1,154 عدد المشاهدات
مدارات ونقوش – دبي
أشاد المستشار والمؤرخ جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، بالعلاقات الأخوية المتجذِّرة بين دولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية، التي رسّخ أسسها المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسِّس الدولة، عطّر الله ثراه. في حين أكد سعادة محمد دراجي، القنصل العام الجزائري في دبي، أنَّ العلاقات بين البلدين الشقيقين ضاربة في عمق التاريخ، وأنَّ هناك كثيراً من العوامل التراثية والثقافية المشتركة بينهما.
جاء ذلك خلال أمسية نظَّمها مركز جمال بن حويرب للدراسات، تحدَّث فيها دراجي عن «الحياة الثقافية في الجزائر»، وحضرها جمع من المثقفين والمهتمين والإعلاميين، يتقدَّمهم خالد فالح العازمي، نائب القنصل العام الكويتي في دبي، والمستشار التراثي عبدالله بن جاسم المطيري، والأديب والكاتب د. شهاب غانم، والمهندس رشاد بوخش رئيس جمعية التراث العمراني في الدولة، والشاعر السعودي سعيد القحطاني، والكاتبان عادل المدفع ومحمد صالح بداه، وآخرون.
استعرض المحاضر في بداية محاضرته مصادر الثقافة الجزائرية عبر التاريخ، قبل الميلاد وبعده، منذ العصر الفينيقي، مروراً بالروماني والأمازيغي والبيزنطي، ثمَّ دخول الإسلام إلى تلك البلاد، وما تركه من آثار لا تزال شاهدة على عظمة هذا الدين، ثمَّ الفترة العثمانية، وما يليها من عصر الاستعمار الفرنسي، فعهد الدولة الوطنية التي أعقبت استقلال الجزائر بعد نحو 130 عاماً من الاستعمار.
وقال محمد دراجي: الثقافة نموٌّ معرفيٌّ تراكميٌّ على المدى الطّويل؛ هي المعارف والمعاني التي تفهمها جماعةٌ من النّاس، وتربطُ بينهم من خلال وجود نُظُمٍ مشتركة.
هي وسيلةٌ تعملُ على الجمعِ بين الأفراد عن طريق مجموعةٍ من العوامل السياسيّة، والاجتماعيّة، والفكريّة، والمعرفيّة، وغيرها من العوامل الأخرى.
وآخر الاكتشافات الحفرية في سنة 2018 في منطقة عين الحنش بولاية سطيف، كشفت عن آثار لوجود الإنسان، ترجع إلى 2.4 مليون سنة، بعد موقع غونا بشرق إفريقيا بأثيوبيا بــ 2.6 مليون سنة.
ويوجد في الجزائر سبعة مواقع أثرية عالمية مصنفة من طرف المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة/ يونسكو.
أسس الثقافة الجزائرية
وقال المحاضر: إنَّ معالم الثقافة الجزائرية بعد الاستقلال تشكَّلت نتيجة لاحتكاك الثقافة والحضارة الجزائريّة بالحضارات الحديثة الأخرى، وتحديداً الحضارات الغربيّة. كما نبه إلى أنَّ الثقافة الجزائريّة الحديثة خليط وتركيب من ثقافةٍ وموروثٍ قديمٍ وحداثة الحضارات المعاصرة، وأنَّ الكثير من التحديثات أدّت إلى إلغاء بعض المكوّنات والعادات التراثية القديمة. فالحداثة لها أثر في الطابع الإسلامي في العمران الجزائري، وقد بدأت الرقصات التراثية الفولكلورية بالاندثار.
روافد الثقافة الحديثة
وفي مجال المسرح والسينما، أشار سعادة محمد دراجي، القنصل العام الجزائري في دبي، إلى أهمية طرح تخصُّصات السينما في المعهد الوطني للفنون الدراميّة، وتطوير الإنتاج السينماتوغرافي. وفي مجال الموسيقى، أكَّد ضرورة طرح تعليم الموسيقى في المدارس، وإنشاء العديد من المعاهد الموسيقيّة في مختلف أنحاء الجزائر. ونوه بأنَّ الجزائر تحتضن مراكز عدة تعنى بموضوع التراث، منها ديوان تسيير الممتلكات الثقافيّة، والمركز الوطنيّ للمخطوطات، والمركز الوطنيّ لحفظ الممتلكات، والمركز الوطنيّ لأبحاث الآثار الثقافية.
الكتابة والتأليف
وتحدَّث المحاضر عن أول رواية في تاريخ الإنسانية حسبما جاء في الأدبيات الجزائرية فقال: هي لأبوليوس المداوروشي بعنوان «تحولات أو الحمار الذهبي». ومن الكتّاب ذكر القديس أوغستين المجدد في المسيحية، والأب دونا الموحد وقائد الثورة على الرومان.
أمّا فحول الشعراء فمنهم مصطفى بن براهم، ومحمد بلخير، ومحمد بن قيطون، وأحمد بن كريو، وسي محند أومحند، والأمير عبد القادر الفارس الشاعر والرجل الصوفي. وأول شهادة دكتوراه في الأدب كانت لمحمد بن أبي شنب.
وأضاف القنصل الجزائري: كانت الثورة الجزائرية من أهمّ الأسباب التي أدت إلى بروز العديد من الأدباء والشعراء، منهم: مفدي زكريا شاعر الثورة وكاتب النشيد الوطني.
أعلام الشعر الشعبي
أكَّد محمد دراجي أنَّ الجزائر تمتلك تراثاً غنياً ومتنوعاً من الشعر الشعبي، سواء بالأمازيغية أو باللهجة العربية المحلية.
ومن بين أهم الشعراء ذكر: سيدي لخضر بن خلوف (القرن 16)، محمد بن مسايب (القرن 18)، سي محند أومحند (القرن 19)، وعيسى الجرموني (القرن 20).
صناعة الأفلام والموسيقى
ذكر المحاضر أنَّ من أهم الأفلام الجزائرية فيلم «معركة الجزائر»، إضافة إلى «وقائع سنين الجمر»، الذي أنتج في العام 1975م، أمّا في مجال الموسيقى والغناء، فلعلَّ من أكثر الأنواع الغنائية شهرة ليس في الجزائر فحسب، بل في العالم أجمع هو الراي.
وهناك العديد من الألوان الغنائية كالشعبي، والصوفي الديني، والحوزي الذي غالباً ما يتم استخدامه في الأعراس والمناسبات، والأغاني الوطنية الثورية.
المراكز الثقافية والأوبرا والمتاحف
أكَّد دراجي أنَّ كل مدينة كبيرة في الجزائر، تجد فيها العديد من المكتبات والمتاحف والمسارح، والتي من أشهرها متحف باردو، ومتحف الفنون الجميلة، والتي لا تقتصر فقط على عرض الموروث الثقافي، بل تشمل أيضاً عقد دورات وندوات تعليمية وثقافية.
تاريخ الجزائر الثقافي
وتحدَّث القنصل الجزائري عن «موسوعة تاريخ الجزائر الثقافي» فقال: هي موسوعة مقسمة إلى تسعة مجلدات لمؤلفها شيخ المؤلفين الجزائريين، أبو القاسم سعد الله، طبعت في دار الغرب الإسلامي اللبنانية، وتعدُّ هذه الموسوعة الأكثر رزانة والأضخم بين الكتب التي تطرَّقت إلى التاريخ الجزائري.
يتحدث الفصل الأول في هذه الموسوعة عن تراث القرن التاسع، وكلِّ ما دار به من مؤثرات في الحياة الثقافية، كما تطرَّق الكاتب إلى العلماء والأمراء والأدب واللغة والتصوُّف وعلم الكلام.
أما في الفصل الثاني، فيتحدث عن التيارات والمؤثرات في العلاقات بين الجزائريين والعثمانيين، وكلّ ما يتعلق بالمجتمع الجزائري من دور المدن والحياة الدينية والأدبية والفنية.
وفيما يتعلق بباقي الفصول فتتراوح بين التعليم ورجاله وكلّ ما يتعلق به، والمؤسسات الثقافية والمدارس والمعاهد العليا، إضافة إلى فئة العلماء ومكانتهم وكلّ ما يمت لهم بصلة من تنافس بينهم ومكانة علمية ووظائفهم، كما قدم شرحاً وافياً عن حركة التصوف عشية العهد العثماني ومواقفهم من رجال التصوُّف، وغيرها الكثير من الأمور ذات العلاقة.
أبو القاسم سعد الله
أبو القاسم سعد الله مؤلف تاريخ الجزائر الثقافي، وهو من أكبر رجال الجزائر، من المؤرخين ورجالات الفكر وأعلام الإصلاح الاجتماعي والديني، وُلِدَ في الأول من شهر يوليو، تموز عام 1930م في ولاية وادي سوف في جنوب شرق الجزائر.
نشأ وترعرع في مسقط رأسه مدينة قمار، وتلقى علومه الابتدائية هناك؛ حيث حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب منذ نعومة أظفاره، ودرس مبادئ العلوم واللغة وفقه الدين، وقدَّم سجلاً علمياً زاخراً بالإنجازات العظيمة، سواء كان ذلك من حيث المناصب التي تقلدها، أو المؤلفات التي قدمها.
في العام 1956م حصل شيخ المؤلفين على شهادة البكالوريوس من كلية دار العلوم في جامعة القاهرة، وبعد مُضِيّ أربعة أعوام 1962م حصل على شهادة الماجستير، وفي عام 1965م تخرَّج في جامعة مينيسوتا في الولايات المتحدة الأمريكية حاصلاً على شهادة الدكتوراه من قسم التاريخ. وتشير السير إلى أنّ أبا القاسم كان متخصصاً في تاريخ الجزائر الحديث، وتاريخ أوروبا الحديث والمعاصر، إضافة إلى تاريخ كل من المغرب العربي والنهضة الإسلامية والدولة العثمانية.
امتهن الدكتور أبو القاسم عدداً من الوظائف من بينها التدريس في جامعات جزائرية عدة، منها كلية الآداب في جامعة الجزائر، كما تولى منصب رئيس قسم التاريخ في كلية الآداب في الجامعة ذاتها، وعمل مدرساً في جامعة آل البيت الأردنية.
وانتقل يوم الرابع عشر من ديسمبر عام 2013م إلى ربه، بعد صراع طويل مع مرض عضال في المستشفى العسكري في الجزائر، ووارى جثمانه ثرى منطقة قمار في الصحراء.
محمد دراجي في سطور
محمد دراجي، دبلوماسي جزائري مهتم بالشأن الثقافي، وخاصة في الوطن العربي. اشتغل في إطار أداء مهامه الدبلوماسية، في إيطاليا، وإيران، وموريتانيا، وهو الآن في دولة الإمارات العربية المتحدة قنصلاً عاماً لبلاده الجزائر منذ شهر أكتوبر 2016.
باشر مشواره التعليمي ابتداءً بحفظ القرآن قبل الالتحاق بمدارس التعليم الأساسي. وتخرَّج في جامعات الجزائر العاصمة، وجامعة عنابة بالشرق الجزائري، في ثلاثة تخصُّصات مختلفة: العلوم القانونية والقضائية (علم الإجرام)، الأدب واللغة العربية، (فقه اللغة)، علوم الاتصال والتواصل (العلاقات في أوساط العمل).
تخصَّص أكثر في ميدان علم اللغة، حيث كانت دراساته وبحوثه حول الصوتيات وعلم الأصوات وفقه اللغة المقارن، لما وجد فيه من حلاوة في تلاقي اللغات وتفاعلها، وما تنقله من انعكاسات لثقافة كل لغة، فكان من بين ما فتن به من علماء اللغة ابن جني، ومن هنا انصبَّ على البحث الصوتي عند ابن جني. وفي فقه اللغة المقارن انصبَّ اهتمامه أكثر على البحث في المتشابهات بين اللغة العربية والفارسية.