الشيخ زايد في عيون الأهرام

Business مجلة مدارات ونقوش – العدد 5

 1,413 عدد المشاهدات

الكاتب: محمد بابا

القراءة المرجعية لأرشيف أنشطة شخصية محورية كالمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، حافلة وغنية، لما تتميز به هذه الشخصية الاستثنائية من سمات متعددة تركت بصمتها الفارقة على الصعيد المحلي والعربي والدولي، لكن نظرة إلى حضور هذا الرمز من زاوية إعلامية، تقدِّم ملمحاً توثيقياً خاصاً وبعداً له دلالاته المتعددة التي تقدِّم قراءة للتاريخ الإماراتي الحديث من وجهات نظر أخرى، وتسلِّط الضوء على الدور المحوري الذي لعبه القائد المؤسِّس من جهود في تشكيل الدولة الحديثة

“مدارات ونقوش” تحاول من خلال قراءة في أرشيف

صحيفة “الأهرام” المصرية، العريقة في تقاليدها الصحفية ومهنيتها، رصد حضور هذه الشخصية الاستثنائية في أخبارها وتغطياتها، حيث أفردت الصحيفة العديد من التغطيات عن زايد، تنوَّعت بين ملفات وتحقيقات وأخبار.

مسؤولية قائد

عدد صحيفة “الأهرام” الصادر بتاريخ 13 إبريل 1968

أورد خبراً منشوراً في مساحة مميزة على صفحته الثالثة، عن الخطة الخمسية التي أقرَّها الشيخ زايد، وتوجيهات سموه إلى الدوائر المختصة بتنفيذ برامجها المرسومة في آجالها الزمنية المحددة، وذلك للقضاء على كل معوقات التنمية التي حُرِم منها الشعب الإماراتي فيما مضى، مضيفاً وفق ما أوردت الصحيفة: “لقد قاسى شعبنا من الحرمان، ومسؤوليتنا هي تخليصه من التخلف وتعويضه ما فاته..”، كما جاء في التقرير على لسان الشيخ زايد، “إنَّ المال لا قيمة له إذا لم يسخَّر لخدمة الشعب، كما الحاكم الذي وضع في مكان السلطة لا قيمة له في نظر شعبه، وفي نظر الناس إذا عاش لنفسه، وسخَّر أموال البلاد لمصالحه الذاتية، وإذا كان الله قد منَّ علينا بالثروة، فأول ما التزمنا به لإرضاء الله وشكره هو أن نوجَّه هذه الثروة لإصلاح حال البلاد والعباد، وذلك عن طريق بناء مجتمع تتوافر له وسائل

التعليم والصحة والمسكن والمأكل..”

وتحدث الشيخ زايد في هذا التقرير، عن مشروع اتحاد الإمارات العربية، ووصفه بالخطوة العربية العظيمة للنهوض بشعب المنطقة، وإعطائه مسؤولية الدفاع عن وطنه، كما عبَّر زايد عن تأييده لقادة المعركة العربية في جبهات القتال، بكل ما يمكن من إمكانيات بشرية ومادية.

مشروع الاتحاد

وأفردت الصحيفة في عددها الصادر بتاريخ 1 مايو 1970، وفي الصفحة 10 تقريراً من مندوبها في أبوظبي، تمحور حول حديث مهم لزايد أبرز فيه إيمانه القوي بضرورة قيام الدولة الاتحادية، وجاء عنوان التقرير: “حديث هام لحاكم أبوظبي: إننا نؤمن بأنَّ قيام الدولة الاتحادية في الخليج أمر تفرضه مصلحة المنطقة”، وفي عدد “الأهرام” الصادر بتاريخ 3 ديسمبر 1971، تناول تقرير آخر موسع جهود الشيخ زايد في قيام الاتحاد، وإرساء دعائمه، حيث كان ثمرة جهد شاق من أجل دعم الاستقلال وحماية المصالح، حيث كتب زايد صفحة جديدة في تاريخ المنطقة، كما وصفت الصحيفة، وجاء عنوان “الأهرام”: “دولة جديدة في الخليج العربي”، مع عنوان شارح “إعلان إقامة اتحاد الإمارات العربية ثمرة جهد شاق من أجل دعم الاستقلال وحماية المصالح العربية”، وقدمت الصحيفة تفصيلاً موسعاً عن مسار المداولات التي خاضها الشيخ زايد في سبيل المشروع، وانتهت بإذاعة قيام الاتحاد من دبي.

آفاق جديدة

وأعطت صحيفة الأهرام المصرية مساحات واسعة من تغطياتها العديدة لقراءات تناولت التجربة الاتحادية في الإمارات، حيث وصفت في عددها الصادر بتاريخ 4 ديسمبر 1972 التجربة الاتحادية بعد عام من قيام دولة الإمارات بالخطوة الجبَّارة، كما وصفت زايد بالقائد الفذ الذي انطلق بشعبه إلى آفاق بعيدة، متحدياً نمط البداوة، ومنطلقاً في بناء الدولة الحديثة التي لا تلغي ماضيها، وتحت عنوان “أبوظبي ترسي بناء الدولة الحديثة” تحدَّث تقرير في العدد المؤرخ بتاريخ 27 نوفمبر 1971 عن جهود زايد في تأسيس الخدمات التي تعكس بوضوح حرصه على توفير العيش الكريم لشعبه، من خلال نظرة من الداخل، ترصد صورة عن المجتمع الجديد وتجاوزه لأسوار العزلة بفضل حنكة زايد.

كما أورد عدد الصحيفة بتاريخ 26 نوفمبر 1972 تقريراً عن خطاب لزايد بعد عام من قيام الاتحاد، منوهاً بالدور الكبير الذي حققته دولة الإمارات العربية المتحدة، وجهود زايد في البناء الاقتصادي والاجتماعي الذي تشهده الدولة الفتية، وسعيه لتدعيم أسسها.

سباق الزمن

كما خصَّصت “الأهرام” مراسلات مفصَّلة عن تغيُّر

الأوضاع في الإمارات العربية المتحدة، من خلال تسليط الضوء على مشروعات التنمية في الدولة الفتية، ونقلت صورة عن التحديث الذي لامس مختلف مناحي الحياة والقطاعات، من تعليم وصحة واستثمار في الموارد لصالح رفاهية الناس، هذا فضلاً عن السياسة الخارجية المسؤولة والمتوازنة ومواقفها التاريخية بخصوص القضايا العربية.

وتحت عنوان “هذا الرجل.. ومعارك التحدي عبر 6 سنوات” بيَّنت الصحيفة في عددها المنشور بتاريخ 4 ديسمبر 1977 أنَّ الشيخ زايد يكتب صفحة جديدة من التاريخ في المنطقة في سباق الزمن، كما أعطى لدولته كلَّ مقومات الانطلاق.

منهج الحكم الخلّاق

وتحت عنوان “زايد: لن تعود عقارب الساعة إلى الوراء”، أوردت “الأهرام” في عددها الصادر بتاريخ 6 أغسطس 1978 تقريراً بلغة أدبية شائقة، تناول الجوانب الإنسانية في شخصية زايد، من خلال رصد علاقته بالناس وقربه من التعاطي معهم، ووصفت “الأهرام” في هذا التقرير منهج زايد في الحكم بالمنهج الإنساني الخلَّاق، وقدمت نماذج لذلك من خلال جلساته على الرمال مع البدو وحديثة العفوي والبسيط بلهجتهم وتعاطيه وتشاوره معهم في أمورهم، وقدَّم التقرير نظرة إلى واقع الإمارات عن قرب، وكيف كانت، والمسار الذي أصبحت عليه، وجاء في التقرير “من كان يصدق أنه في أول مؤتمر قمَّة للدول العربية والإفريقية سيشهد العالم العربي عن طريق الأقمار الصناعية مراسم ومشاهد هذا المؤتمر التاريخي بواسطة دولة الإمارات العربية المتحدة”، ووصفت الصحيفة ذلك بالعمل المبدع، وأضافت: “من كان يصدِّق أنَّ هذه الدولة التي كانت قبل عشر سنوات، لا تعرف صحافة ولا طباعة ولا إعلاماً ولا برامج إذاعية أو تلفزيونية تصبح في مقدمة الدول العربية التي تتزاحم فيها دور الصحافة الوطنية ومحطات الإذاعة والتلفزيون والأقمار الصناعية..”.

حضور دبلوماسي

هذا فضلاً عن ملفات عديدة تناولت زيارات الشيخ زايد ولقاءاته مع القادة العرب، وحضوره الدبلوماسي على الصعيد الإقليمي والدولي، ففي عددها الصادر بتاريخ 16 إبريل 1971، وتحت عنوان “اتصالات واسعة لحاكم أبوظبي في القاهرة” ركز هذا التقرير الصحفي على اجتماعات الشيخ زايد ببعض القادة العرب، من ضمنهم الرئيس السوداني جعفر النميري، والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، رئيس وفد المقاومة الفلسطينية آنذاك، كما تتبع عدد “الأهرام” الصادر بتاريخ 20 فبراير 1972 تقريراً من مندوبها في أبوظبي عن زيارة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان لمجموعة من الدول الشقيقة ودوره الدبلوماسي في المنطقة، ودوره أيضاً في تدعيم أسس التعاون العربي والدولي.

جسور التعاون والإخاء

وفي عدد الصحيفة الصادر بتاريخ 6 أغسطس 1979 وفي الصفحة 10، حمل تقرير موسع أخبار بناء مدينة زايد في العين، وجاء تحت عنوان “مدينة زايد وآمال المستقبل”، وجاء في التقرير الإشراف والاهتمام الكبير لزايد بهذا المشروع، حيث اختار موقع المدينة بنفسه، على أساس أن هذا الموقع يربط بين أبوظبي والساحل ومسقط، ليكون نقطة تشكل مركز  لقاء وتجمعاً لسكان المنطقة، وتحقق مزيداً من الترابط بين الإمارات والبلدان الشقيقة، ووصفت الصحيفة هذا الخيار بالنموذجي، لربط الإخوة في الجغرافيا المشتركة، كما وصفت مشروع مدينة زايد بالعلامة البارزة على طريق المودة والتعاون في منطقة الخليج

كما أورد العدد الصادر بتاريخ 28 أكتوبر 1976، تغطية شاملة لافتتاح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مدينة زايد بمحافظة الإسماعيلية في مصر، وبيَّنت الاستقبال المملوء بالوفاء والعرفان الذي خصَّصه سكان المدينة للقائد العربي، حيث شملت هذه المدينة المتكاملة في مرافقها الحيوية، قرابة 9 آلاف مسكن، مبرزة أنَّ هذا المشروع “أنموذج لروح التضامن العربي والحب ورابطة المصير التي تجمع مقدرات الوطن العربي، وقد تجلَّى هذا الإنجاز الضخم بمساهمة سخية من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في البناء داخل مدن القناة الثلاث التي تعرَّضت لأبشع ألوان الدمار خلال حرب أكتوبر، وكما كان التضامن العربي أحد أدوات النصر في حرب أكتوبر، فإنه أيضاً أحد أدوات النصر في معركة التعمير”. هكذا كتبت “الأهرام”، وأضافت الصحيفة: “عندما بدأت جهود السلام والتعمير كانت دولة الإمارات العربية المتحدة في طليعة من تقدموا للمعاونة والتعبير عن تضامنهم..”

ولنا أن نقف من خلال هذه القراءة بين سطور أرشيف هذه الصحيفة العريقة على ملامح تظهر الحضور المميز للشيخ زايد على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، وكيف كان ينظر العرب من خلال رؤية هذه الصحيفة الواسعة الانتشار إلى هذا القائد الذي نقل، خلال فترة وجيزة، شعبه إلى دولة متقدمة يشار إليها بالبنان، ووظَّف كلَّ الإمكانات لتدعيم أسس دولته، التي ملأت الأسماع من خلال دبلوماسيتها المرنة وحضورها الدولي، وجهودها في تعزيز التضامن العربي وإرساء السلام العالمي، ولم يكن ذلك ليتحقق لولا جهود المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وجهود إخوانه المؤسسين لاتحاد الإمارات العربية المتحدة

يشار إلى أنَّ صحيفة الأهرام صحيفة مصرية تأسَّست سنة 1875، وتحظى بسمعة كبيرة في الأوساط الصحفية المهنية، ولها تقاليدها العريقة في الكتابة والتغطية الصحفية، كما شكلت مدرسة من خلال خطها التحريري الذي أرسته أجيال من المفكرين المتمرِّسين في مجال المهنة تناوبوا على رئاسة تحريرها، مثل الشاعر خليل مطران، والمفكِّر محمد حسنين هيكل، والكاتب أحمد بهاء الدين.