ في النفوس إلى تأسيس جماعاتٍ سياسيةٍ بغطاءٍ إسلامي قد يكون مرادهم منها الخير أول تأسيسها ولكنها تغيرت نياتها بعد ذلك وصارت قوة لا يستهان بها فهناك تنظيمٌ وبيعةٌ وقائدٌ ومعسكراتٌ وجماعةٌ لا يجوز الخروج عنها وغير ذلك وهذا هو الشر بعينه والمصيبة الكبرى التي وقعت على العالم الإسلامي بقصدٍ وبغير قصدٍ ولا أدري متى ستفيق أمتنا منه ونرتاح من هذا الهمّ.