التراث العمراني في الإمارات

الإمارات الكتاب مجلة مدارات ونقوش - العدد 3

 3,252 عدد المشاهدات

مركز جمال بن حويرب للدراسات – دبي

قال المهندس رشاد بوخش، رئيس جمعية التراث العمراني في دولة الإمارات، وعضو المجلس الوطني الاتحادي، سابقاً، ومدير إدارة التراث العمراني في بلدية دبي، سابقاً: يوجد في الدولة نحو 3250 معلماً أثريًّا ، جرى ترميم قسم منها، والعمل جارٍ على ترميم أجزاء أخرى تباعاً حسب الحاجة والأهمية، وأن الإمارات تسعى إلى أن تجعل من السياحة رافداً مهمًّا للدخل بعد النفط والتجارة، وأكد أنه بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ستكون منطقة الشندغة التراثية أكبر متحف مفتوح في العالم، وأن إجراءات تنفيذ التوجيهات السامية مستمرة منذ أكثر من عام، وقريباً سنشهد افتتاح المنطقة التي ظلت مغلقة طيلة فترة الصيانة والترميم، والتي من المتوقع أن تجلب ملايين السياح سنويًّا .

جاء ذلك في جلسة مسائية نظمها “مركز جمال بن حويرب للدراسات” تحت عنوان:”التراث العمراني في الإمارات”، وحضرها كل من  الباحث والكاتب عبد الغفار حسين، إسماعيل الحمادي، من وزارة الثقافة، سلطان الشامسي، عضو المجلس الوطني الاتحادي سابقاً عن إمارة عجمان، والدكتور خالد الوزني، المستشار في مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، وجمع من المهتمين والمختصين ومندوبي الصحف المحلية والإعلام.

بدأ الأمسية جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، رئيس المركز، مرحباً بالمحاضِر والضيوف قائلاً: لاشكَّ أنَّ موضوع التراث العمراني والمحافظة على الآثار مهم جدًّا، وقد أمضى الأستاذ رشاد بوخش، رئيس جمعية التراث العمراني في الدولة، معظم حياته في البحث والدراسات في مجال التراث العمراني والمحافظة على الآثار، وله جهود عظيمة في ترميمها وإعادة الحياة إليها، والمساهمة في تسجيلها في الهيئات العالمية المعنية بشؤون التراث العمراني والآثار.

وأضاف بن حويرب “لقد اطلعت على جزء من العرض الذي سيلقيه على مسامعنا الأستاذ رشاد، فوجدت أنَّ الأمر يحتاج إلى ساعات طويلة، ليعطيه حقه، لكنه سيعمل على اختصار الموضوع، حول الأهم، ثمَّ المهم .

هويتنا فخرنا

بدأ المهندس رشاد بوخش حديثه قائلاً: “إنني سأختصر ثمانية آلاف عام من تاريخ التراث العمراني، في خمسة وأربعين دقيقة، راجياً أن أوفَّق بالعرض الذي آمل أن يعجبكم، وأن أعطي الموضوع حقَّه، لما يستحقه من الأهمية.

واستطرد قائلاً: “بما أننا نعيش “عام زايد” طيَّب الله ثراه، فإنَّني سأبدأ حديثي بمقولة شهيرة له: “من ليس له ماضٍ، فلا حاضر له ولا مستقبل”.

ولنا أن نتعلَّم من هذه “المقولة – الحكمة” بأن علينا أن نستفيد من تراث الماضي، من أجل بناء حاضرنا ومستقبلنا.

وأضاف: ولعلَّ في مقولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة “حفظه الله”: “من لا هوية له، فلا وجود له في الحاضر، ولا مكان له في المستقبل”. وهذا تأكيد لما قاله المغفور له بإذن الله الشيخ زايد.

وقال بوخش: كما أنَّ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله” رسم لنا خارطة طريق بقوله: “نعتز بأمسنا، ونفخر بحاضرنا، ونمضي إلى غدنا بيقين ووعي وعزم أكيد، وإرادة لا تعرف التردد، وهمة لا تعرف التلكؤ”.

وأضاف: وهنا يحضرني قول الشاعر أبو يعلى عبد الباقي المعري، حفيد أخ للشاعر المعروف أبي العلاء المعري، وقد مرَّ يوماً بقرية يُقال لها «سِياث» من أعمال معرّة النعمان (جنوب إدلب في سوريا) فوجد أناساً يهدمون مبانيها القديمة ويكسرونها بالمعاول، ليخف عليهم حملها، حيث كان الناس يستسهلون اقتلاع أحجار المباني الأثرية القديمة، واستغلالها في بناء مبانيهم بدلاً من اجتلاب أحجار جديدة وتهذيبها، فهاله ما رأى، ووقف متأسفاً، وقال هذه الأبيات التي تدل على وعي صاحبها بقيمة التراث، وتعبِّر عن موقف الطبقة الواعية المستنيرة، من المخلفات الحضارية ومفهوم الحفاظ على التراث وحمايته. يقول الشاعر:
مررت بربع من «سياث» فراعني
به زجل الأحجار تحت المعاول
تناولها عبل الذراع كأنما
جنى الحقد فيما بينهم حرب وائل
أتتلفها؟ شّلت يمينك! خلّها
لمعتبر، أو زائر، أو مسائل
منازل قوم حدثتنا حديثهم

ولم أرَ أحلى من حديث المنازل

ونفهم من هذا، المبررات القوية، والحيثيات المنطقية للحفاظ على التراث ومخلفاته المادية، وهي أنها موضع الاعتبار والاتعاظ، وأنها جديرة بالسياحة والزيارة والتأمل والمتعة، وكذلك كونها مجال للبحث والتساؤل والدراسات التاريخية والعلمية، وأضاف في نهاية هذه الأبيات المهمة، حساً وجدانياً آخر يضاف إلى ما فيها من قيم، كونها تاريخ ناطق بحياة قوم قد رحلوا، وتركوها خلفهم لتحدثنا عنهم.

المعالم الأثرية

استطرد المهندس رشاد بوخش حديثه، حيث قال: “تبيَّن لنا من خلال البحث والدراسة على مدى أربعين عاماً، أنَّ دولة الإمارات تذخر بما يزيد على 3250 موقعاً ومعلماً أثرياً، ولعلَّ الكثير منَّا يفاجأ بهذه المعلومة المهمة، ما يؤكِّد أنَّ بلادنا كانت مهداً لحضارات قديمة، تمتد إلى عمق يقرب من ثمانية آلاف عامٍ مضت، منها على سبيل المثال حضارة جزيرتي مروح وأم النار في أبوظبي، حيث تعود الأولى إلى نحو 3500 ق.م، والثانية إلى حوالي 2600- 2000 ق. م.

وهناك آثار “هيلي وجبل حفيت” في مدينة العين، التي يرجع تاريخها إلى نحو 3000- 1000 ق.م.

وفي دبي، لدينا موقع ساروق الحديد الذي أصبح موقعاً عالمياً “1600- 600″ ق.م. ويضم آثاراً تعود إلى العصر الحجري  في وسط الصحراء، وقد اكتشفه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عندما كان في طائرة عمودية ولاحظ وجود قطع فخارية  في الموقع، ما يشير إلى وجود آثار، فأمر سموه بالحفر في المكان، وعلى عمق ثمانية أمتار تمَّ اكتشاف ما يزيد على 23 ألف قطعة أثرية، تشكل نحو 5- 10 % من موجودات الموقع. ولوحظ وجود صور لأفاعي على قطع الفخار، ما يشير إلى أن سكان تلك المنطقة في تلك الحقبة من الزمن كانوا يتخذون من ذلك تعويذة، كي لا تضرهم الأفاعي التي ربما كانت تنتشر بكثرة آنذاك”.

إضافة إلى ذلك لدينا موقع القصيص الذي يضم 47 مدفناً تعود إلى الفترة ذاتها، وهو يبعد عن ساروق الحديد بنحو 70 كيلو متراً.

وهناك موقع “الجميرا الإسلامي”، ويمتد من نهاية الفترة الأموية حتى بداية الفترة العباسية.

وفي الشارقة لدينا مواقع كثيرة من أهمها منطقة مليحة، التي تعود إلى القرن 12 ق.م .

وفي أم القيوين هناك موقعان هما: موقع الدور “معبد الشمس” ويعود إلى الألف الأول ق.م، وموقع تل أبرق، بين الشارقة وأم القيوين “الألف الرابع ق.م”.

وفي رأس الخيمة هناك كثير من المواقع الأثرية؛ منها في منطقتي شمل وشعم، وكذلك قلعة ضاية.

وفي الفجيرة لدينا كثير من الآثار التي تعود إلى الوجود البرتغالي، إضافة إلى آثار منطقة البدية. وقد طبعت وزارة الثقافة كتاباً عن الآثار في دولة الإمارات ضمنته كل هذه الآثار.

الإنجليز والآثار

وقد أشار المهندس رشاد إلى أن الإنجليز، بالرغم من مساوئهم في مجالات الصحة والطب لسكان المنطقة، كانوا من أفضل المستعمرين في مجالات رسم الخرائط للمنطقة، ولعل ذلك يعود إلى احتياجاتهم الدفاعية والتجارية والوقائية.

وقد أجريت أول عملية مسح جغرافي منهجية لطبوغرافيا ساحل الخليج على يد ضباط البحرية البريطانية في الفترة بين (1820: 1829م). وكان الهدف منها إنتاج مجموعة من البيانات والمعلومات عن الخليج وسواحله لأغراض ملاحية وعسكرية وتجارية. كما قاموا بإعداد خرائط مُفصّلة للموانئ والمدن، وتسجيل معلومات عن الطبيعة الجيولوجية ومراكز التجارة.

وبفضل هذه الخرائط بحثنا عن أسوار دبي التاريخية، وبخاصة حصن الفهيدي في بر دبي، كما تمَّ تحديد أماكن الأبراج والقلاع.

العمارة التقليدية

تعددت أنماط العمارة التقليدية في الدولة، وتنوعت لتشمل المباني الدفاعية والسكنية والخدمية والتجارية والدينية، كان لجميعها الفضل في التعريف بثقافة وتراث المجتمع المحلي. وقد كان البيت التقليدي يتضمَّن أبراجاً للهواء “البراجيل”، والأسواق التقليدية ذات التنظيم الطولي النابضة بالحياة، ومساجد الأحياء الصغيرة المتواضعة المنتشرة في المناطق كافة، تعبيراً واضحاً لتنوع وغنى العمارة التقليدية التي تعكس تاريخ وتراث وحياة المجتمع المحلي، من خلال نسيجها العمراني الموجود في أزقة أحيائها وساحاتها، وطابعها المعماري الذي يميِّز مبانيها على اختلاف أنماطها، ومن خلال مبانيها الدفاعية المتمثلة في القلاع والأبراج المحصنة.

فالحصون في أغلبها بنيت مستطيلة، ويتجسد ذلك في قصر الحصن الذي كان سكناً لأسرة آل نهيان في أبوظبي، وحصن الفهيدي الذي كان سكناً لأسرة آل مكتوم التي انتقلت من أبوظبي إلى دبي في العام 1833، وأسست هذا الحصن، وفي العام 1861 انتقلت إلى منطقة الشندغة.

وكذلك حصون في الشارقة، ورأس الخيمة، وأم القيوين وعجمان. وفي منطقة العين هناك العديد من الحصون وأبراج المراقبة، لحماية بساتين النخيل والأفلاج التي تبرز نظم الري التقليدية القديمة في أماكن كثيرة في منطقة الخليج العربي.

أما الأبراج والمربعات، فقد بنيت لأغراض دفاعية ورقابية، وتوجد مئات الأبراج في الإمارات؛منها 60 برجاً في رأس الخيمة، معظمها بحاجة إلى ترميم. وفي دبي هناك 12: 13 برجاً تمَّ ترميمها جميعاً. منها مربعة أم الريول “أم الأرجل” التي شيدت في العام 1906، وأطلق عليها هذا الاسم نظراً لتعدد الأعمدة الحاملة، وعددها سبعة، وهناك برجان في منطقة حتا، تمَّ بناؤهما بصورة دائرية، في العام 1860، ويقعان على جبلين مرتفعين.

البيوت السكنية والمساجد

في البوادي، كان البدو الرحَّل يبنون بيوت الشعر، أمَّا البيوت السكنية فقد شكَّلت الغالبية العظمى في المدن والتجمعات الحضرية التقليدية في دولة الإمارات التي تميزت بألفة مقياسها الإنساني وعفوية إنشائها، واعتمادها على المواد المحلية المتوافرة، مثل سعف النخيل، والمعروفة ببيوت العريش. وهناك 18 نوعاً منها، إضافة إلى البيوت الطينية، كما في حتَّا والذيد ومسافي، والبيوت القفل المقامة من الحجر والأشجار. أما البيوت الكبيرة فقد بنيت من حجر البحر والصدف والجص، وهي كثيرة ومنتشرة في جميع أنحاء الإمارات.

أما بالنسبة إلى المساجد، فهناك نوعان؛ المسجد الجامع الكبير المكون من 54 قبة. وقد بنى الشيخ بطي بن سهيل مسجداً جامعاً في العام 1908.

وتحدَّث المحاضر عن المباني التعليمية كالمدرسة الأحمدية، الأقدم في دبي “1912”، ومدرسة الفلاح ثم الشعب والسعادة وخولة، ومدرسة السعيد. وتطرق إلى المباني الإدارية، ومواد البناء والزخارف، واستخدام “البراجيل” من أجل التهوية.

الحفاظ على التراث
ودعا بوخش إلى أهمية الحفاظ على التراث العمراني لأهداف عدة منها:
– تنمية وترسيخ الهوية الوطنية.
– نشر الوعي والحفاظ على التراث العمراني لتوظيفه في مجالات السياحة “السياحة التراثية”.
– الاستفادة من التراث من أجل الحاضر والمستقبل.

– تسجيل التراث الإماراتي في الهيئات الدولية، المعنية بهذا الأمر، لوضع تراثنا على الخريطة العالمية، سياحياً وتنموياً واقتصادياً.

كما تطرق إلى إنشاء جمعية التراث العمراني في العام 2003، حيث تضم اليوم حوالي 1450 عضواً، يسعون إلى تحقيق أهداف الجمعية السابق ذكرها.

وفي نهاية المحاضرة، شكر جمال بن حويرب المحاضر والحضور، داعياً إلى ضرورة وضع تشريع لحماية تراثنا من الهدم والعبث، وإلى أهمية مشاركة القطاع الخاص بالدولة، بمشروعات الحفاظ على التراث العمراني في الإمارات، أسوة بما هو موجود في مملكة البحرين الشقيقة، حيث يسهم التجار في ترميم الآثار بمبادرات شخصية منهم، انطلاقاً من شعورهم بالمسؤولية تجاه الوطن والتاريخ.


السيرة الذاتية:

المهندس رشاد محمد بوخش (دبي – الإمارات العربية المتحدة – 1961م) .
– مدير إدارة التراث العمراني – بلدية دبي.
– عضو المجلس الوطني الاتحادي.
– رئيس جمعية التراث العمراني – الإمارات العربية المتحدة.
بكالوريوس عمارة 1986 -جامعة سيراكيوس – ولاية نيويورك – الولايات المتحدة الأمريكية.
ماجستير في العمارة 2001 – تخصص ترميم المباني التاريخية – جامعة مانشستر ـ المملكة المتحدة.