الحمض النووي.. بين الرفض والقبول في الأنساب (3)

يوميات

 1,395 عدد المشاهدات

الكاتب: جمال بن حويرب


الحديث حول الحمض النووي والأنساب وما جرى فيه من مساجلات وتناقضات ولا تزال، يحتاج إلى أبحاث طويلة، وأنا في مقالاتي هذه أحاول الوصول معكم إلى نتيجة مقنعة حول السلالات الوراثية من خلال الحمض النووي، وليس من خلال ما تعارف عليه الناس من أنسابهم وما ورثوه من مشجراتهم، إن كانت لديهم مشجرات، التي سادت لعشرات القرون حتى ابتدعت الشركاتُ فحصَ الأحماض النووية، وعاث فيها الهواة لعباً، وجنت الشركات منها أرباحاً كثيرة! وقد مضى الآن وقت طويل منذ خاض العرب هذا الوحل النووي لمعرفة أنسابهم وخرجوا بقناعات خاصة، وبها يهاجمون كلَّ من يخالفهم أو يأتي بنتائج غير نتائجهم، ومَن يُرِدْ أن يعرف هذه الحروب بين الباحثين الهواة غير المتخصِّصين في هذا العلم الحديث جداً والدقيق للغاية، فما عليه إلا أن يدخل محيط الإنترنت و(يقوقل) ما شاء أن (يقوقل) وسيجد العجائب خلال 14 سنة مضت، وكيف تغيَّرت أفكارهم ونتائجهم فهي مجموعة من ظنون لا تغني من الحقِّ شيئاً.. وقد دار حديث بيني وبين بعض الإخوة الباحثين حول الأنساب بالحمض النووي في مجلس أخي المؤرخ راشد بن عساكر في مكتبته العامرة في الرياض بمنطقة منفوحة التاريخية، فأخذنا في مسائلَ كثيرةٍ، وكان بينهم قاضٍ فاضلٌ يعمل في محاكم مكة، وسأختصر لكم ما جرى من نقاش ومنه أنني قلت لأحدهم: هل هذا الفحص النووي يقينيٌّ أم ظنيٌّ؟ فقال: ظنيٌّ لكنه يميل لليقين! فقلت له: إذا لم نفحص عينات ممثلة لقبيلة ما ونفحص الحمض النووي للجد الجامع، فإني أعده تخبطاً لأننا لا نملك عينة الجد الأول الجامع، ولم نفحص معظم القبيلة، والفحص كلُّه ظنيٌّ فهذا لا يقطع به، وإن جاريتك فسأقول: إنه يستأنس به ولكن لا ينفي ما توارثناه من مشجرات أو ما تعارفت عليه القبائل والأسر .. ثمَّ سألت القاضي الفاضل فقلت: هل يسقط الحمض النووي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الولد للفراش” أي ما وُلِدَ في فراش الزوجية من الأولاد يُنسَب إلى أبيه فقال القاضي: الحديث قاعدة شرعية وقانون نتحاكم إليه والشرع مقدَّم على مثل هذه الفحوصات إلا إذا حصل اللعان فهذا أمر آخر كما بيّن الشارع الحكيم. فقلت: إذا كان الحمض النووي لا يخرج الولد من فراش الزوجية فكيف نخرج أناساً وأسراً من قبيلتهم إذا خرجت نتيجة الفحص مخالفة لباقي أفراد القبيلة!
ثمَّ اتجهت بالسؤال لآخر من الحضور: فقلت لو دقَّ عليك شخص من عرق آخر أبيض أو أسود أو من الهند والصين أو من أي مكان في العالم من غير قبيلتك البدوية المعروفة بعراقتها بين العرب فقال: يا فلان أنا من أبناء عمومتك وقد تشابهت نتيجتي بنتيجتك، فهل ستقبل قوله وتجعله من أبناء العم؟

الحمض النووي وأنساب العرب

 فضحك وقال: لا، لن أفعل ومن يقبل هذا؟! فقلت: إذاً ما فائدة هذه الفحوصات التي تومن ببعضها وتكفر ببعض؟ ثمَّ قلت: أيها الإخوة إنَّ لنا أنساباً قريبة لا نصلها إلا بشقِّ الأنفس، فماذا سنفعل بنسب مشكوك فيه منذ قرون أو آلاف السنين، وماذا سنستفيد من كلِّ هذا ولن نجنيَ شيئاً إلا زيادة في الظَّنِّ كما قال الرازي:
نهاية إقدام العقول عقالُ
وغاية سعي العالمين ضلالُ
ولم نستفِدْ من بحثنا طول عمرنا
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا


هذا وللمقال بقية غداً إن شاء الله