3,480 عدد المشاهدات
للإجابة عن هذه التساؤلات نستهل حديثنا بالتنويه إلى أنَّ العرب قد عرفوا البشت قديماً وأسموه البردة والعباءة، وكان هناك العديد من الروايات التي تحدثت عن أصله، فمنهم من قال إنَّ البشت كلمة فارسية الأصل ومعربة، تعني الظهر، وذلك لأن البشت يلبس على الظهر. لكن السؤال الذي يطرح من باب نقد هذا القول: لماذا يترك العرب اسم العباءة والبردة الفصيحتين ويأخذون معنى هذا اللبس من اللغة الفارسية؟ هناك من قال أيضاً إنَّ كلمة البشت مشتقة من اسم قبائل البشتون في أفغانستان، وهناك من ادَّعى أنَّ البشت منسوب إلى منطقة بشت بجنوب قرى نيسابور شمالي شرق إيران، وبعضهم قال إنَّ البشت مأخوذ من (المستق) وهي ثياب مذرعة ذات أكمام طويلة، وهناك من رفض كل هذه التأويلات وقال إن البشت موجود في اللغة السامية القديمة الأكادية وتعني الوجاهة.
وكل هذه الأقوال والتعاريف المتعددة قد تحمل بعض أوجه الصواب، لكن نحن لنا وجهة نظر مختلفة، نعرضها لكم بعد التساؤل: هل كان البشت فقط للعرب أم كان لغيرهم من القبائل والشعوب؟
العباءة والبردة والبشت والمشلح أثواب قديمة جداً، في الكثير من الحضارات العالمية، ولا يختص بها العرب فقط، ولكن العرب عرفوا بها لكثرة استخدامهم لها واهتمامهم بلبسها، فقد كان البشت لبس الملوك في الحضارات السالفة الذكر وبأنواع مختلفة من أنواع الخيوط المستعملة، والألوان، والتصاميم، ولا تزال شواهد البشت من هذه الحضارات مصورة في العديد من اللوحات القديمة.
والبشت أو المشلح أو العباءة نراه كثيراً في الأفلام الدينية وخاصة المسيحية، لذا علينا أن ننتبه جيداً، ولا نقول إنَّ البشت هو زي عربي خالص، كما أنَّ العباءة كانت قديماً للرجال وللنساء، لكن حالياً العباءة فقط للنساء في دول الخليج والمشرق العربي، لكنها للرجال وللنساء في دول المغرب العربي.
ومن غرائب الأمور أن تقاوم بعض المفردات عوامل التغيُّر الاجتماعي وتستمر، وقد تتغير معانيها وتظل المفردة صامدة، وأن تندثر أخرى ولا تبقى إلا في مخزون ذكريات الماضي، مثل مفردة البردة التي نسيها الناس وهي تعني العباءة. أيضاً توجد مفردتا السيح والقطوانية وتعنيان البشت الأبيض، وحلت محلهما مفردة البشت والمشلح.
كانت العباءة قديماً عندما تذكر، تعني تلك التي تصنع من الخيوط السوداء، وجاءت في شعر ميسون بنت بحدل التي تزوجها معاوية رضي الله عنه، وكرهت عيش النعمة، فقالت أبياتاً تحن إلى البداوة ومنها:
ولبس عباءة وتقر عيني أحبُّ إلي من لبس الشفوف
وهذا دليل على أن المرأة البدوية في تلك الأيام كانت تلبس العباءة مثلما يلبسها الرجل، لكن بشكل مختلف.
وفي كتاب المنتظم لابن الجوزي ذكر عن ابن عباس أنَّ سيدنا جبريل جاء بمقص لسيدنا آدم وأعطاه إياه فجز الشاة، فغزلته حواء، وقام آدم بحياكة عباءتين؛ عباءة له وأخرى لحواء، وهي من القصص التي لا نعرف صحتها من كذبها، لكن نستدل بها في تأكيد أنَّ العباءة للرجل والمرأة على السواء.
ويبقى الحديث عن أصل مفردة البشت ومن أين اشتقت وكيف وصلت إلينا وهل هي عربية أم هي غير ذلك. ونقول في هذا: إنَّ أي مفردة عربية موجودة في لغتنا هي عربية، حتى يرد دليل قاطع على العكس، وأول تعريف لكلمة البشت وجدناه في كتاب الشيزري وهو من علماء القرن السادس هجري في كتابه (نهاية الرتبة الظريفة في طلب الحسبة الشريفة)، يتكلم فيه على أنَّ الخباز يجب أن يلبس بشتاً مقطوع الأكمام، ومن هذه الفترة تحديداً شاع البشت وشاعت كلمة البشت وأصبحت موجودة في كتب التراث، خاصة لدى المصريين والشاميين والعراقيين.
وعرف العرب الفصحاء البشت بمفردة غير تلك التي ذكرناها في بداية المقال، وهذه المفردة هي (البت)، كانت مشهورة عند العرب تم اختفت تماماً، ولم تذكر لا في شعر ولا في نثر، إلا ما نذر، و(البت) جمعه بتوت أو بشوت، مفردة قديمة ترجع إلى أيام الجاهلية. و(البت) هو لباس مهلهل غليظ الشكل، لونه أخضر يميل إلى السواد، يصنع من الوبر والصوف، وهو أصل البشت، تغير مع الزمن وأضيف له حرف الشين.
وفي الإسلام يقول الراجز المشهور رؤبة بن العجاج:
من يك ذا بت فهذا بتي مصيف مقيظ مشتي
تخذته من نعجات ست سود جعاد من نعاج الدشت
لنختم قولنا: إن البشت كلمة عربية ترجع أصولها إلى أيام الجاهلية الأولى، كانت تسمى البت، ومع مرور الأيام تغيَّرت المفردة بأن أضيف إليها حرف الشين، لتصبح (بشت).