798 عدد المشاهدات
الكتبُ تذكرةٌ لمنْ هو عالمٌ
وصوابها بمحـالها معجونُ
والفكرُ غوّاصٌ عليها مخرجٌ
والحقُّ فيـها لؤلؤٌ مكنونُ
لقد ظهر لي ولكلِّ المؤرخين سابقاً ومن سيأتي من بعدنا أنّ التاريخ في لحظته تتكون منه صورٌ متعددة يراها كلٌّ منا من زاوية معينة “كالرجل الذي يمشي في الشارع” لو أخذنا له صورةً شمسيةً من عدة جهاتٍ فإنه من المستحيل أن تتطابق الصور كلها لأنّ كلَّ صورة ستخرجُ زاويةً معينةً ومن جهاتٍ مختلفةٍ ولكنها كلها تدل على حدثٍ واحدٍ وهو أنّ “الرجل يمشي في الشارع ” وإن تعددت الصور.
وهذا يدلنا على أن أحداث التاريخ التي سجلت أو ستسجل قد تكون كاملة التسجيل أو ناقصة أو مشوهة أو مزورة، ولنضرب مثالاً بالحرب العالمية الأولى والثانية فإنّ تدوين أحداثهما يختلف من حيث النوع والكم والكيف.
فالأجهزة التي استخدمت في الثانية لتسجيل أحداثها لم تكن متوفرة في الأولى وقس عليها كلّ ما يتعلق بالحربين وهذا ما أسميه التسجيل الكامل للأحداث من أفلام وصور وتقارير وأخبار ومشاهدات ومراسلات وغيرها تجعل من الأحداث التاريخية مادة تاريخية متكاملة -تجاوزاً لأنه لا يوجد تسجيل تاريخيٌّ كاملٌ- وإذا نقصت فإننا بلا شك سنحكم عليها بالنقصان وإذا كانت من تسجيل الأعداء أو الكذابين فإنها قطعا ستكون مشوهة أو مزورة.
لن أتكلم اليوم عن تاريخٍ غير تاريخ خليجنا وخاصة تاريخ دولتنا الحبيبة الإمارات التي ولدت منذ 40 عاماً شهدت فيه كثيراً من القفزات النوعية في كل مجالات الحياة ولم يكن الطريق ممهداً بل شقت سفينة الاتحاد طريقها في بحرٍ هائجٍ لا يعرف رحمةً ولا يعرف منطقاً فهو متقلبٌ متحولٌ .
ولكن سفننا محفوظة بحفظ الله وسوف تبقى بإذن الله، ومما يحزنني أني لا أرى تاريخنا يسجل بطريقة علمية بل أرى فيه كثيراً من الاستعجال أو الاعتماد على غير أهل هذه البلاد من المؤرخين أو تظهر هذه الكتب التاريخية في المناسبات فقط مما يدخلني في حزن شديد لأن الناس ترحل والأحداث تنتقل من الحاضر إلى الماضي .
ولا يمكن إعادة هذه اللحظات، والصحف تسجل فقط ما تراه مهما لها ولقرائها فمن يقوم بالتدوين وإخراج المؤلفات التاريخية الموثقة الصحيحة؟ ومن يقوم بتصحيح أخطاء من كتب عنّا وملأ كتبه بالتشويه أو الخطأ أو الكذب أو بجميعها؟
لم نُعرف في السابق بكثرة المؤرخين ولا بكثرة التدوين لأنه ليس من عادتنا ولا حتى نواخذتنا جمع نوخذا ربان السفينة- كانوا يسجلون أو يبقون الروزنامات-مذكرات الربان- البحرية كما هو الحال في البحرين والكويت وأنا أعذرهم لقلة معرفتهم بالكتابة، ولكن كيف أعذر هذا الجيل الذي تعلّم وصار يتقن عدة لغاتٍ ألا يخرج منهم من يهتم بتاريخنا أو حتى بتسجيل المذكرات الخاصة، أو العامة من أصحاب المناصب الذين يبقى بعضهم سنوات طويلة ويخرج من منصبه ولا نعرف عنه شيئاً!!