الرياضة قبل التعليم

مقالات متنوعة

 736 عدد المشاهدات

الكاتب: جمال بن حويرب

مازلت أذكر ذلك الوقت الجميل ونحن صغار لمّا ندخل المدرسة بعدُ في حيٍّ صغير تحيط به النخيل وتحلق فوقه الطيور البحرية التي تكثر في مواسمها المعلومة وتقلّ في أخرى، وصبية «الفريج» باختلاف أعمارهم الصغيرة يقطعون الأرض التي لا تتجاوز قرية جميرة مرحا وطمعا ولعبا فلا ترى فيهم بدينا ولا خاملا بل هم في البحر يسابقون الدلافين وفي البر يعدون كالذئاب صحة وعافية ورغبة في عمل شيء يسليهم ويلهيهم فلا يسلم منهم طير ولا سمك ولا ما يمشي على أربع وحقّ لهم ذلك فلا مراكز تجارية آنذاك ولا ملاهٍي منوعة ودور سينما منتشرة وأموالاً ٍمجموعة لا ممنوعة ولا مقطوعة وليست هناك شوارع مرصوفة ولا أبنية إلا ما ندر والأرض بكر خلاء تمشي من شمالها إلى جنوبها لا يوقفك شي والأمر أعجب مما تتصورون وما تشاهدون اليوم فأين ستأتيهم البدانة والأمراض والحالة كما تقرأون؟!

إذا تعمقت في الذاكرة وعرفت أيّ الأمور التي كان الأطفال آنذاك يتعلمونها ويحرصون عليها فستجدها كلها ألعابا للقوى إضافة للعب الكرة ومن أهمها السباحة في البحر ومساعدة آبائهم في صيد العومة (السردين)، والجري وألعاب أخرى كثيرة تجعل من الفتى منهم يشبُّ قويَّ البنية لا يحمل الشحم إلا نادراً وكيف يحمله وهو لا يلبث الطعام في معدته إلا سويعات حتى يكون في خبر كان!
أما الأجيال التي سبقتنا فقد نشأت نشأةً أفضل منّا بمراحل ولهذا صلُب عودهم واشتدّ لأنهم لم ينتظموا في سلك المدارس إلا قليلا بل اشتغلوا بأعمال نسميها اليوم أعمالا شاقة أورثتهم شدةً وقوةً وجَلَداً وقد فُرضت عليهم فنفعتهم ولم تضرّهم إلا لاحقا عندما انقضّت عليهم الحضارة من حيث لا يعلمون فانغمسوا في ملذات الخمول وتركوا الرياضة المفروضة عليهم ولم يستدركوا الأمر باختراع رياضةٍ اختيارية في حياتهم تقيهم الأمراض الخطيرة مثل داء السكري والضغط وزيادة الدهون الخبيثة في الجسم من أكل اللحوم.
لن أذكر لكم أنواع الرياضة ولا طرقها في هذه المقالة القصيرة ولن أسوق لكم ما قاله الأطباء المعاصرون في هذا الموضوع ولكني سأكتفي بقول طبيبنا العالمي ابن سينا إذ يقول في قانونه: معظم تدبير الصحة هو أن يرتاض ثم تدبير الغذاء ثم تدبير النوم.
قلت : وهل تدبير الصحة إلا ذلك؟ وهو ما كان الناس عليه قديما وفي بعض البلدان الفقيرة اليوم فالمشي محتمٌّ عليهم وقد يصل إلى 20 كلم في اليوم والأكل قليل وطازج وأما النوم فهم يصلّون العشاء ثم يسمرون قليلا ويخلدون للنوم حتى قبل أذان الفجر وهكذا، فأين نحن من ذلك الوقت؟ لقد ابتعد جدا وصار كالأحلام فمعظم الناس تركوا ما ينفعهم وأخلدوا -وأنا منهم- إلى الراحة الطويلة فمنْ بيتٍ واسعٍ إلى سيارةٍ فارهةٍ إلى مكتبٍ فخمٍ إلى مقهى راقٍ إلى مطعمٍ دسِم أكلهُ ثم إلى فحص طبي يجعل العيون تقفز من محاجرها والقلوب تضيق الأجسام من خفقها لهول ما علمت من النتائج التي أظهرتها الفحوص.

نشر في البيان

بتاريخ 15 نوفمبر 2011