2,407 عدد المشاهدات
مدارات ونقوش – خاص
كانت ولم تزل السياحة من أهم الموارد الاقتصادية للدول، والعنصر الرئيس من عناصر نهضتها، فالنجاح في استقطاب السياح إلى بلد ما من شأنه أن يزيد من الدخل القومي الذي يؤسِّس لبنية مالية تبني عليها الدولة ازدهارها ورفاه شعبها. ومن نافلة القول إنَّ بعض الدول تتمتَّع بطبيعة جاذبة للسياح بحد ذاتها، كالجبال والأنهار والوديان والثلوج والأفق الخضراء التي تخلب الأبصار وتلهم الشعراء والأدباء والمحبين. أما الطبيعة الصحراوية فإنها طبيعة قاحلة تحتاج إلى جهود جبارة ومضنية لتصبح وجهة الزائرين وقبلة السياح، فضلاً عن أن تكون حلماً يراود أهل الأرض ليسكنوها ويتخذوها مقراً لإقامتهم. وهذا ما حققته معجزة الصحراء، دولة الإمارات العربية المتحدة، ووضعت له خططها منذ تأسيسها.
فقد تأسَّست فيها منذ بدايات إنشائها وزارة الإعلام والسياحة، التي أصدرت الكتب السنوية لإنجازاتها وتطويرات البنية الأساسية للسياحة الإماراتية، تلك الكتب التي تعدُّ مخزوناً تاريخياً فريداً من نوعه، إذ يعطي القارئ والباحث نظرة تاريخية عن سنوات التطوير الأولى، بعد أن مرَّ عليه عقود، فيصبح ذا فائدة تاريخية بعد أن كان ذا مردود اقتصادي وإداري في وقت إعداده. ولعلَّ الكلمة المعبرة التي وردت في مقدمة الكتاب تعدُّ نبراساً على النهج الاقتصادي والنهضوي الرائد على مستوى العالم الذي تأسست عليه الدولة، فما أجملها من عبارة حيث تقول المقدمة: «إننا نعلم أنَّ المعلومات الواردة في هذا الكتاب ستصبح ناقصة خلال شهر واحد فقط، وذلك نتيجة لحتمية التطور الهائل الذي تشهده بلادنا كل يوم على يد قائد النهضة سمو الحاكم المفدى».
كتاب «السياحة في أبوظبي» كان على رأس التقارير السنوية التي أسست لهذا المعنى الرفيع، في وقت شغل فيه معالي الشيخ أحمد بن حامد منصب وزير الإعلام والسياحة، الذي أكَّد في مقدمته للكتاب أنَّ النهضة الحديثة والحضارة الفكرية والعمرانية التي تحياها أبوظبي في تلك الأيام، على يد قائد المسيرة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ليست وليدة المصادفة على الإطلاق، إذ إنَّ جذورها تمتد في أعماق التاريخ السحيق حين كانت فوق هذه الأرض حضارة زاهية عريقة.
في أعماق التاريخ
يعود تاريخ أبوظبي إلى آلاف السنين، فقد ثبت من خلال الحفريات والتنقيب عن الآثار التي اكتشفت في مناطق عديدة من البلاد أنَّ حضارة عريقة كانت مزدهرة في هذه البلاد، يعود تاريخها إلى نحو أربعة آلاف سنة قبل الميلاد. أما تاريخها الحديث فيعود إلى أكثر من مائتي عام، حين عثر أحد رجال بني ياس عام 1761 على الماء في جزيرة أبوظبي، وأقاموا حول الماء وشيدوا بيوتهم، وزاد البناء خلال عامين فأصبح أربعمائة بيت، ونجح الشيخ عيسى بن نهيان في جمع بني ياس تحت لوائه في أواخر القرن الثامن عشر، وهو يعدُّ أول حكام أبوظبي. ويعدُّ الشيخ شخبوط بن ذياب المؤسِّس الحقيقي للإمارة؛ فقد تقلد الحكم سنة 1793 بعد وفاة أبيه ذياب بن عيسى، وهو أول من جعل من جزيرة أبوظبي عاصمة له بعد أن كانت ليوا هي العاصمة. وأما العين فهي مصيف لقبائل بني ياس، حيث المناخ المعتدل والبساتين والأشجار المثمرة، وهي أيضاً الموطن الأصلي لقبيلة الظواهر.
ويوثق الكتاب المراحل التي مرت عليها الإمارة في عصرها الحديث، حيث بدأت الأولى، نتيجة ازدهار تجارة اللؤلؤ الطبيعي، حيث كان أسطولها المكون من 400 سفينة يبحر منذ شهر مارس حتى نهاية شهر أغسطس إلى عرض البحر بحثاً عن اللؤلؤ، وكان أهلها يعملون بالزراعة وصيد اللؤلؤ والأسماك، ثم جاءت الفترة الثانية، حيث الأزمة الاقتصادية التي أثرت في العالم، فانخفض الطلب على اللؤلؤ الطبيعي نتيجة اللؤلؤ الصناعي، ثم جاء عصر الازدهار بعد اكتشاف النفط عندما واكبت أبوظبي عصر الحضارة الحديثة.
جزر الإمارة
تضمُّ إمارة أبوظبي عدداً كبيراً من الجزر الكبيرة والصغيرة يصل إلى 200 جزيرة منها المأهولة بالسكان، ومن أهمها جزيرة أبوظبي وهي العاصمة، وجزيرة داس، وهي جزيرة تبعد مسافة 170 كيلومتراً عن أبوظبي وفيها ميناء لتصدير البترول. أما جزيرة صير بني ياس فتبعد عن مدينة أبوظبي 180 كيلومتراً ناحية الغرب، وهي جزيرة كبيرة ترتفع فيها الجبال العالية. وجزيرة دلما اشتهرت بقربها من مغاصات اللؤلؤ، حيث كان لها الدور الكبير أيام الغوص، وفيها المياه العذبة الصالحة للشرب. وجزيرة السعديات مركز أبحاث زراعية تقوم بها جامعة أريزونا الأمريكية.
وفيما يتعلق بمناخ إمارة أبوظبي، فيبين الكتاب أنه يختلف باختلاف المناطق الجغرافية، ويغلب عليه المناخ الصحراوي، ويبلغ عدد سكان إمارة أبوظبي بحسب الكتاب في ذلك الوقت نحو 120 ألف نسمة ينحدر معظمهم من القبائل العربية التي عمرت المنطقة منذ آلاف السنين.
وتعدُّ مدينة العين ثاني مدن الإمارة ويربطها بالإمارة طريق معبد يبلغ طوله 160 كيلومتراً ولها مكانة مهمة في هذا الوطن لأنها مدينة زراعية وفيها قلعة الجاهلي وغيرها من الآثار القديمة الموغلة في القدم كالهيلي وآثارها القديمة. ويؤرخ الكتاب السنوي للسياحة في أبوظبي الجهود الجبارة منذ تلك الفترة من مراحل التأسيس الأولى التي عكفت عليها وزارة السياحة من خلال التنقيب عن الآثار التي تعدُّ بنية أساسية من البنى التي تؤثر في نهضة سياحية أصبحت الآن محط أنظار العالم لزيارتها، والتي خدمت الدولة خدمة منقطعة النظير.
شبكة تواصل
في حديثه عن المواصلات في إمارة أبوظبي يبين لنا الكتاب القيمة الكبيرة للمواصلات البحرية وموانئ الإمارة التي ترسو فيها السفن لتفريغ حمولتها في قوارب صغيرة، والتي بدأت منذ عام 1969. أما المواصلات الجوية فقد تأسَّست بنيتها العملاقة منذ بناء مطار أبوظبي الدولي الذي انتهى العمل منه في عام 1970 ويبلغ طول مدرجه 10500 قدم. وقد شُيد هذا المطار على أحدث الأسس الهندسية والفنية، وبالترتيبات والتجهيزات التي تتوافق مع المواصفات العالمية للطيران المدني، وهو مبنى مكيف تكييفاً مركزياً منذ ذلك الحين.
الأزياء والعادات
يلخص الكتاب جملة الأزياء الشعبية التي تتشابه في جميع أنحاء الجزيرة العربية، حيث يلبس أهلها لباساً يكاد يكون موحداً بينها، وهذا مما يدل على الترابط والتآخي بين أبناء هذه الجزيرة العربية منذ القدم. كما أنَّ العادة في القبيلة أقوى من القانون ولها احترامها من قبل جميع الناس، ومن التقاليد التي يوثقها الكتاب تقاليد الأفراح وما يقام فيها من أعراف ورقصات شعبية. كما يظهر عادات الإماراتيين في إمارة أبوظبي والإمارات عموماً في السلام وطريقة التحية، وكذلك الأكلات الشعبية التي لها طابع خاص تتميز بها عن غيرها من البلدان.
أما الفنون الشعبية فهي تراث إماراتي شعبي له جذوره العميقة، وقد حافظ الأهالي عليها إلى يومنا هذا. ومن أهم هذه الفنون: الشعر والرقص والغناء الشعبي. كما مارس أبناء المنطقة هوايات ورياضات الصيد والقنص والسباق والفروسية التي توارثوها عن أجدادهم.
الأماكن السياحية
عملت إمارة أبوظبي على تمكين العنصر السياحي منذ البدايات، واعتنت بالأماكن السياحية لجذب الزائرين إلى الإمارة، ومن أهم المناطق التي يوثقها الكتاب: جزيرة القرم، وجزيرة بالغيلم، والنادي السياحي الذي أقيم على الشاطئ الجنوبي لمدينة أبوظبي، وعين الفايضة، النبع التي كانت تسمى عين السخنة، وهي قديمة جداً، ووسعت في أوائل مايو 1969.
وتكثر الأفلاج في مدينة العين، وهي عبارة عن آبار اعتيادية تمَّ حفرها بالطرق اليدوية، يبعد الواحد منها عن الآخر نحو کیلومتر واحد، وعند تفجر الماء من مياه النبع فيها يرتبط بعضها ببعض من الأسفل بقناة من الأسمنت، فتسير مياه هذه الآبار مشكلة مياه الفلج، متجهة نحو العين لسقي المزروعات والنخيل. ويوجد في العين وحدها ثمانية أفلاج. كما يوجد فيها قلعة مشهورة هي قلعة الجاهلي، وهي إحدى ضواحي مدينة العين، وقد بناها الشيخ زايد الكبير سنة 1898. وقلعة أخرى هي قلعة المويجعي عند مدخل مدينة العين للقادمين من أبوظبي، وفيها عاش الشيخ زايد بن سلطان أيام ولايته للمنطقة الشرقية. أما قلعة المربعة فقد بناها الشيخ زايد بن سلطان، وهي الآن (في وقت كتابة الكتاب) مقر المديرية شرطة العين، وكذلك ففي ليوا عدد من القلاع والأبراج الأثرية القديمة.
الأماكن الأثرية
إنَّ بصمات الحضارة الإنسانية القديمة في أبوظبي على صدر التاريخ واضحة وقوية لم تقوَ عواصف الزمن ولا عاديات الأيام على إزالتها، حيث ظهرت بالتنقيب في أماكن أربعة مهمة هي: أم النار – هيلي – حفيت – بديع بنت مسعود. وإنَّ الآثار المكتشفة في هذه المناطق يعود تاريخها إلى ما بين 800 و3000 سنة قبل الميلاد، وإضافة إلى ذلك فإنَّ أماكن في ضواحي مدينة العين کشف التنقيب فيها عن آثار تعود إلى العصور الإسلامية وحتى العصر الحجري.
أما أم النار فهي جزيرة صغيرة تبعد عن أبوظبي العاصمة سبعة عشر كيلومتراً، ويعود تاريخها إلى نحو سنة 2700 قبل الميلاد، وقد وجدت فيها مدافن مستديرة الشكل بنيت بقطع من الحجارة نحتت بشكل مقطوع بعناية فائقة، وداخل كل قبر مقسم إلى حجر صغيرة يفصل بين كل منها حائط، ووجد بداخل هذه القبور عظام بشرية من عصور قديمة تعطي الدليل على أنها كانت مدافن للموتى، إذ وجدت فيها أدوات مدفونة مع بقايا الهياكل العظمية كالخرز الذي يستعمل في العقود وأدوات نحاسية وفخارية، كما وجدت كذلك تماثيل رائعة للحيوانات كالثور والغزال والأفعى والجمل، وقد وجد في إحدى هذه المقابر عظم كبير لرجل جمل، مما يؤكد أنَّ الجمل كان معروفاً في تلك الأزمنة (أي في الألف الثالث قبل الميلاد) كحيوان أليف .
وأما هيلي فتبعد 8 كيلومترات عن متحف العين، حيث عثر فيها على بقايا بناء أثري ذي شكل مستدير قطره نحو اثني عشر متراً، ولكن لسوء الحظ البناء ليس کاملاً، إذ لم يبقَ منه سوى قاعدته التي ترتفع نحو مترین، وهي مشيدة بقطع من حجارة كبيرة أكبر حجماً من تلك التي استعملت في أم النار، وداخل البناء المستدير مقسم إلى أربع غرف، فهل هو عبارة عن قبر مثل تلك القبور المكتشفة في أم النار التي كانت تستعمل كمدافن للموت، أم إنَّ هذا البناء عبارة عن معبد؟
وفيما يتعلق بجبل حفيت فيقع إلى الشرق من مدينة العين، ويبعد عنها نحو خمسة كيلومترات، وقد وجدت في منحدراته مجموعة من حجارة القبور وموجودات أثرية تتألف من أوعية فخارية وأزرار صدفية وأوعية نحاسية وسهام ذات رؤوس برونزية وخنجر، وكلها تعود بتاريخها إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد.
ويقع بديع بنت سعود على بعد ثلاثين كيلومتراً من متحف العين، وقد عثر فيه على سطح منبسط من صخور بديع بنت سعود آثار لبناء قبر يشبه القبور التي اكتشفت في حفيت، إذ وجد مع الهياكل العظمية أوعية خزفية وعدد كبير من رؤوس السهام وزر صدفي مزين بنقاط دائرية، ويشير البرونز الذي وجد داخل هذا القبر إلى أنَّ تاريخه يرجع إلى 1000 عام قبل الميلاد.
متاحف أبوظبي
«المتاحف هي الأمكنة التي تعرض فيها آثار حضارات الماضي إلى جانب مكتشفات العصور الحديثة الخالية، فأبوظبي التي شاركت في حضارات الماضي وتبني حضارة المستقبل تهتمُّ الآن اهتماماً كبيراً في هذه الناحية، وأنشأت لذلك متحفاً في مدينة العين وآخر في العاصمة». لعلَّ هذه العبارة من الكتاب الذي ألف في بدايات تأسيس الاتحاد تعطي القارئ نظرة جد مهمة عن الجهود التي كانت تبذل في سبيل النهوض بالسياحة في الإمارة والنظرة الاستشرافية التي كانت تخطط لتنويع مصادر الدخل منذ بدايات النهضة النفطية.
ويظهر الكتاب أهمية المتاحف في حفظ التراث والآثار، والإقبال عليها من قِبَل الزائرين والسياح، ويذكر منها متحف أبوظبي، وهو عبارة عن القصر القديم في المدينة، الذي يروي حياة سكان السواحل قبل اكتشاف النفط، حيث كان معظم السكان يعتمدون في معيشتهم على الغوص وصيد السمك والتجارة البحرية، وقد ضمَّ المتحف أدوات الصيد والغوص وأنواع عديدة من السفن التي كانت تستعمل في تلك الآونة. كما يضمُّ المتحف أيضاً بعض الأدوات الزراعية القديمة والأسلحة ومشاهد من الحياة الاجتماعية، وقد تمَّ افتتاح هذا المتحف في 6 أغسطس 1969.
أما متحف العين فقد أقيم في مدينة العين؛ نظراً لأنَّ الأماكن الأثرية قريبة من المدينة عدا أم النار فهي قرب جزيرة أبوظبي. وهذا المتحف الذي بدأ العمل فيه عام 1969 وافتتح في نهاية عام 1971 يضمُّ جناحين أحدهما اجتماعي والآخر تاريخي أثري. أما الجناح الاجتماعي فيروي حياة الفرد في أبوظبي قديماً من المهد إلى اللحد، والأطوار التي يمرُّ بها كالختان وحفظ القرآن والزفاف، وكذلك يصور العادات والتقاليد والأزياء المحلية وأدوات الطبخ والحلي والمجوهرات التي كانت تستعملها النساء، وقد عُرِضَت كلها في المتحف، كما عُرِضَت (البرزة) وهي مجلس الشيوخ حين يلتقون مع أبناء الشعب لتناول القهوة العربية، كما عُرِضَت فيه طريقة صنعها على نار الحطب.
أما الجناح الأثري التاريخي فيضمُّ المكتشفات في مناطق الآثار المختلفة، حيث يعود تاريخ هذه المكتشفات إلى نحو ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، كما يعود بعضها إلى العصر الحجري والعصر البرونزي.
وسائل الإعلام
«دخلت وسائل الإعلام الثلاث إلى أبوظبي لنقل الكلمة الصادقة والصورة الحقيقية عن التطور الهائل والنهضة الحديثة في البلاد للعالم الخارجي، وبالإضافة إلى هذا فهي تقوم بدورها الأساسي وواجبها الوطني نحو تثقيف الشعب والقضاء على التخلف الحضاري وفك العزلة التي طالما استحكمت في هذا الشعب. وتشرف على هذه الأجهزة وزارة الإعلام والسياحة، وقد سلكت وسائل الإعلام هذه مبدأ نقل الحقيقة صريحة واضحة للجماهير، وذلك تماشياً مع إيمان سمو الحاكم إلى أنَّ الكلمة الصريحة الواضحة هي التي تعيش وتترعرع». تلخص هذه العبارات النهج الذي سارت عليه الإمارة في بداياتها الأولى من اهتمامها بوسائل الإعلام الحديثة التي تواكب ذلك الزمان في النهوض بالإمارة والتعريف برسالتها والترويج لها عبر الوسائل الحديثة. وهذا مما يحسب لهذه الإمارة في زمن عزت فيه هذه الوسائل في الدول العربية.
بدأت الإذاعة برنامجها العام باللغة العربية في 25-2-1969 عندما تفضل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حاكم البلاد، بافتتاحها رسمياً، بعد أن كانت الإذاعة التجريبية قد بدأت البث منذ أول فبراير 1969. وفي ذلك الوقت أخذت الإذاعة ترسل برامجها لمدة ست ساعات ونصف الساعة، فتبدأ البث الساعة الرابعة بعد الظهر، وتستمر حتى الساعة العاشرة والنصف ليلاً على موجة متوسطة قوتها 10 کیلوواط.
أما التلفزيون فقد أنشئ في السادس من أغسطس عام 1969، وكانت برامجه أجنبية بنسبة 90% من ساعات البث، واقتصرت البرامج العربية على الافتتاح بالقرآن الكريم، ونشرة الأخبار، وندوة دينية مرة في الأسبوع، وذلك قبل أن تتولى وزارة الإعلام والسياحة الإشراف التام على التلفزيون، كما كانت ساعات البث لا تتجاوز أربع ساعات يومية، فتطور التلفزيون وأصبحت هناك أربع دورات برامجية.
وفيما يتعلق بالصحافة، فقد تابعت أجهزة الإعلام مسيرة المنطقة ونهضتها بإخلاص وأمانة، إذ أصبحت جزءاً من المجتمع الجديد الذي نهض في الخليج العربي لتحول رمال الصحراء القاحلة إلى مدن جديدة تعيد أمجاد الماضي وحضارته، واليوم اختلفت الصورة فأصبحت وزارة الإعلام في دولة الإمارات العربية المتحدة تمتلك الأجهزة الحديثة التي تستطيع تحمُّل المسؤولية التاريخية.
وأسست أول صحيفة في دولة الإمارات العربية المتحدة ألا وهي صحيفة الاتحاد التي كانت تصدر أسبوعية في بداية الأمر، وقد تطورت الاتحاد، حيث أصبحت تصدر بصفة يومية منذ تاریخ 22-4-1972، وهي أول صحيفة يومية تصدر في المنطقة، وقد تمَّ تدعيم جهازها التحريري بالخبرات الصحفية العربية الممتازة في العالم العربي، حيث بدأت هذه الخبرات بتنفيذ برنامج التطوير الموضوع للصحيفة، وكان هذا البرنامج يهدف بالدرجة الأولى إلى تنشيط الناحية الخبرية في الصحيفة، إلى جانب إعداد ونشر التحقيقات الصحفية المصورة.
قبل النفط
قبل أن يوجد البترول في أبوظبي كانت الحياة هنا صعبة للغاية، كان على الإنسان أن يكافح بالعرق والجهد والدم في سبيل الحصول على لقمة العيش، وأهم مصادر الرزق في ذلك الوقت هي: صيد اللؤلؤ، الذي اشتهرت به أبوظبي وجزيرة دلما بالذات، فصيد اللؤلؤ كان صعباً جداً ويتطلب الجلد. وصيد السمك، حيث يمتهن سكان الجزر والسواحل في أبوظبي صيد السمك الذي يشكِّل الغذاء الرئيس لهم. وتربية الجمال والأغنام، التي تشكل عماد الحياة في الصحراء.
وكانت الزراعة مصدراً آخر للرزق لسكان المنطقة الشرقية، حيث مياه الأفلاج والآبار المحفورة بالطرق القديمة، فانتشرت زراعة النخيل والخضراوات، وعندما تقدم العلم اتجهت أنظار العالم الغربي نحو مصادر الثروة، فجاء البرتغاليون يقفون في وجه التجارة العربية بأساطيلهم المتطورة، ولكن العرب دحروهم وتخلصوا منهم وخلّصوا بلادهم، ولكن الشجاعة مهما كانت لا تقف في وجه التطور العلمي الذي أغلق الأسواق في وجه التجارة العربية التقليدية، فظهر اللؤلؤ الصناعي الذي ضرب اللؤلؤ الطبيعي، ووجّه الضربة القوية إلى أكبر مصدر رزق في منطقة الخليج العربي، فعانی الأهالي من قلة المورد ومن قسوة الحياة. وأخيراً تفجر الخير من باطن الأرض، وتدفق النفط (الذهب الأسود) بعد طول انتظار.
أما التجارة، فقد وصلت أساطيل أبوظبي التجارية إلى موانئ الهند والصين وشواطئ إفريقيا، بل وصلت إلى كل مكان تستطيع أن تبيع فيه وتشتري. تحمل منتوجات الخليج العربي إلى تلك البلاد وتعود محملة باحتياجات الخليج.
مرحلة البترول
يلفت الكتاب إلى أنَّ البترول يلعب الدور الأكبر في الاقتصاد الوطني لإمارة أبوظبي، وكانت عائدات البترول تشكل 97% من مجموع عائدات الإمارة في ذلك الحين، إلا أنَّ الجهود التي وضعت نصب أعين القيادة تولي المصادر غير النفطية للموارد أهمية كبرى، ومن هنا انخفض فيما بعد ذلك الاعتماد على النفط في الاقتصاد. ويظهر الكتاب أنَّ الصناعة البترولية حديثة في أبوظبي، حيث دخلت إلى البلاد قبل الحرب الثانية، ولكن إعلان الحرب أخر إنتاج البترول فترة طويلة، حيث إنَّ أولى المحاولات للتنقيب عن البترول بدأت في 11 يناير 1939 ثمَّ تأجلت مشاريع التنقيب إلى عام 1947 ومضت 11 سنة قبل أن يتمَّ اكتشاف النفط بكميات تجارية في بئر مربان.
أبوظبي اليوم.. (1972)
«قال أحد الصحفيين الفرنسيين المعنيين بشؤون الخليج العربي: الذي يشعر بالغرابة والدهشة والمفاجأة حين يصل إلى أبوظبي ليس من يزورها لأول مرة، فهذا قد يعجب بالنهضة العمرانية الظاهرة في كل مكان والتي حولت الإمارة إلى ورشة كبيرة تضج بالعمل المتواصل، بل الذي يشعر بالدهشة والمفاجأة هو من كان يعرف أبوظبي قبل سنتين أو ثلاث سنوات (وهو يقصد قبل تسلم صاحب السمو حاكم البلاد الحكم) ويزورها الآن ليجد أنَّ كلَّ شيء قد تغير تماماً، وأنَّ البقعة الصحراوية التي كانت خالية من العمران الحديث لم تعد تضم إلا العمارات الحديثة والطرق الواسعة والشوارع العريضة». هذا ما يبدأ به الكلام عن أبوظبي اليوم، في ذلك الحين. ولعلَّ هذا التوثيق لتلك النهضة في بداياتها يجعل القارئ أمام مقارنة أخرى لما وصلت إليه النهضة الإماراتية في هذا الوقت، ونحن في العام 2020.
يقول الكتاب: «ففي 15 ديسمبر عام 1963 غادرت أول ناقلة نفط تحمل الخير من ميناء جبل الظنة إلى خارج الخليج العربي، وكانت محمّلة ببترول البر الذي عثرت عليه شركة بترول أبوظبي بعد بحث طويل في حقل مربان جنوبي منطقة طريف، وكما تدفق البترول من البر تدفق البترول من البحر. وفي 3 يونيو عام 1962 تحركت أول ناقلة بترول من حقل أم الشيف، وبدأت ناقلات البترول تغدو وتروح من وإلى أبوظبي لنقل البترول من البر والبحر، فأصبح البترول المصدر الأكبر للدخل الوطني، فهو الثروة وهو الأمل».
الزراعة في أبوظبي
الزراعة من المهن القديمة في أبوظبي وخاصة في منطقة العين وفي واحة ليوا، حيث التربة الصالحة للزراعة ووفرة مياه الري، إذ إنَّ أراضي أبوظبي صحراوية تغطيها الرمال، وكلما امتدت الأراضي نحو الشاطئ زادت نسبة الملوحة في التربة، وقد تمتد الملوحة إلى الداخل عشرات الكيلومترات ومنطقة العين هي أهم المناطق الزراعية.
أما وسائل الري المتبعة قديماً وما زال بعضها حتى الآن، فتعتمد على الأفلاج والآبار ومياه الأمطار، فالأفلاج هي عبارة عن سلسلة من الآبار المحفورة بالطرق اليدوية وعند تفجر النبع تحفر نهايات الآبار لتصل بعضها ببعض فتشكل مجرى من الماء يسير حتى يصل إلى مزارع المنطقة الشرقية ليسقيها، وهذه الأفلاج كما يسمونها تستحق الدراسة والتأمل، وتعدُّ أماكن سياحية في توزيعها وحفرها وطريقة ريها للأراضي، وتوجد في منطقة العين ثمانية أفلاج أهمها فلج الصاروج.
تُزرع في أبوظبي عدة أنواع من الأشجار تتناسب مع مناخها وتربتها وظروفها الطبيعية، وأهم الأشجار هي النخيل، حيث إنها أقدم أشجار المنطقة، إلى جانب أشجار الرمان والمانجو والجوافة ومحاصيل أخرى مثل القمح والشعير والبرسيم.
وفي 1-10-1967 تأسَّست دائرة الزراعة، وبدأت سباقها مع الزمن حتى وصلت إلى المكانة المشرفة التي تعيشها اليوم، وأهم أقسامها: مراكز الإرشاد الزراعي، التي أنشئ ثلاثة منها في القطارة وسيح بن عمارة وأبو سمرة، ومهمة هذه المراكز إرشاد المزارعين، والإشراف على مزارعهم، وتوزيع البذور والأشتال التي نجحت في محطة الأبحاث، وتشرف هذه المراكز على ما يقرب من عشرين ألف دونم. والتحريج: حيث تقوم وزارة الزراعة بغرس أشجار حرجية على جوانب الشوارع في العين، وكذلك على جانبي الطريق من أبوظبي إلى العين. وفي 21-6-1969 قام سمو ولي العهد بغرس الشجرة الأولى إيذاناً ببدء العمل في مشروع التحريج الكبير على بعد نحو 60 كم على مساحة تبلغ ثمانية آلاف دونم. وأما محطة الأبحاث الزراعية، فهي محطة رائدة تجري فيها الأبحاث الزراعية على مختلف أنواع الخضراوات والفواكه حتى تثبت صلاحية صنف معين، وتبلغ مساحتها نحو 800 دونم، وقد استطاعت إدخال أصناف عديدة جديدة من الخضراوات للمنطقة، كما قامت بتحسين بعض الأنواع القديمة.
كل ذلك كان في البدايات الأولى من النهضة الحديثة لأبوظبي، وهذا يعطي فكرة عن حجم الجهود والخطط التي واكبت التطور حتى أضحت عموم الإمارات من البلاد التي يشار إلى التنمية الحديثة فيها. ومما يوثقه الكتاب في المشروعات الزراعية الرائدة منذ تلك الفترة عدا محطة الأبحاث الزراعية ومراكز الإرشاد الزراعي المذكورة آنفاً، التحريج، القائم على غرس أشجار حرجية على جوانب الشوارع في العين وأبوظبي، والتسويق الزراعي، الذي يعمل على تصريف منتجات المزارعين بأسعار محددة تضمن الربح لهم، والمعارض الزراعية التي تقيمها وزارة الزراعة كل عام أواخر فصل الشتاء بقصد إبراز روح التنافس الشريف بين المزارعين، ويقام في كل عام معرضان زراعيان، والتي أثبتت فاعليتها وكان لها أثر في زيادة الإنتاج. أما مشروع السعديات الذي أقيم في جزيرة السعديات، لزراعة الخضراوات داخل البيوت البلاستيكية، فقد روعي فيه أن تكون إنتاجاته لا تتوافر في تلك الفترة في المنطقة الشرقية، ويغطي المشروع مساحة عشرين دونماً، وتشرف عليه جامعة أريزونا الأمريكية.
الثروة الحيوانية
تشتهر البلاد بأنها موطن الجمال والخيول الأصيلة، حيث موطنها الأول الجزيرة العربية. ولا يزال قسم كبير من سكان البادية يقوم بتربيتها، وإن كانت الجمال أو الخيول قد فقدت أهميتها كوسائل النقل أو الحرب، إلا أنها في أبوظبي لا تزال لها أهمية كبيرة؛ فهي تربى لأجل السباق الذي يجري مرات عديدة في السنة، وتكرم الدولة الجمال والخيول الفائزة، كما تكرم أصحابها بالجوائز والهبات، وتشجعهم على تربية الخيول الأصيلة والجمال العربية.
وإضافة إلى الجمال والخيول هناك الأبقار التي تربى من أجل لبنها ولحومها، والماعز والضأن، وفي البلاد حيوانات أخرى برية في الصحراء مثل الغزال والوعل والأرنب، ويخرج المواطنون في مواسم خاصة لصيدها، ولا تخلو الصحراء والمناطق الجبلية من الحيوانات آكلة اللحوم مثل ابن آوى والذئب والضبع. أما السمك فيتكاثر بمختلف أنواعه في الخليج العربي، وقد أجريت دراسات تناولت الثروة السمكية ووسائل تطوير عملية صيد السمك، وخصصت حكومة أبوظبي مبالغ خاصة لبناء أسطول لصيد السمك وتدريب الصيادين من المواطنين على الطرق الحديثة لصيد الأسماك، ومن هذه الدراسات دراسة قامت بها البعثة البريطانية الاقتصادية التي أوفدتها وزارة التنمية لما وراء البحار البريطانية وذلك في أوائل عام 1967، وأوصت بضرورة الاهتمام بأحوال الصيادين وتطوير طرق الصيد حتى تصبح صناعة حديثة لا تعتمد فقط على الجهود الفردية.
كما تعنى الدولة بتربية الطيور الداجنة مثل الدجاج والإوز والبط والحمام، وقد أنشئت في مدينة العين مزرعة خاصة لتربية الدجاج للاستفادة من لحمه وبيضه، وقسم آخر من الطيور هو الطيور البرية مثل الحباری والقطاء والحجل والسمّن، وهي متوافرة بكثرة في الصحراء ويخرج الهواة لصيدها بواسطة الصقر، حيث يتم تدريب الصقر على الصيد عدة أشهر قبل أن يبدأ عمليات الصيد، أو صيدها بواسطة أسلحة الصيد المعتادة.
الصناعة في أبوظبي
التوثيق للصناعة في الأيام الأولى من قيام الدولة، ولا سيما في العاصمة أبوظبي، يعدُّ من الدرر التي تبين تفوق الإمارات في واحد من أهم وأبرز عوامل النهضة الحديثة، والمتصفّح للكتاب يرى الكم الكبير والنقلة النوعية في الصناعة بأبوظبي في تلك الفترة التأسيسية. يبين الكتاب أنه لم يكن في الماضي صناعات بالمعنى الصحيح، وإن كان هناك صناعات تسد حاجة السوق المحلية، مثل الصياغة والحدادة وصناعة السيوف والخناجر وصناعة شباك الصيد وصناعة بيوت الشعر في البادية بغرض السكن فيها، وكذلك صناعة اللؤلؤ وتجفيف الأسماك، إضافة إلى تجفيف التمور. لكن بعد اكتشاف النفط وانتشار طرق المواصلات وتطورها تقدمت الصناعة، وحصلت في البلاد حركة تصنيع خفيفة مثل مواد البناء والحدادة وتصليح السيارات وتكرير المياه وتوليد الكهرباء وتصنيع الغاز ومصانع للمشروبات الغازية.
وقد أقامت أبوظبي وزارة النفط والصناعة، وعنيت بالمشاريع الصناعية الكبرى، ففي البلاد اليوم مشاريع مصنع الأسمنت في العين ومصفاة للبترول ومصنع للغاز السائل ومعمل استخلاص الكبريت وحامض الكبريت ومصنع الألمنيوم.
كما صدر قانون في نهاية شهر نوفمبر عام 1971 بتأسيس شركة بترول أبوظبي الوطنية برأسمال قدره عشرون مليون دينار بحريني، وقد صدر سنة 1970 قانون سمي بقانون الصناعة، وقد وضع هذا القانون موضع التنفيذ، وقد استهدف تنمية ودعم الصناعة الوطنية والأخذ بيدها، كما حدد القانون دور الحكومة في دعم وتشجيع الصناعة ونظم القانون العلاقة بين الحكومة وأرباب الصناعة.
الشؤون الاجتماعية
تقدم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية المساعدات المالية لغير القادرين من مواطني أبوظبي على العمل، حيث تقدم لهم راتباً شهرياً ومساعدات عينية. وفي مجال الخدمات الاجتماعية في مراحلها المختلفة فإن الخدمات الاجتماعية تشمل رعاية الأطفال والشباب والشيوخ، مع اختلاف أسلوب الخدمات في كل مرحلة من المراحل.
ومما يوثقه الكتاب تلك النظرة التكافلية التي وضعتها الإمارات على رأس قائمة أولوياتها، حيث قامت خطة الحكومة على أساس توفير السكن الصحي للمواطنين، ومن أجل ذلك تقوم ببناء المساكن الجديدة وقد تم بناء عدد كبير من المساكن في مدينة أبوظبي وفي بدع زايد وبدع المطاوعة وفي العين والجيمي والقطارة والمسعودي والهيلي والمويجعي والجاهلي وطريف وليوا وجزيرة دلما. كل هذا من أجل توفير السكن الصحي الملائم لكن مواطن، كما زودت هذه المساكن بالماء والكهرباء وتدفع الحكومة لكل مواطن عند تسلمه مبلغاً من المال لتأثيثه. هذا وقد أمر صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان ببناء 9 قرى نموذجية في أماكن مختلفة من البلاد، سيشمل تخطيط كل قرية بناء 80 مسكناً صحياً وبتصميمات نموذجية وبناء ما تحتاجه من مدارس ومساجد ومستشفيات وعيادات طبية، كما قامت الحكومة ببناء مساكن خاصة للموظفين الحكوميين.
الشباب.. مستقبل الوطن
أما الشباب فإنهم يأخذون حيزاً مهماً من اهتمام وزارة الشؤون الاجتماعية التي تمد النوادي بالتوجيه المعنوي والعون المادي. وفي البلاد تسعة أندية رياضية وقد تشكل اتحاد أبوظبي لكرة القدم وتقدم بطلب للانضمام إلى الاتحاد الدولي. وستشترك دولة الإمارات العربية المتحدة هذا العام سنة 1972 في دورة الخليج العربي التي ستقام في الرياض بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، وأنشأت الوزارة مركزاً للتدريب المهني.
لقد استلزم التطور الهائل الذي يعيشه المجتمع في أبوظبي اهتماماً متزايداً بالشباب في طريق بناء الإنسان الجديد في أبوظبي؛ لذلك فقد بذلت الدولة كل الجهود التي تهدف إلى تدعيم النشاط الأهلي وتمكينه من القيام بدوره الإيجابي لخدمة المجتمع، فالنشاط الأهلي هو البيئة الاجتماعية التي يمارس فيها الأفراد حقوقهم كمواطنين فيكونون الجماعات التي تسهم في حياة المجتمع الثقافية والاجتماعية والترويحية والفنية.
الفنادق في أبوظبي
أصبحت السياحة فناً وصناعة، والفنادق التي ترتبط ارتباطاً كلياً بالسياحة هي الأخرى صناعة وفن، بل إنَّ إدارة الفنادق اليوم لها أصول تدرس في معاهد وكليات في بلاد العالم المتقدم، لأنَّ الإشراف على إدارة الفنادق وخدمتها وتسيير دفة العمل فيها بحاجة إلى أيدٍ خبيرة وعليمة بأمور استقبال السياح والنزلاء وطريقة معاملتهم. ومن الفنادق التي يوثقها الكتاب حتى العام 1972 والتي تطورت بعد ذلك بشكل متسارع.
الحركة المسرحية
من المؤكد أنَّ المسرح هو ضرورة حتمية تنبثق من واقع الحياة البشرية، وتأخذ شكل الحياة القائمة بكل أبعادها الاجتماعية، وليس المسرح مجرد شخصيات تلعب دوراً لتسلي الجماهير والمتفرجين، وتزيل عن نفوسهم الهموم اليومية، ولكنه أبعد من هذا كثيراً، فهو يحوي أبعاداً إنسانية أكثر شمولاً من مجرد التسلية.
فالمسرح لا شك هو مدرسة الشعب، فالممثلون على خشبة المسرح يقدمون أمامنا – بطريقة قد تضحكنا – واقعنا الذي نعيش وقد نخجل من ذكره حتى في نفوسنا، فيصفونه أمامنا على خشبة المسرح في محاولة جريئة لنقده.. وتجريحه، ثم إيجاد أنجع الوسائل للتخلص من الداء الذي ينخر في المجتمع.
في 1969 أنشأ نادي الفلاح مسرحه، وكانت أول مسرحية عرضت فيه (دكتور القرن العشرين)، وبعد ذلك تكونت فرقة أبوظبي للتمثيل، وقدمت هذه الفرقة العديد من المسرحيات، والحركة المسرحية في أبوظبي من الوجهة الفنية لم تتبع الأسس التكنيكية للمسرح؛ نظراً لقلة الإمكانات الفنية ولعدم دراية القائمين على الحركة بالأصول المسرحية، إضافة إلى تشتت وتعدد الفرق المسرحية، وكل ما قدمته المسارح في أبوظبي هو عرض للقضايا الاجتماعية، وتدخل تحت إطار المسرح التعليمي المباشر. وفي منتصف سنة 1970 بنت وزارة الإعلام والسياحة أول مسرح ذي مواصفات فنية رفيعة، وكانت تقدم عليه العروض الفنية الكبيرة والتي يشترك فيها عشرات من الفنانين المحليين والعرب من مصر ولبنان وسوريا، وفي نهاية عام 1971 أنشأت وزارة الدفاع مسرحها الكبير الذي يتسع لخمسة آلاف شخص خصيصاً لاحتفالات عيد جلوس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الخامس، وكانت السيدة أم کلثوم أول من اعتلى خشبة هذا المسرح الذي يقع في أرض النادي الأهلي في أبوظبي.
ثروة شعب
لعلَّ هذه الصفحات التي توثق الحركة السياحية والاقتصادية العامة حتى العام 1972، تعطي صورة ناصعة وواضحة عن الجهود العظيمة التي بذلتها دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادتها الحكيمة، لتصل بالبلاد وأهلها إلى مصاف الدول المتقدمة في وقت كان العالم فيه بأمس الحاجة إلى من يأخذ بالبلاد إلى مرحلة جديدة توازياً مع المرحلة الجديدة التي بدأت بالبزوغ إبان الحرب العالمية الثانية. لقد كانت دولة الإمارات حقاً محظوظة بهذه القيادة الرشيدة، التي علمت كيف تستثمر الثروة، وسخرتها في خدمة أبنائها وشعبها. ومن خلال ما تم استعراضه في هذا الملف، يتضح للقارئ عياناً كيف كانت حياة الشعب الإماراتي في تلك الفترة، فالدولة التي تمكّن الشباب، وتهتم بتوفير متطلبات أبنائها، وتضعهم على رأس أولوياتها حرية بأن نجدها الآن دولة رائدة، ويشار إلى إنجازاتها من العالم أجمع.