الإذاعة في يومها العالمي.. نداء شعبي لم ينطفئ بريقه

علي عبيد الهاملي مجلة مدارات ونقوش – العدد 26 – 27

 3,535 عدد المشاهدات

الكاتب: علي عبيد الهاملي – مدير مركز الأخبار في مؤسسة دبي للإعلام

 

أقرت منظّمة الأمم المتّحدة للتّربية والعلوم والثّقافة (اليونسكو) في دورتها 36 المنعقدة بتاريخ 3 نوفمبر 2011، يوم 13 فبراير من كل عام، يوماً عالمياً للإذاعة. وهو اليوم الذي أنشئت فيه إذاعة الأمم المتحدة عام 1946. وقد جاءت فكرة الاحتفال بهذا اليوم من قبل الأكاديميّة الإسبانيّة للإذاعة، وجرى تقديمها رسميّاً من قِبَل الوفد الإسباني الدائم لدى اليونسكو في الدّورة 187 للمجلس التنفيذي في شهر سبتمبر 2011. وفي ديسمبر من عام 2012، تمَّ إقرار اليوم العالمي للإذاعة، فأصبح بذلك يوماً تحتفي به وكالات الأمم المتّحدة وصناديقها وبرامجها وشركاؤها بالإذاعة. وقد دعمت شتّى الوكالات الإذاعية هذه المبادرة.

 

محطات تاريخية ملهمة

يأتي الأصل اللغوي لإذاعة من معنى «الإشاعة» بمعنى النشر العام وذيوع ما يقال. والعرب يصفون الرجل المفْشي للأسرار بالرجل المذْياع. وقد شارك العديد من العلماء في اختراع الراديو كما نعرفه في الوقت الحالي.

بدأ العمل التجريبي للربط بين الكهرباء والمغناطيسية نحو عام 1820 على يد المخترع هانز كريستيان أورستد.

  

واصل في هذا العمل كل من أندريه ماري أمبير وجوزيف هنري ومايكل فاراداي.

 

 

توجت هذه الأبحاث العلمية في نظرية الكهرومغناطيسية التي وضعها جيمس كليرك ماكسويل، التي تنبأت بوجود موجات كهرومغناطيسية لها خصائص معينة منها نقل الصوت.

 

نجح هاينريش رودولف هيرتز في إجراء أول نقل منهجي مباشر للموجات الكهرومغناطيسية.

 

في عام 1896 أرسل غوليلمو ماركوني إشارات الاتصال بموجات الراديو عبر الأثير لأول مرة.

 

عام 1906 بث الكندي ريجينالد فسندن أول صوت بشري عبر المذياع.

 

 

عام 1921 بدأ ماركوني الإرسال الإذاعي من بيته، حيث اتفق مع هيئة البريد البريطانية على تشغيل نظام للبث الإذاعي من خلال شركة BBC وكان أول بث لمحطة ماركوني عبارة عن نقل حفلات موسيقية بلندن.

 

 

مصادر أخرى أشارت إلى أن أول بث كان إذاعة نتائج الانتخابات الأمريكية من محطة نيويورك.

 

 

أثر الاختراع

أدى اختراع وتطور الراديو إلى ثورة كبيرة في الاتصالات. إذ لم يكن هناك سوى وسيلتين للاتصال السريع بين المناطق البعيدة، هما البرق والهاتف، وكان كلاهما يتطلب أسلاكاً لحمل الإشارات بين المناطق المختلفة. وكما هو معلوم فإنَّ الإشارات التي تحملها موجات الراديو تنتقل خلال الهواء، مما مكّن المجتمعات البشرية من الاتصال بسرعة بين أي نقطتين على الأرض أو البحر أو الجو، وحتى في الفضاء الخارجي.

وقد أدى البث الإذاعي الذي بدأ بشكل واسع خلال عشرينيات القرن العشرين إلى تحولات رئيسة في الحياة اليومية للناس، وجلب تنوعاً كبيراً في طرق التسلية داخل المنزل، كما مكّن الناس ولأول مرة من الاطلاع على تطوُّر الأحداث أثناء حدوثها، أو بعد حدوثها مباشرة. وفي الفترة من 1925 إلى 1950 كان المذياع هو المصدر الوحيد لتسلية العائلة في المنزل خلال هذه الفترة التي سمِّيت العصر الذهبي للمذياع.

 

نشأة الإذاعة في الوطن العربي

نشأت الإذاعة في الوطن العربي على فترات مختلفة، وأوضاع وظروف متباينة. ففي بعض الأقطار نشأت بمبادرات فردية من قبل بعض المهتمين بهندسة الراديو، وفي بعض الأقطار على يد القوى الاستعمارية التي أوجدتها أساساً لتحقيق أهداف عسكرية واستراتيجية، في حين لم تظهر في أقطار أخرى إلا غداة استقلالها.

وتعدُّ الجزائر ومصر أول قطرين عربيين عرفا الإذاعة المسموعة؛ ففي الجزائر ظهرت عام 1925 على يد مستوطن فرنسي، وفي عام 1963 أصبحت الإذاعة تابعة للحكومة الجزائرية. وعرفت مصر الإذاعة عام 1926 على يد هواة اللاسلكي، وظهرت المحطات الأهلية في كل من القاهرة والإسكندرية. وتم إلغاء هذه المحطات عام 1932 لتترك مكانها للمحطة الحكومية التي بدأت إرسالها عام 1934.

وفيما يلي تواريخ انطلاق الإذاعات في عدد من الدول العربية:

 

 

  اليمن الشمالي: 1947

–   الأردن: 1948

–        السعودية: 1949

–   الكويت: 1951

–      اليمن الديمقراطي: 1954

–  موريتانيا: 1956

–        سلطنة عمان: 1970.

–     المغرب: 1928

–  تونس: 1935

–  العراق: 1936

–  لبنان: 1938

–  ليبيا: 1939

 –  السودان: 1940

–  سوريا: 1941

–  الصومال: 1943

 

*ماذا كان يسمع الناس في الإمارات؟

 

 

 

البدايات في الإمارات

المحاولات الفردية:

بدأت الإذاعة نشأتها في دولة الإمارات العربية المتحدة قبل البث التلفزيوني، من خلال محاولات فردية، وأخرى رسمية، وكانت أولى المحاولات الفردية في عام 1958 بدبي، من خلال العميد المتقاعد صقر ماجد المري، المولود سنة 1939، وقد حملت اسم إذاعة دبي من الشندغة، وكانت تبث لمدة ساعة يومياً. درس المري في مدارس الشعب والأحمدية، وتنقَّل في المرحلة الثانوية بين دبي والكويت. وفي سنة1966 حصل على شهادة دبلوم عالٍ في هندسة الراديو من معهد اللاسلكي والإلكترونيات بالهند. عمل في تلفزيون الكويت من دبي بمهنة (فني فيديو)، ثمَّ في شرطة دبي مستشاراً للقيادة لشؤون الاتصالات([1]).

 

بساطة وثراء:

ثمَّ جاءت إذاعة عجمان (1961 – 1965)، وكانت تبثُّ ثلاث ساعات يومياً، والتي أسَّسها راشد عبدالله بن حمضة العليلي، المتوفى في فبراير من عام 2013. والذي سافر إلى السعودية، بعد وفاة والده، حيث عمل في محل لبيع الدراجات والتلفزيون وأجهزة الراديو، وتعلَّم تصليح أجهزة الراديو على يد مهندس هندي، ثمَّ عاد إلى عجمان بعد ست سنوات، وفتح محلاً لإصلاح الساعات وأجهزة الراديو.

أما المواد الإذاعية التي كانت تذاع في إذاعة عجمان حينذاك، فإنها عبارة عن تلاوات من القرآن الكريم، وخطب صلاة الجمعة، والشعر، وأخبار الحاكم، وبعض الإرشادات الدينية، وما يطلبه المستمعون، ورسائل المستمعين، وبرنامج للتكافل الاجتماعي (جمع تبرعات لأصحاب المنازل التي تحترق والسفن التي تغرق).

وفيما يتعلق بأبرز المشاركين في تلك البرامج، فنذكر منهم: سالم عبيد سيف العليلي (مذيع)، الشيخ خلفان بن حميد المطوع (خطيب جمعة)، الشيخ محمد التندي (واعظ ديني)، حمد خليفة بوشهاب (شاعر)، عمران بن سلطان المرداس (شاعر)، عيد الفرج (القصائد الحماسية)، جودت البرغوثي (برامج أدبية وأخبار الحاكم في الإمارة)، سالم بن راشد بن تريس، مطيرة (جمع التبرعات للإذاعة).

سالم عبيد سيف العليلي
سالم عبيد سيف العليلي

 


زار إذاعة عجمان مدير إذاعة صوت الساحل، وبرفقته السيد إبراهيم الحديدي، واستغربا لبساطة الأجهزة التي تعمل بها هذه الإذاعة، واقترحا على بن حمضة أن يذهب للدراسة في الخارج، لكنه لم يوافق([2]).

 

الإذاعات الرسمية:

بدأت أولى الإذاعات الرسمية مع إذاعة صوت الساحل من الإمارات المتصالحة بالشارقة (1964 – 1970)، التي أنشأها مكتب التطوير المنبثق عن مجلس حكام الإمارات المتصالحة. وقد بدأت البث عام 1964، وتوقفت عن البث عام 1970 لتحل محلها على التردد نفسه إذاعة دبي.

كانت تبث من القاعدة البريطانية في الشارقة، التي كان يطلق عليها (المحطة). وقد انطلق من خلالها أول صوت نسائي إذاعي إماراتي، وهي المذيعة حصة العسيلي (عام 1965) وكانت سنها وقتها 15 سنة.

حصة العسيلي أول مذيعة إماراتية
حصة العسيلي أول مذيعة إماراتية

 


تحدثت حصة عن ذكريات تلك الأيام، حيث تقول: «مقر الإذاعة لم يكن سوى غرفة بث مقرها المحطة، وهو مطار الشارقة القديم، الذي يعرف حالياً بـ«متحف المحطة» في منطقة القاسمية بالشارقة، وكانت رحلتي الإذاعية تبدأ من الرابعة عصراً وحتى العاشرة ليلاً، وفي الفترة الصباحية كانت المدرسة هي شغلي الشاغل، وكنت أقدم في بعض الأحيان نشرة الأخبار، وبرنامج «ما يطلبه المستمعون»، وهو برنامج مخصص لطلبات المستمعين من الأغاني الوطنية والتراثية والشعبية لدولة الإمارات، التي ظهرت في ذلك الوقت، وكان معظم تلك الأغاني يبث عن طريق شرائط وبكرات قديمة تأتي من البحرين والعراق والهند والقاهرة»([3]).

ومن المذيعين الذين عملوا في إذاعة صوت الساحل: د. أحمد أمين المدني، خلفان المر، صابر محمد، أحمد المنصوري، سعيد الهش، محمد الخوري، صقر المري، رياض الشعيبي، سليم عرفات، ثائر حلاوة.

 

إذاعة أبوظبي (1969/2/25):

تمَّ افتتاح إذاعة أبوظبي بكلمة مسجلة بصوت المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، عليه رحمة الله، قال فيها: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إنني أشعر بالسعادة وأنا أوجه كلمتي هذه إليكم، وذلك بمناسبة افتتاح إذاعة أبوظبي. وأنا واثق أنكم تشعرون نفس الشعور، وتحسون نفس الإحساس.

 صورة تعبيرية للإذاعة


الشيخ زايد خلال افتتاح إذاعة أبوظبي
الشيخ زايد خلال افتتاح إذاعة أبوظبي

 


الشيخ زايد في أحد مكاتب الإذاعة
الشيخ زايد في أحد مكاتب الإذاعة

 


ويجب أن تهتم هذه الإذاعة بالمعاني الإسلامية والعربية، والقيم الروحية، والأخلاق، والتمسك بالدين الحنيف؛ الإسلام، والعادات العربية الأصيلة، والتقاليد التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا. فنحن أمة عربية إسلامية، ويجب أن نتمسك بالإسلام وتعاليمه، ونعلمه لأبنائنا وأحفادنا، لأنَّ هذا حقُّ الله علينا، والله الموفق»([4]).

 

إذاعة دبي (1970):

حلَّت إذاعة دبي محل إذاعة «صوت الساحل» التي توقَّفت عن البث في هذا العام. وكان مقرُّ البث هو مبنى الإذاعة والتلفزيون الحالي الذي يقع قريباً من جسر آل مكتوم. وللأسف فإنَّ المعلومات المتوافرة عنها قليلة جداً وغير موثقة.

ومن الأصوات المحلية التي برزت فيها: المرحوم عبدالغفور السيد، سعيد الهش، صالح بوحميد. ومن الأصوات العربية: محمد المحتسب (1972 – 1975 دبي وبعدها الإمارات من أبوظبي حتى عام 1982)، حسيب كيالي، حسن أحمد، عبدالقادر الكردي، عمر أبوسالم، عبدالعزيز إسماعيل.

 

إذاعة الشارقة (1972/8/31):

في 31 أغسطس 1972 تمَّ افتتاح إذاعة الإمارات العربية المتحدة من الشارقة، وفي 5 نوفمبر 1975م أصدر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، قراراً بضم الإذاعة إلى وزارة الإعلام. والـ15 من نوفمبر 2000 تم إعادة افتتاح إذاعة الإمارات العربية المتحدة من الشارقة.

ومما قاله صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في حفل إعادة الافتتاح: «إننا من خلال هذه الإذاعة سنقدم غذاءً فكرياً إسلامياً ينبع من واقعنا، وليس مستورداً أو غريباً علينا، إننا نعنى بالدرجة الأولى بالثقافة العربية والإسلامية التي تمثّل العنصر الرئيس في تكوين المواطن العربي المثقف».

ثمَّ توالت الإذاعات المحلية في الإمارات، حيث افتتحت إذاعة رأس الخيمة بتاريخ: 1-12-1971، وإذاعة أم القيوين في مارس من عام 1978، وإذاعة عجمان سنة 2001، وإذاعة الفجيرة في يونيو 2006.

صقر المري أمام مجموعة من الإكترونيات المفككة في شرطة دبي
صقر المري أمام مجموعة من الإكترونيات المفككة في شرطة دبي

 


تلفزيون الإمارات العربية المتحدة من أبوظبي
تلفزيون الإمارات العربية المتحدة من أبوظبي

 


شبكة الإذاعة العربية ARN:

تأسَّست شبكة الإذاعة العربية ARN في دبي في شهر مارس 2001 وهي أكبر شبكة إذاعية في المنطقة، ويستمع إليها نحو 3.7 ملايين شخص في الأسبوع. تمتلك الإذاعة مجموعة متنوعة من الإذاعات الناطقة بلغات مختلفة؛ منها إذاعتان ناطقتان باللغة العربية، هما الخليجية والعربية، وتستحوذARN  على أكبر قاعدة مستمعين في الإمارات العربية المتحدة، وجميع محطاتها متعددة المنصات مع محتوى يمكن الوصول إليه عبر الإنترنت وعبر أحدث تطبيقات الهواتف الذكية.

 

هل انتهى عصر الإذاعة؟

رغم كل التحديات التي تواجهها الإذاعة، فإنّ تأثيرها ما زال قوياً. فهي تجذب الكثير من الناس، وتعدُّ رفيقتهم في أوقات تنقلهم عبر السيارات ووسائل النقل العمومية. ولا يزال الملايين من الناس يستمعون للموسيقى والأخبار عبر الراديو. ولا سيما أنها أضحت متوافرة على الإنترنت وأجهزة الهواتف الذكية.

في عام 2016 كشفت إحصاءات «اليونيسكو» عن تجاوز عدد مستمعي الإذاعة عدد مشاهدي التلفزيون ومستخدمي الهواتف الذكية. وهناك أكثر من 800 محطة إذاعية في البلدان النامية، بينما نصف سكان العالم تقريباً (3.9 مليارات شخص) لا يزالون غير قادرين على الاتصال بشبكة الإنترنت.

 


([1])   مجلة درع الوطن، 2015/6/1 (العميد «م» صقر المري أول مخترع إماراتي).

([2])  المصادر: جريدة الاتحاد، لقاء مع عبد الله راشد بن حمضة، 18 مارس 2013. جريدة البيان، لقاء مع سالم عبيد سيف العليلي، 29 أكتوبر 2015. جريدة الخليج 24 أغسطس 2011.

([3])  من ذكريات حصة العسيلي عن إذاعة صوت الساحل: https://www.youtube.com/watch?v=nwBE7T8WLrE

([4])  http://www.alittihad.ae/multimedia/video.php?id=115

https://www.youtube.com/watch?v=p9Td8vLwbu4