التضامن العربي عند زايد دستور تستلهم منه الأجيال

مجلة مدارات ونقوش - العدد 1

 3,133 عدد المشاهدات

مدارات ونقوش – دبي 

“ماذا ننتظر كعرب من فرقتنا وعدم اطمئنان بعضنا إلى بعض؟! هل ننتظر حتى ينال منَّا المتربصون؟! يجب أن نتابع السعي لتحقيق آمالنا الكبيرة في التآزر، وفي مناصرة بعضنا بعضاً. ونرجو من الله أن يهدينا لما يحبه ويرضاه، وأن يجعل الأخ عوناً لأخيه، وأن نكون جميعاً مخلصين لأمتنا“.

هكذا تساءل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله وطيَّب ثراه. وهكذا أجاب في تصريحاته وأحاديثه عن تضامن العرب وَلمِّ شملهم تحت مظلة الأخوَّة والدم، بغية التصدي للهجمات الشرسة التي كان يشنها أعداء الأمة العربية عليها مستهدفين خياراتها وتاريخها ووجودها. فقد قال الكثير في هذا الصدد؛ لأن المسألة لديه مسألة شخصية الرجل العربي المسلم، الذي يعود تاريخه إلى تاريخ وجود الإنسان على هذه الأرض، ومن بين ما تحدَّث عنه بعد حوالي شهر من قيام دولة الاتحاد، وبالتحديد يوم الخامس من شهر يناير عام 1972 ، أهمية التضامن العربي في حواره مع الشيخ أحمد حسن الباقوري، فقال: “لقد واجه أسافنا با شك في الماضي تحديات وقوى معادية، واستطاعوا أن يتغلبوا عليها، وفي الوقت الحاضر فإنَّ القوى التي نواجهها قوى ضخمة، وذلك يستدعي مِنَّا جميعاً الحرص على كياننا بحد السيف، للحفاظ على ماضينا الذي يشير بالمجد والفخر، وهذه مسؤولية يتحملها الآن الملوك والرؤساء العرب، وعلى كلٍّ منهم أن يصلح بينه وبين أخيه حتى يقوى العرب، وإذا كان هناك معوقات، فا بد أن تنتهي حتى يمكن توحيدها، وبحيث يصبح كلُّ واحدٍ مِنَّا كالوالد الحريص على أبنائه“. ثمَّ تساءل زايد: كيف تقوى الآمال؟ وأجاب: “إنَّ العرب لن يصبحوا أقوياء إلا إذا تمَّ تصفية أيِّ خلافات أو اصطدامات بينهم، ومن هنا فإنني أدعو إلى لقاءات عربية مخلصة لتصفية أيِّ خلافات بيننا”

الاتحاد قوة

وأثناء لقائه بأعضاء وفد غرف التجارة والصناعة العرب يوم السابع من مارس عام 1973 قال رحمة الله عليه: “إننا نؤمن بأهمية التعاون العربي ونحن نحرص على أن تأخذ دولة الإمارات العربية المتحدة دورها في الجامعة العربية، وتصبح عضواً فعَّالًا ونافعاً في هذه المنظمة التي تعمل لخدمة الوطن العربي الكبير. إنَّ الاتحاد قوة، ولهذا سعينا إلى تحقيقه وجمع الصفوف، إنَّ الفرقة هي التي قطعت أوصال الأمة العربية وعندما اتحد العرب في الماضي كان المجد لأسافنا، والحمد لله، فقد حان الوقت لِنتَّحدَ صفاً واحداً ونتكاتف ونتعاون“.
وفي السياق ذاته، قال سموه لصحيفة الرأي الأردنية يوم الثالث من مايو عام 1973 : “إنَّ دولة الإمارات العربية المتحدة تقوم بدورها في مجال توحيد الجهود والطاقات العربية منذ أن نشأت، سواء عن طريق الجامعة العربية أو المحافل الدولية أو الاتصالات الجماعية أو الفردية؛ لأننا نؤمن وكما سبق أن ذكرت، بأنَّ مصير هذه الأمة، إن عاجلاً أو آجلاً، إلى الوحدة الشاملة، فهذا هو طريقها الوحيد لتحقيق أهدافها في التقدم والعزة والنصر“.

المجد والهيبة

وفي حديث لصحيفة الأضواء البحرينية في الرابع والعشرين من مارس عام 1973 . قال الشيخ زايد – رحمه الله :- “إن ارتباطنا وتكاتفنا وتفاهمنا واتفاقنا في هذه الظروف بالذات، أمر له أهميته القصوى؛ فإلى جانب أنَّ هذا الارتباط والتكاتف والتفاهم سوف يوفِّرُ لنا حدًّا أدنى من القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، نرهب به عدوَّ الله وعدوَّنا، فإنَّ من شأن لقاء قمة عربية أن يشعر أيضاً، إذا كان جاداً وصادقاً، كافة دول العالم العدوة والصديقة أو تلك التي تقف موقف التأييد السافر لعدونا، يشعرها جميعاً بأننا جادون في العمل من أجل الخاص والنصر. الأصدقاء سوف يجدون أمامهم مبرراً لتقديم المزيد من الدعم لنا، والأعداء سوف يفكرون مرتين قبل أن يخطوا خطوة أكثر اتساعاً على طريق عداوتنا، أمَّا من يؤيدون الأعداء فهؤلاء سوف يَزِنون الأمور بميزان المصالح والمنافع هذه المرة. ستشعر كل دولة عربية أنها سند وعون لشقيقتها، لا خلافات ولا صراعات جانبية، لذلك أرى أنَّ عقد مؤتمر عربي أمرٌ ضروريٌّ يحتِّمه المصير الواحد وواقع الحاضر وأمل المستقبل، كما أنَّ فرصة اللقاء على مستوى القمة سوف يتيح لنا تصفية الخلافات وتنقية الجو العربي من أي شوائب عالقة بسمائه قد تعوق المسيرة نحو الغاية الأولى؛ وهي استعادة مجدنا وهيبتنا في هذا العالم“.

لمّ الشمل العربي

تحدَّث في الكثير من المناسبات على مصير الأمة العربية، ودعا إخوانه القادة العرب إلى التآزر والمصالحة ولمِّ الشمل العربي والحرص على مصالح الأمة العربية وشعوبها، وتجاوز حالة الفرقة بين الأشقاء، ومواجهة قضايا الأمة العربية بروح أخوية صادقة وبعمل جاد وفعال. وأكَّد، رحمه الله، أنَّ التضامن العربي هو الطريق الوحيد أمام حشد الطاقات العربية؛ إذ كانت هذه المسألة تحظى بالأولوية المطلقة في سياسته الخارجية، الأمر الذي يجعل من فكره منهاجاً يخطو على خطاه أجيال اليوم والأجيال القادمة، حتى تتحقَّق الوحدة العربية التي كان يحلم بها، وحتى تقوى العزائم وتزدهر في ظل التضامن والتعاون وتضافر الجهود والقوى، ونكون كما كان يتمنى ويطمح.