1,032 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
سألت عدة مرات المتخصصين في علم الحمض النووي: هل يؤخذ بهذا العلم في الأنساب البعيدة؟ فاختلفت آراؤهم لكنهم يختمون كلامهم بأنَّ فيه نسبة من الصحة فأقول: ما دام الفحص يحتمل الصواب والخطأ فهذا عند أهل العلم من الظن ولا يغني الظن من الحق شيئاً، وهذا الذي دعاني إلى أن أتركه. وقد اجتهدت في جمع العينات من الإمارات والسعودية والبحرين والكويت منذ ۱۱ سنة، وقد درستها وحللتها ثمَّ قررت هجر فحص الحمض النووي لأسباب كثيرة سأذكر بعضها في هذه المقالة، وسأستشهد بما قاله العلماء ومقالاتي في هذا الموضوع؛ من أجل تبيين الحق وإيقاف الوهم الذي عمَّ المجتمعات الخليجية، وأدخل أبناء القبائل العريقة والأسر في حيص بيص من كثرة الأقوال والمتاهات التي دخلوا فيها بغير علم، حتى إنني وجدت أحدهم يهنئ الآخر إذا خرج حمضه النووي يشابه حمضاً معيناً يعدونه الحمض العربي! وهذا من الأعاجيب والمصائب العلمية التي ابتلي بها العامة في هذا الوقت، وليس هناك مستفيد غير شركات الفحص التي تفنَّنت في تزيين هذه الفحوصات النووية من أجل كسب المال وزيادة الأرباح والضحك على المهوسين بالأصول من العرب والعجم. ولهذا فسأجعل في مقالي وقفاتٍ لكي نثري العلم ونستفيد من الحوار.
الوقفة الأولى:
أيها القارئ الكريم لنعلم أنَّ الحمض النووي له استخدامات متعدِّدة؛ منه ما يفيد الأمن والقضايا والصحة وعلوم أخرى، وهناك ما أولع به الناس لمعرفة أصولهم البعيدة، وهذا فيه تفصيلٌ وسأشير فقط إلى الباحثين فيه من العرب.
عندما لم يجد الباحثون عن تاريخ الأنساب العربية أجوبة عن أسئلتهم؛ بسبب عدم وجود التدوين في علم الأنساب وانقطاعه منذ القرن الثامن تقريباً منذ الاحتلال التركي الذي أدخل العرب في ظلام الجهل، واختفاء أسماء القبائل القديمة مثل قبيلة عبس وتغلب وغيرهما لأسباب مجهولة، وتشكّل مسمّيات جديدة للقبائل العربية لم تكن معروفة في كتب الأنساب الأولى مثل سبيع وعتيبة ومطير، واختلاط الأسر والأفخاذ، والتغيُّر الجغرافي الكبير لها، ممّا يدخل أيَّ باحث في الأنساب في مرحلة الإحباط، وهذا الذي ذكره كثيرٌ من الباحثين ومنهم الشيخ حمد الجاسر، وكم نشر في مجلته من البحوث والردود عليها ورماه بعض الباحثين بأنَّ بضاعته في الأنساب مسجاة، والحقيقة أنَّ عدم وجود التدوين والدلالات القوية على الأنساب القديمة تجعل بضاعة جميع من دخل في هذا العلم الضعيف أصلاً بضاعة مسجاة.
ولهذا السبب وغيره وجد الباحثون في الأنساب في علم الحمض النووي (DNA) ضالتهم، وبدؤوا يفتون فيه ويؤصِّلون ويفرِّعون واختلفوا كثيراً واقترحوا عدة مرات نوع الحمض النووي العربي ثمَّ يعودون فيغيرونه، ثمَّ وصلوا إلى طرق مسدودة فغيَّروا وبدَّلوا خلال السنوات الماضية، فكلما خرج شيءٌ جديدٌ غيَّروا.. وهكذا وقد جمعت كثيراً من هذه الفتاوى الحمضية المتغيرة التي تضحكني كلما قرأت فيها كلامهم واستنباطهم بغير دليل وإنما هي خطرات وهواجس لا أول لها ولا آخر.
الوقفة الثانية:
إنْ سألت أحد هؤلاء الذين يخوضون في علم الحمض النووي وينافح عن دراساته فيه: هل درست الحمض النووي؟ أو هل لديك شهادة فيه؟ فسيقول لك غالباً: لا! فنقول: كيف لأناسٍ لا علمَ لهم ولا دراسَة في هذا المجال أن ينصِّبوا أنفسهم مراجع فيه، ويفتون في أنساب القبائل باليقين، ولا يغمض لهم جفنٌ من الثقة التي يعيشون فيها! والأغرب في هذا الموضوع عندما نسأل علماء الحمض النووي يقولون: إنَّ نسبة معرفة المجموعات العرقية الكبرى تصل إلى 80 و90%، وهنا نسبة الخطأ 10% وهذه النسبة كفيلة بأن نقول هذا الفحص لا يعتدُّ به، فكيف بالأصول والأنساب الأقرب التي نسبة الخطأ فيها مرتفعة جداً.
الوقفة الثالثة:
شركات الفحص لا تتفق على نتيجة واحدة، فعندما ترسل الفحص الواحد إلى هذه الشركات فستفاجأ بأن النتائج مختلفة؛ مما يسقط حجية هذه الفحوصات، وهذا برنامج «ستون دقيقة»
وهو برنامج أمريكي شهير قام بعمل تجارب في هذا الموضوع، وأرسل عينة لامرأة إلى ثلاث شركات تعمل في مجال الحمض النووي، وكانت النتيجة صدمة لهم، حيث كانت النتائج الثلاث مختلفة!
هذا وللمقال بقية غداً إن شاء الله