الخطوط العربية المندثرة تراث ثقافي في الإبداع و الريادة

Business مجلة مدارات ونقوش – العدد 5

 4,577 عدد المشاهدات

الكاتب: زيد العبيدي

يعدُّ الخط العربي فنّاً رائداً أصيلاً تميزت به أمة العرب، وهو من أهم خصائصها، مع ما تميزت به من علوم وفنون ومعارف أخرى، ويعدُّ تفردها بفن الخط العربي من حيث إنتاجها له أصالة، من أغرب ما يرد في تطوُّر الفنون على مستوى الأمم والحضارات، خصوصاً أنه لم يتأثر بأي بفن من الفنون الأخرى التي اطلع عليها العرب.

يقول كوستاف لوبون الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي: الفنون كلها في نشأتها قد تأثرت بفنون الأمم الأخرى (1)

لكن ما نجده في الخط العربي وأساليبه وأشكال ونسبه الذهبية، من المعلوم أنه لم يكن قد تأثر بأي فن من الفنون، بل هو الذي أثَّر في تحولات الفن في أوروبا كما صرح بذلك كثير من فناني الغرب

لم يكتفِ الفنان العربي آنذاك أن يجعل للكتابة بعدها الوظائفي فقط، بل صار عنده فنّاً له بعده الجمالي الساحر، وكل ذلك كان بفضل الاعتناء بكتابة القرآن الكريم، فكما اعتنوا به تلاوةً وصوتاً، اعتنوا به خطّاً وكتابةً. ومن هنا بدأت رحلة تطوُّر الخط العربي.

لقد كانت الفرادة والإبداع في مضمون وشكل الحرف العربي وتوليده لخطوط عدَّة؛ لأنَّ الفنان العربي آنذاك كان قد أبدع فنَّه من خلال اسقراء واقعه بتعبيرية فيها تجريد، كان في غاية الدقة والنضوج، من خلال المحاكات، والانتماء، والرسوخ في الوعي الحضاري

فكان الفنان يرى في الخط العربي مشروع هذه الأمة، وهي تشق طريقها نحو التفوق والريادة والأصالة

لذلك فهو ثورة في الفنون على الصعيد العالمي، وقد سبق ثورة الفن الحديث بثمانية قرون

لم يكتفِ الفنان العربي أن يبتكرَ خطّاً واحداً فقط، أو القليل من الخطوط، بل سنجد أنَّ الأقلام تعددت، وأنواع الخطوط قد تنوَّعت بشكل كبير ملفت للانتباه، حتى وصل عدد الخطوط في العصر العباسي إلى أكثر من ثمانين نوعاً

ولا تزال رحلة الخط العربي في نمو واتساع حينما ظل يتعدد ويتنوع، وهذا بطبيعة الحال ترف فني لم تبلغه أيُّ أمة من الأمم (2)

البعد التاريخي للخط وتطوره وتعدد أنواعه: 

هنالك نظريات عدَّة تتحدَّث عن أصل الكتابة وتطوُّرها؛ إذ يرى المستشرقون أنَّ الخط العربي هو ذو أصول سريانية عن أصول أرامية حتى وصوله إلى الأنباط، وذلك مما ترجح على ضوء النقوش التي تمَّ اكتشافها في (مدائن صالح وحران وأم جمال) (3)

لذلك قالوا إنَّ الكتابة العربية هي ما تطورت عنها الكتابة النبطية، وإنها تحمل كثيراً من مقوماتها وخصائصها في الأصوات والقواعد والمفردات (ومؤدى هذا كله أنَّ الخط العربي نشأ ونبت في شمال الجزيرة العربية، ومن المرجَّح أن تكون الكتابة النبطية، قد انتقلت إلى الكتابة العربية في القرن الخامس الميلادي) (4).

النظرية العربية:

وهي ما ذهب إليه ابن خلدون أنَّ الخط العربي نشأ في اليمن، ثم انتقل إلى الحيرة في العراق ومنها إلى قريش؛ أي إنه يعود إلى الخط الحميري وهو ما أطلق عليه خط الجزم (5)

ولمَّا كان هذا الخطُّ أكثرَ صلابةً وقساوةً من الخط النبطي، فقد تراجعت الكتابة به وخاصة أنَّ هذا الآخر كان أكثر ليونة، والأكثر استخداماً، ومنه استفاد عرب شبه الجزيرة قبل الإسلام وبعده في تطوير كتاباتهم، ومن القساوة إلى اللين تطوَّر الخط العربي، فقد ظهر الخط الكوفي المشوب بلمسات من زوايا الجزم، مع تطوُّر كبير في رسم الحروف، مقتربين بشكل واضح من الكتابة النبطية، حيث بدأت الحروف تلين منذ صدر الإسلام، حيث كان يكتب الوحي وكذلك الرسائل بخط يميل إلى الصلابة مع شيء من اللين في بعض حروفه، وهو شبيه بالكوفي. ويمكن أن نقول: إنَّ الخط الكوفي المعروف قد تطوَّر من هذا الخط، لأنَّ معظم الحروف التي كتبت بها رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء في صدر الإسلام كانت في هذا الخط (6)

بدايات الخطوط وتعدُّدها في صدر الإسلام 

في زمن الخليفه عثمان بن عفان، رضي الله عنه، حينما قام بجمع القرآن الكريم خوفاً عليه من الضياع أو التحريف بالزيادة أو النقصان، حيث كتب به نسخاً عدة من القرآن الكريم تسمَّى مصاحف الإمام أرسلها الى مناطق بعيدة فتلقفها النساخ وأجادوا نقلها وتنافسوا في كتابتها وتفننوا في خطها (7)

واتخذ نسَّاخُ كلِّ بلد طريقةً لهم في الكتابة تميَّزت باسم خاص فمن ذلك: الخط المدني والمكي والبصري والأصفهاني والعراقي والتجاويد والمصنوع والمائل والراصف والسلواطي والسحلي والقيراموز.

فالخطُّ المدني مثلاً منسوب إلى المدينة المنورة، ويسمَّى الخط المحقق أو الوراقي. وسمي بالمحقق؛ لأنَّ التسمية ترجع إلى تحقيق أجزاء حروفه، وإعطاء كلِّ حرف ما له، ولا يوجد في المحقق طمساً لعيونه، أمَّا حركاته فتُكْتَبُ بنفس القلم التي تُكْتَبُ به حروفه

وأمَّا عراقاته فهي أقلُّ عمقاً وتقويساً من عراقات خط الثلث (والعراقات هي بطون الجيمات والصادات)، أمَّا عيون الفاء والقاف فهي مفتوحة

أمَّا سبب تسميته بالوراقي فهي نسبة إلى الوراقين الذين كانوا يكتبون المصاحف به.

وقد ظهر لهذا الخط أنواع هي: (المدور والمثلث والتئم).

الخط في العصر الأموي وتعدد أنواعه: 

أخذ الخط في العصر الأموي ينضج ويرتقي، ويتخلى عن كثير من أنماطه وأشكاله، وقد تميَّز هذا العصر بأمور أربعة

1ـ الشكل:

كان الخط العربي في العصر الراشدي خالياً من الشكل، لعدم حاجة العربي إلى الظوابط الشكلية، نظراً لتمكنهم من لغتهم العربية

لكنهم عندما اختلطوا بالأعاجم، وانتشر اللحن في ألسنتهم، قام أبو الأسود الدؤلي بوضع القواعد الأساسة للنحو العربي بتكليف من علي بن أبي طالب- رضي الله عنه.

ثمَّ طلب والي البصرة من أبي الأسود وضع الحركات الإعرابية؛ فوضعها سنة 45هـ، واستكملت أشكالها الحالية على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي

2- الإعجام:

كانت الحروف خالية من التنقيط، ممَّا كان يؤدي إلى اختلاف القراءات أحياناً، وللتصحيف أحياناً أخرى.

وفي خلافة عبد الملك بن مروان قام “يحيى بن يعمر” و”نصر بن عاصم” بوضع نقط لبعض الحروف العربية، بحيث أصبحت النقطة جزءاً من الحرف، وتوضيحاً له عن أمثاله.

وقد حدث الإعجام عام 80هـ – 702م (8) .

3- موقف الخلفاء الأمويين:

عمل الخلفاء الأمويون على تقريب الخطاطين وتفضيلهم على غيرهم، فكان لكلِّ خليفة كُتَّابه الذين يثق بهم، فيضعهم على رأس الدواوين.

إنَّ الأمويين قد أولوا الكتابة عناية فائقة، وشجَّعوا على اختراع نوع من الورق عرف بالقرطاس الشامي، فكان ذلك إحدى الإيجابيات في ارتقاء فن الكتابة.

لقد تعهَّد الأمويون تنشيط الخط منذ البدء بالحفر على المرمر والفسيفساء في زخرفة المساجد، ومنها قبة الصخرة في القدس، والجامع الأموي في دمشق، وقصر الحير وقصر الجوسق وغيرها، كما قام أغنياء الناس بتزويق المصاحف وتجليدها وتزيين جدران القصور (9).

ظهور خطاطين كبار: 

ظهر في هذه الفترة الخطاط قطبة المحرر الذي استنبط من الخطَّين الحجازي والكوفي نوعاً جديداً هو الخط الجليل، ويعتقد أنَّ قطبة المحرر هو أول من أبدع في تطوير الخطوط (10)، وهو خط ضخم المعالم كان يستعمل في الكتابة على المباني. ثمَّ اخترع خط الطومار وهو أصغر من الخط الجليل، كان خط الطومار يتراوح من 10 إلى 25 سم، ومن خط الطومار نشأ مختصر الطومار وقد أدى ذلك إلى الخط المحقق وسمي بجلي الثلث عند العثمانيين، وقد أدَّى المحقق إلى خط الأشعار، وخط الأشربة وخط السميعي، الذي أدَّى إلى الخط المدور والخط النرجسي.

واخترع قطبة أيضاً خط الثلث وخط الثلثين سنة 136 هـ.

وقد أدَّى خط الثلث إلى نشأة خط خفيف الثلث، وهو خط الرقاع أو خط التوقيع، وثقيل الثلث الذي أدَّى إلى خط المفتح وخط الزنبوري وخط الحرم ومن خط الحرم نشأ خط العهود.

وأمَّا خط الثلثين فقد كانوا يكتبون به السجلات فيما يقطعه الأئمة، وقد كان يسمَّى خط السجلات، وقد أدَّى خط الثلثين إلى خط المؤامرات، وهذا أدَّى إلى الخط المنثور، والمنثور أدَّى إلى خط الديباج، والديباج بدوره أدَّى إلى خط الخرفاج (11).

وفي عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك، كان خالد بن أبي الهياج هو الخطَّاط الذي يكتب المصاحف، واشتهر بعده مالك بن دينار (توفي سنة 131 هـ ـ 753 م)، ثمَّ جاء بعده الرشيد البصري ومهدي الكوفي.

واشتهر في عصر ابن النديم الخطاطون شراشير المصري، وأبو محمد الأصفهاني وأبو الفرج، وابن أبي فاطمة، وابن الحضرمي، وابن حسن المليح.

الخط في العصر العباسي وثراء الأنواع:

اشتهر في أوائل العصر العباسي في العراق رجلان انتهت إليهما الرئاسة في جودة الخط وهما: الضحاك بن عجلان (وكان في خلافة أبي العباس السفاح)، وإسحاق بن حماد (وكان في خلافة المنصور والمهدي) وفي عهدهما بلغت الخطوط العربية أحد عشر نوعاً هي:

خط السجلات والجليل والديباج (نشأ من خط المنثور) واسطومار والثلاثين والزنبور (نشأ من ثقيل الثلث) والمفتح والمدمرات والعهود (نشأ من خط الحرم) والقصص والخرفاج (نشأ من خط الديباج)، وكان لكل من هذه الخطوط عمل خاص. وعن إسحاق بن حماد تعلّم الخط لقوة الشاعر وأحمد الكلبي وهو كاتب مأمون، وعبد الله بن شداد، وصالح بن عبد الملك التميمي الخرساني، وسليم خادم جعفر بن يحيى، وثناء جارية ابن فيوما.

وفي عهد المأمون تنافس الكتَّاب كثيراً في تجويد الخط ونشأ من أنواع الخط:

الخط المرصع (نشأ من الخط الرياسي)، وخط النساخ (نشأ عنه خفيف النسخ، وهو خط الغبار). والخط الرياسي (نشأ من خط النصف)، وخط الرقاع (لكتابة المكاتبات اللطيفة والقصص)، وخط الحلية.. وكانت هذه الخطوط أكثر من عشرين نوعاً.

وقبل أن ينقضي القرن الثالث الهجري، اخترع إبراهيم الشجري من الخط الجليل (خط الثلث وخط الثلثين) وجاء هذان الخطان بشكل أفضل من الذي اخترعه قطبة المحرر، والخط الثاني أعرض من الخط الأول.

وفي نهاية القرن الثالث الهجري اخترع يوسف الشجري، وهو أخو إبراهيم الشجري، خطاً جديداً سمَّاه (الخط المدور الكبير)، وقد أخذه من خفيف خط النصف، وقد أعجب بهذا الخط (الفضل بن سهيل) وزير المأمون، وأمر ألا تُحَرَّر الكتب السلطانية في كتابه إلا به، وسمَّاه (الخط الرياسي)، ثمَّ سمَّاه الناس بعد ذلك (خط التوقيع).

وخط التوقيع كانت تُكْتَبُ به الحجج (السندات والصكوك)، وكان الوزراء يكتبون به القصص والأخبار، ثمَّ نشأ من خط التوقيع خط مسلسل التوقيع.

وعن إبراهيم الشجري تعلَّم الخطَّ (الأحول المحرر) وهو من البرامكة، وقد اخترع خط النصف، وقد نشأ عن خط النصف (الخط المدور الكبير والخط المدور والخط الرياسي).

كما اخترع الأحول المحرر (خط خفيف الثلث) وهو قلم التوقيع الذي أدَّى إلى (خط الرقاع)، كما اخترع خطًّا تتصل به الحروف ببعضها وسمَّاه (الخط المسلسل)، وقد أخذه من (الخط المدمج)، واخترع خطًّا مقطوعاً سمَّاه (الخط الحوائجي) أخذه من (خط القصص)، واخترع خطًّا لكتابة الرسائل التي يحملها الحمام الزاجل وقد سمَّاه (خط غبار الحلبة أو خط الجناح) وقد أخذه من خط الثلثين، لكنه أكثر دقَّةً منه.. ثمَّ رتَّب الخطوط وجعل لها نظاماً، إلا أنَّ خطه مع رونقه وبهجته لم يكن مهندساً، ويقال إنه كان بارعاً في بري أقلام القصب.

وكان ينافسه في عصره محمد بن معدان، المعروف بأبي ذرجان، وأحمد بن محمد بن حفص، المعروف بزاقف.

كان أبوذرجان يفوق إبراهيم الشجري في خط الجليل وخط النصف، أما زاقف فكان بارعاً في كتابة خط الثلث.

وفي هذه الفترة كان الخطاط (وجه النعجة) مقدماً في الجليل.

وفي أيام ابن طولون وزير المعتصم، كان الخليفة يعجب بخط ابن الزيات، ولا يكتب بين يديه غيره.

أما جودة الخط فقد انتهت سنة (300هـ) إلى عميد الخط في الكتابات العربية، الوزير أبي علي محمد بن مقلة (272-328هـ 885-939م) الكاتب والأديب والخطاط والوزير في بغداد. أخذ الخط عن الأحول المحرر، وهو أول من قرَّر للخط معايير يضبط بها، فنسب جميع الحروف إلى الألف، التي اتخذها مقياساً أساسياً، وعنه انتشر الخط الرائع والجميل ذو القواعد الثابتة في مشارق الأرض ومغاربها.

ويقال إنه بلغ بالثلث وخفيفه درجة التفوق، وأحكم خط المحقق، وحرَّر خط الذهب وأتقنه، وأبدع في خط الرقاع وخط الريحان، وميَّز خط المتن، وأنشأ خط النسخ الحاضر وأدخله في دواوين الخلافة؛ فاستحسنه الناس لوضوحه وسهولة كتابته.

وقد ترك لنا ابن مقلة في الخط والقلم رسالته الهندسية، التي كانت فاتحة هندسة، وزن الحروف العربية بميزان رياضي.

تحدث عنه الزمخشري في كتابه أساس البلاغة فقال: في خطه حظٌّ لكل مقلة كأنه خط ابن مقلة.

وقال الثعالبي: خط ابن مقلة يضرب مثلاً في الحسن؛ لأنه أحسن خطوط الدنيا، وما رأى الراؤون، وما روى الراوون مثله في ارتفاعه عن الوصف، وجريه مجرى السحر.

وقال أبوحيان التوحيدي في رسالته (علم الكتابة)، ما رواه ابن الزنجي: أصلح الخطوط وأجمعها لأكثر الشروط، ما عليه أصحابنا في العراق، فقيل له: ما تقول في خط المقلة؟ قال: ذاك نبي أفرغ الخط في يده، كما أُوحِيَ إلى النحل في تسديس بيوته.

وفي القرن الخامس الهجري اشتهر في العراق رئيس الخطاطين علي بن هلال، المعروف بابن البواب والمتوفى سنة 413هـ.

وهو الذي أكمل قواعد الخط وهندسته، وهذَّب طريقة ابن مقلة، ونقَّحها وكساها طلاوة وبهجة، ثمَّ أنشأ مدرسة من الخط استمرت إلى عصر ياقوت المستعصمي، واخترع الخط المعروف بالريحاني، وقد قيل في سبب تسمية هذا الخط بالريحاني: إنها كانت بسبب تلاقي حروفه الصاعدة، ولا تُكْتَبُ حركاته بالقلم الذي كُتِبَت به حروفه، بل بقلم أرفع، وقد كُتِبَت به المصاحف قديماً واستمرَّ هذا الخط بعد المحقق زمناً طويلاً، ولكنه لم يستعمل في نطاق واسع كما استعمل الثلث، كانت تضاف ثلاث نقاط في أسفل السينات لمجرد الزخرفة، ويبدو الريحاني الدقيق للمتأمل، كالنصف الدقيق.

كما اخترع خط المحقق، واتقن من الخطوط: خط النرجس المأخوذ من الخط السميع، وأصله الطومار، وخط المنثور وهو فرع من الرقاع والنسخ، وخط المرصع، والخط اللؤلؤي الذي أدَّى إلى خط الأشعار وخط الوشي، وخط الحواشي (وهو نسخ متنوع)، وخط المقترن، وخط المدمج (الذي أدَّى إلى المسلسل)، وخط المعلق، وخط القصص (الذي أدَّى إلى خط الحوائج).

وأخيراً ترك لنا ابن البواب قصيدته الرائية في إجادة التحرير وحسن الخط.

ذكر ابن خلكان، من أهل القرن السابع للهجرة، أنه لا يوجد في المتقدمين ولا المتأخرين من كتب مثله ولا قاربه.

ثمَّ وصلت رئاسة الخط إلى محمد بن أسد، ومحمد السمسماني وهما من تلاميذ ابن مقلة ببغداد، وعن ابن البواب تعلَّم الخط (محمد بن عبد الملك)، و(زينب الملقبة بابنة الإبر) توفيت ببغداد عام 574هـ، و(الشيخ عماد الدين)، و(شمس الدين بن رقية)، و(شمس الدين الزفتاوي) الذي ألَّف مختصراً في خط الثلث، مع قواعد في صنعة الكتابة، وعنه أخذ أبو العباس القلقشندي، مؤلف كتاب صبح الأعشى، والشيخ زين العابدين شعبان بن محمد بن داوود الأثاري، محتسب مصر، وقد نظم في صنعة الخط ألفية أسماها (العناية الربانية في الطريقة الشعبانية).

ثمَّ جاء (ياقوت المستعصمي) الذي فاق الأولين، وكان ذلك في آخر عهد بني العباس، أمَّا الذين ترسموا طريقة ياقوت المستعصمي بعد خراب بغداد فهم ستة:

(عبد الله الصيرفي) الذي اشتهر بخط النسخ، و(عبد الله أرغون) 742هـ، اشتهر بخط المحقق، و(يحيى الصوفي) 739هـ، واشتهر بخط الثلث، و(مبارك شاه قطب) 710هـ، واشتهر بخط التواقيع، و(مبارك شاه السيوقي) 735هـ، واشتهر بالخط الريحاني، و(الشيخ أحمد السهروردي طيب شاه) 720هـ، واشتهر بخط الرقاع.

وهكذا بلغت أنواع الخط في العصر العباسي نحو 80 نوعاً أو تزيد، وهذا ترف فني لم تبلغه أي أمة من الأمم.

ثمَّ تلاشت تلك الخطوط الثمانون، ولم يبقَ منها سوى الأنواع التي وصلت إلينا مما خلفه مهرة الكتاب، حيث احتفظت به المتاحف (12).

هكذا كانت الخطوط بهذا الثراء وهذا التنوع، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على أنَّ هذه الأمة كانت أمة ولادة للعلوم والمعارف، خلاقة للفنون، مبتكرة ومبدعة على مستوى ونسق لم تعهده الأمم من قبل، وهذا يدعونا إلى أن نكون كما كان رجالات هذه الأمة من قبل، كانوا سباقين في صناعة أرقى ما ترقى به الأمم والأوطان، وأجلى ما تنفذ فيه نحو الريادة في شتى المجالات، ومنها ذلك الفن الأصيل.. فن الخط العربي، إذاً لا بدَّ من التجديد والابتكار والإبداع فيه، لنكمل رحلة الخط العربي نحو الكمال والجمال الذي ندهش فيه الأمم ونمتعها؛ فيكرم الإنسان ويزداد ذوقاً ووعياً نحو التقدير والفهم والفاعلية الحضارية التي دأبوا عليها من قبل.

صور لبعض الخطوط المندثرة

بعض أشكال الخطوط القديمة

الخط الجزم (قيل منسوب لمصحف الإمام)

خط الكوفي القديم في جملة خطوط المصاحف الأولى

الخط الريحاني

بعض المخطوطات المنسوبة إلى ابن مقلة

المصادر

1- سر تطور الأمم كوستاف لوبون.

2- ناجي زين الدين – بدائع الخط العربي – ص 457.

3- معروف زريق، كيف نعلم الخط العربي، الطبعة الأولى دار الفكر.

4- سيد فرج راشد، الكتابات القديمة، مجلة عالم الفكر، العدد 4 الكويت 1985م.

5- ابن خلدون المقدمة ص 418 المكتبة التجارية بمصر.

6- محمد علي أمين، عبقرية الخط العربي، مجلة الوحدة العدد 90 بيروت 1992.

7- معروف زريق، كيف نعلم الخط العربي، الطبعة الأولى دار الفكر.

8- عفيف بهنسي، الخطوط العربية، مجلة الثقافة العربية، العدد 11 ليبيا 1975.

9- معروف زريق، كيف نعلم الخط العربي، الطبعة الأولى دار الفكر.

10- عفيف بهنسي، الخطوط العربية، مجلة الثقافة العربية، العدد 11 ليبيا 1975.

11- معروف زريق، كيف نعلم الخط العربي، الطبعة الأولى دار الفكر.

12 – نفس المصدر.