2,114 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
القائد الناجح لا يكون إلا متفائلاً.. أسمع هذه المقولة دائماً من سيّدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله، ويقول علماء النفس وتطوير الذات: إنّ تفاؤل القائد يزيد كلما زادت خبرته، وصُقلت تجاربه، وظهرت حكمته في ما يأتي من الأفعال والأقوال ويذر، وقد تجمّعت لديه خلال السنوات رؤى عظيمة، فكوّنت بعد ذلك بسببها رؤية بعيدة المدى، لا يمكن أن يصل إليها تفكير ونظر أحد أقلّ عن منزلته في التجربة والحكمة والمكانة، وكذلك، إنّ الأمور تقاس بعكسها، فتجد الخاسرين من القادة هم الذين يغلب عليهم التشاؤم، وقد سمّيتهم قادةً مجازاً، لأنّ القائد لا يكون متشائماً، وأمثال هؤلاء لا يصحُّ أن نطلق عليهم هذا اللقب الكبير، وإنْ قال قائل: كيف أصبح قائداً وهو لا يصلح أن يقود الناس؟ فأقول: هو لم يبلغ إلى هذه الدرجة إلا صدفةً، أو أثناء غفلة الغافلين من أولى الأمر، وقد أثبتت لنا أحداث التاريخ أنّ السقوط والفشل مصيرهم حتماً، عاجلاً أم آجلاً.
منذ أيام، تشرفت بحضور مجلس حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد*، وفيه معظم رجال الدولة من الوزراء والأعيان والمثقفين والشعراء، فدارت أحاديث عدة في السياسة والاقتصاد والأدب والشعر، كعادة مجلسه العامر منذ عرفته، لأنّه جامعتنا التي تعلّمنا فيها وأهّلتنا للحياة ووّسعت مداركنا، وقد تخرّج الذين سبقونا من أعيان البلاد ومؤسسيها في جامعة والده المغفور له الشيخ راشد بن سعيد – طيّب الله ثراه – ولا أخفي عنكم سرّاً أيها الأعزاء: إنّ كلّ ما نتعلّمه من علومٍ نظرية، تحتاج إلى ممارستها وتطبيقها لنعلم صوابها من مُحالها، ولنستفيد منها، وفي مجلس قائدٍ فذٍّ مثل الشيخ محمد، تجدها واضحةً جليةً، فتظفر بالخبرة والحكمة والعلم من جامعته الفريدة، وإنّ العمل عنده لشرف عظيم، به نخدم بلادنا الحبيبة، ونزداد خبرة كبيرة وعلماً غزيراً، لا يمكن شراؤه بمال، وهو كما قلت فيه حفظه الله:
نحاولُ بالأشعارِ وصفَ (محمّدٍ)
وأنّى لنا من عزمهِ ما نحاولهْ
وقد تعبتْ أشعارنا ومقالنا
وما تعبتْ أمجادهُ وفعائلهْ
تغلغلَ في صدْري هواهُ موثِّقاً
مشاعرَ منْ لم يعرفِ الحقدَ داخلهْ
مشاعرَ إجلالٍ وحبٍّ وغبطةٍ
وفخرٍ به نسمو فمن ذا يطاولهْ
دارت النقاشات وسكت المجلس برهة، ثم تكلّم الشيخ محمد بن راشد عن أهميّة التفاؤل في حياة القائد وفي حياة النّاس، وقال: إنّ الليل والنهار والصيف والشتاء وحركات الكواكب وكل شيء يجري بقانون لا يتغير، فلماذا نتشاءم، ونظنُّ عند سقوط الأسواق العالمية مثلاً بأنّها نهاية الدنيا، وأنّها ستبقى هكذا، بل هذه هي سنّة الحياة، فهي ترتفع وتهبط وتربح وتخسر، ولكنّنا يجب أن نكون دائماً متفائلين، لأنّ الذي لا يتفاءل في نعمته ومحنته لن يخرج من أزمته أبداً، وهذا ما قلته في أول وقوع الأزمة الاقتصادية التي عمّت العالم.
غلاف كتاب «دع القلق وابدأ الحياة» لديل كارنيجي
وبعد الغداء، انصرف الحاضرون كلٌّ إلى جهته، وأنا مثلهم، ولكّني بقيت أفكّر في كلام سمّوه، فقد لامس قلبي الذي بدأ يفقد تفاؤله لأسباب كثيرة، فوجدت فيه بلسماً ودواءً لما أشعر به، وقد شعرت بالنشاط من جديد، وعاد لي تفاؤلي بالغد المشرق، وقلتُ: يا جمال، إنّ ما أهمّك اليوم سوف يفرّجه الله عنك غداً، وتذكّرت كلمةً للمؤلف الأميركي المشهور ديل كارنيجي (1955م) مؤسس معهد كارنيجي للعلاقات الإنسانية، ومؤلف كتاب «دع القلق وابدأ الحياة»، حيث قال: «تذكّر أنَّ اليوم هو الغد الذي كنتَ قلقاً عليه بالأمس»، فلماذا نتشاءم وننظر إلى الحياة بسلبيةٍ، وخاصة القادة الذين يحتاج لهم الناس، يجب عليهم أن يكونوا متفائلين في أقسى الظروف والأزمات، ليستقيم بهم معاش شعوبهم وتستقرّ بأوامرهم حياتهم.
جاء في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي» أي ما تظنه إيجاباً أو سلباً سيقع لك أيّها الإنسان، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن، وينهى عن الطيرة (التشاؤم، وهذا من هديه صلى الله عليه وسلم العظيم لمصلحة العباد، وليتوكّلوا على الله، أمّا حديث: «تفاءلوا بالخير تجدوه» فهو مقولة حديثة ليست من كلام رسول الله ولا صحابته، ولكنّ معناه صحيح، لما رُوي في الأحاديث الصحيحة السابقة، وقد بيّن ذلك العلماء، وأختم المقال ببيتٍ جميلٍ أحبُّ أن أتمثّل به، وأتمنى منكم أن تحفظوه، وقد روي البيت بأسانيد ضعيفة عن رسول الله بأنّه كان ينشده:
تفاءلْ بما تهوى يكنْ فلقلّما
يقالُ لشيءٍ كانَ إلا تحقّقا
نشر في البيان
بتاريخ: 07 فبراير 2013