الدواء ليس عدوّاً

block-3-1 مقالات متنوعة

 913 عدد المشاهدات

الكاتب: جمال بن حويرب

ينظر كثير من الناس إلى الدواء بأنه مصدر شؤم عليهم وعلى حياتهم وعلى مستقبلهم العملي والمالي والأسري، بل الجنسي أيضاً، وكأنّ الحياة سوف تتوقف إذا بدأ في تناول هذه الحبوب، وتراه يلجأ إلى شتى أنواع الطرق لعدم تناولها، وتجنب نصائح الأطباء وإذا أقنع نفسه وبدأ في أخذها مرة أو قل مراتٍ، فإنه سرعان ما يتركها أو يتغافل عنها حتى يقع الأمر المتوقع الحدوث، وقد أُنذر من قبل، ولكنه لا يسمعه وهذا ما أستطيع أن أطلق عليه العناد القاتل الذي سبب كثيراً من الآلام والأمراض الخطيرة التي كان يمكن تجنبها وهي في مراحلها الأولى، وكما قال الشاعر الصوفي البوصيري في بردته العصماء:

 
محضتني النصحَ لكنْ لستُ أسمعهُ
إنّ المحبّ عنِ العـــذالِ في صـــــــممِ

ولو سمح لي البوصيري لغيرت هذا البيت وقلت: إن العنيد عن العذال في صمم، والمعاند لا يهلك نفسه، بل قد يفسد على أهله وأصحابه حياتهم، فهو لا ينصحهم بأخذ الحيطة والحرص على تناول الدواء الموصوف لهم من خيرة الأطباء، بل قد يثبطهم عن تناوله ولا يشجعهم عليه، كما رأيته وسمعته بنفسي.

ثقافة تناول الدواء:

إذا كان عند بعض الناس خوف شديد من الأدوية، فإنّ هناك من يتساهل في أخذها، بل يفرط في تناولها بكميات غريبة، وبعضهم لا يبالي بقراءة ورقة الإرشادات الموجودة في العلبة، بل يلقيها وراء ظهره كأنها لم توضع لمصلحته وفائدته، وكأنه من كبار الأطباء فهو في غنى عنها، وهو لا يعلم أن الأطباء لا يستغنون عن هذه الإرشادات.
كنت في زيارة لأحد الأصدقاء الإنجليز في لندن، وقد أحضر ولده له دواءً للزكام وأظنه قد بلغ 10 سنوات، فقال لابنه: هل قرأت ورقة المعلومات عن الدواء؟ فقال: لا، فقال له مباشرة وبحدة معلّمٍ: لا تتناول أي دواء حتى تقرأ تاريخ صلاحيته وما مضاعفاته وأضراره الجانبية، فقلت متعجبا: ابنك صغير وما تنفعه القراءة ولو قرأ 100 مرة!! فقال:
هكذا علمني والدي وأنا أعلم ابني ما تعلمت ألستم مثلنا؟! فقلت له: كثير منا يلتهم الدواء بغير قراءة لها خاصة في مثل الأمراض الذي تعود عليها كالزكام والحمى، فقال: وماذا إذا كانت لديه حساسية من الدواء، أو أن هذا الدواء يسبب النعاس ويقود سيارته أو يتعارض مع دواء آخر أيقتل نفسه؟ قلت : نحتاج إلى وقت لنصل إلى مستواكم في الثقافة الصحية، ولكن الشباب يتعلمون بسرعة، ثم خرجت عنه وأنا أنشد البيت المشهور الذي لا أحفظ سواه في هذا المعنى:

وينشأُ ناشئُ الفتيــــــانِ مــــــــــنّا

     على مــــــــــا كــــان عــــوّدهُ أبـــوهُ

الدواء في مصلحتك:
الدكتور إبراهيم من أهم الأسماء الطبية في ألمانيا فقد قضى حياته في هذه المهنة قرابة خمسين عاماً منذ قدومه من القدس عام 1961، وبلغ حتى صار رئيساً لفريق طبي في أمراض القلب، وهو لا يزال يحفظ الشعر ويحب الأدب العربي، وإن كان ألمانيّ الطبع والتفكير ولكن الدماء العربية لا تزال تندفع فيه بقوة كما يقول، وقد قال لي ذات مرة: الدواء في مصلحتك وفائدتك فلا تتركه أبداً متى طلب منك تناوله، فكم رأيت من أناسٍ أهملوه فعادوا إلى عيادتي على كراسٍ متحركةٍ، فالدواء ليس عدواً، بل العدو الإهمال وترك المرض ينهش في الأعضاء.
متعنا الله وإياكم بالصحة والعافية آمين.

نشر في البيان بتاريخ 24 ديسمبر 2011