1,942 عدد المشاهدات
الكاتب: خليل البري
قد لا أبالغ إذا قلت إنَّ مجلة «أخبار دبي» كانت أول مطبوعة إماراتية، بل وعربية تنبّأت للفجيرة بمستقبل باهر مزدهر، كيف لا وهي الإمارة الوحيدة التي تقبع على بحر العرب، إضافة إلى ما حباها الله من جمال طبيعي وموقع متميز بين الجبال والبحر، والأهم من ذلك كله حكومتها الرشيدة، وشعبها الطيب المضياف الذي يعتز بعروبته وتقاليده الأصيلة، إضافة إلى الدعم المتدفق من قِبَل الدولة الاتحادية لهذه الإمارة الرائعة.
في العدد السابع عشر الصادر يوم 30 نيسان/ إبريل العام 1977م، والعدد الذي يليه، أي منذ أربعة عقود ونيف، كتبت تحقيقاً في «أخبار دبي» بعنوان «الفجيرة عروس بحر العرب لكن مهرها غالٍ»، حيث كان لي يومها شرف اللقاء مع صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد، حاكم الفجيرة، وأركان حكومته، وعلى رأسهم الصديق الدكتور سليمان موسى الجاسم، رئيس الديوان، وأحمد محمد شاكر مدير مكتب الصحة، وعبدالله سلطان السلامي عضو المجلس الوطني الاتحادي عن إمارة الفجيرة، والرائد سعيد سمسوم مدير شرطة الفجيرة، وعبد السلام الخلايلة مدير البلدية، وغيرهم.
اليوم وقد أصبحت إمارة الفجيرة أكبر منشأة في العالم لتخزين النفط الخام تحت الأرض «أكثر من سبعين مليون برميل»، تضمها نحو 270 خزاناً مختلفة السعة، ما جعلها تتربع على رأس قائمة محاور تخزين النفط التجارية العالمية إلى جانب هيوستن وسنغافورة وأمستردام -روتردام – أنتويرب في أوروبا، مستفيدة من موقعها خارج مضيق هرمز، أحد أهم الممرات المائية الأكثر ازدحاماً وحساسية في العالم.
وتشير تقديرات الخبراء إلى أنَّ الإمارة في طريقها إلى المركز الأول عالمياً في ظل المشاريع والتوسُّعات والخطط المستقبلية التي تقوم بتنفيذها.
ناهيك عن أنَّ الإمارة أصبحت مقصداً سياحياً مهماً على خريطة السياحة الخليجية والعالمية.
الشقيقة السابعة
وأترك الحديث لـ«أخبار دبي»، حيث جاء في التحقيق:
الحديث عنها يختلف بعض الشيء عن الحديث عن باقي شقيقاتها في الأسرة، ليس لأنها أصغرهن ولا لما تمتاز به من دلالة محبة فحسب، بل لأنها تمتلك مسحة جمالية وبهاءً عذباً قد لا تجده لدى باقي شقيقاتها. إنها، تماماً، كابنة الأربعة عشر ربيعاً في دخولها مرحلة النضج، ولهذا فإنَّ الحديث عنها يمتاز بنوع من الحلاوة والطلاوة.
أظنكم تتساءلون: من عساها تكون هذه الفتاة العربية الأصلية الجمال؟
ولكم العذر في ذلك، أجل، إنها الشقيقة السابعة في أسرتنا الواحدة العريقة الجذور، الباسقة الفروع، إنها إمارة الفجيرة، سابعة إمارات دولتنا المتحدة الناهضة.
إنها الإمارة الوحيدة من إمارات الدولة التي تقع بأكملها في المنطقة الشرقية، وتطلُّ على بحر العرب الذي يحدها شرقاً، وتمتد على خليج عمان بمساحة تبلغ 60 كيلومتراً من قرية «احفرة» جنوباً حتى دباً شمالاً، وتمتد إلى الداخل في أراضي سهل الباطنة الخصيب لمسافات مختلفة.
وتبلغ مساحتها نحو 450 ميلاً مربعاً. ويغلب على سطحها الطابع الجبلي. فهي تتكوَّن أساساً من سلسلة من الجبال الوعرة، ويحصر بينها وبين ساحل البحر سهل يعدُّ من أخصب مناطق الدولة، هو سهل الباطنة الذي يتسع لمسافة قد تصل إلى عشرين ميلاً، ويضيق حتى تلامس الجبال حافة البصر، كما يوجد بالإمارة كثير من الوديان التي تجري فيها مياه الأمطار ومن أهمها وادي سيجي ووادي حام.
أسرة عربية
في قصره العامر التقينا بسموه، إنها المرة الثالثة التي أقابل سموه فيها، هو صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة. تولى الحكم بعد وفاة والده المرحوم الشيخ محمد بن حمد الشرقي، وجدّه لأمه هو محمد بن يعرب بن أحمد بن سلطان من زعماء اليعاربة المعروفين.
استقبلنا صاحب السمو الشيخ حمد بابتسامته المعهودة، التي تنمُّ عن حبه الحقيقي للصحافة ورجالها؛ لذلك فإنه لم تمضِ دقائق على وصولنا لقصره حتى كنّا نجاذبه أطراف الحديث. قال سموه: إنَّ إمارة الفجيرة جزءٌ لا يتجزَّأ من دولة الإمارات، وبالتالي فإنَّ نظرتنا هي نظرة أمل وعمل؛ أمل في المستقبل الزاهر، الذي ينتظر دولتنا الغنية خاصة ومنطقة الخليج عامة، وعمل دائب لتوطيد دعائم اتحادنا الخالد الذي أثبت وجوده محلياً ودولياً.
وعن المشاريع التي نُفِّذَت أو ستُنَفَّذ قال سموه:
إنَّ أول ما يخطر ببالي عند الإجابة عن هذا السؤال أن أشير إلى الخدمات التي تمَّ تنفيذها في إمارتنا بعد قيام اتحادنا المبارك؛ فقد قدمت الدولة، وما زالت، العديد من المشاريع، والخدمات في مجال الصحة والتربية والتعليم والإسكان والطرق.. إلخ، ولعلَّ من أهمها ميناء الفجيرة البحري، الذي بُدِئ العمل بإنشائه منذ شهور عدة، وفندق هيلتون الفجيرة الذي كاد العمل به ينتهي ليدخل مجال الخدمة.
ومن المشاريع التي تنوي الإمارة تنفيذها «مطار الفجيرة» الذي سيبدأ العمل بإنشائه قريباً. كما اتخذت الخطوات اللازمة لإنشاء مصنع لتعليب الأسماك في الفجيرة ومصنع آخر للمياه المعدنية المتوافرة في الإمارة، وذلك بالاتفاق مع شركات عالمية. وهناك مشروع آخر لبناء مدينة سياحية في المدينة.
وأضاف سموه: إنَّ حِرْصَنا على تحقيق الازدهار الاقتصادي في البلاد دعانا إلى إنشاء بعض المصارف الوطنية، وسيتم افتتاحها في المستقبل القريب.
وعن النفط قال سموه: البترول خير، والخير إذا وجد في أي بقعة من الدولة فإنه يعم جميع أرجائها، كما هي الحال حالياً.
وقد علمنا من مصادر عدة أنَّ عمليات التنقيب جارية على قدم وساق في الأعماق البحرية أمام شاطئ دبا، وأنَّ الدلائل الأولية تبشر بالخير الذي تحدث عنه سموه. سألت سموه:
– ما أهم المعوقات أو الصعاب، في رأيكم، أمام مسألة التنمية في الإمارة خاصة، والدولة بصورة عامة، وكيف يمكن التغلب عليها؟
أجاب: هناك عوامل عدة تقف حائلاً أمام التنمية في الدولة ككل وأهمها:
1- عدم التنسيق في إنشاء المشاريع بين الإمارات الأعضاء.
2- تأخُّر صدور الميزانية السنوية، ما يؤدي إلى وجود وفرة في الميزانية العامة ناتجة عن عدم استعمال المبالغ المعتمدة للمشاريع؛ نظراً لضيق الوقت بين إصدار الميزانية وانتهاء السنة المالية.
3- الروتين وهمومه والمشكلات الإدارية التي تنتج عنه، ونأمل أن يتمَّ التغلب على هذه الصعاب في المستقبل القريب إن شاء الله.
وددت لو أنَّ الحديث مع سموه لم ينته، وكان بالإمكان أن يطول أكثر وأكثر، لولا حضور عدد من الزائرين، ما دعانا إلى اختصار الحديث لنفسح المجال لسوانا لمقابلة سموه.
ازدهار .. وعلامات على الدرب
في مثل هذه الأيام من العام الماضي كنت هناك، في الفجيرة، وكتبت يومئذ تحقيقاً عن هموم ومشكلات المواطنين البالغ عددهم 27 ألف نسمة حسب الإحصاء الأخير. كانت معظم الشكاوى تتلخص في مشكلات الماء والكهرباء والصحة والإعلام، وعدم وجود فنادق، لذلك فقد كان يتعيَّن على الزائرين العودة من حيث أتوا، أما الرسميون منهم فقد كانوا ينزلون في مضيف سمو الحاكم الذي جُهِّزَ بشكل جيد.
لذلك فقد كانت جولتنا في مدينة الفجيرة للاطلاع على ما تمَّ عمله خلال عام إزاء المشكلات المطروحة.
لفتت انتباهي الشوارع الجديدة التي شُقَّت وزُرِعَت بالأشجار والزهور والعمارات الجديدة والكبيرة التي بدأت تنتشر هنا وهناك على محاذاة الساحل، وذلك الفندق الكبير الذي أشرف على الانتهاء «هيلتون الفجيرة» الذي صُمِّمَ بشكل أفقي يتناسب ومتطلبات السياحة. ثمَّ هذا هو الموتيل الذي تمَّ إحضاره جاهزاً من الولايات المتحدة بواسطة طائرتي نقل كبيرتين ليحل مبدئياً مسألة الفنادق، حيث يضمُّ نحو ثلاثين غرفة ومزوَّد بمسبح وشاطئ جميل أمامه.
ويجري العمل في إنشاء ميناء الفجيرة الذي تتولى وزارة الأشغال تنفيذه، وكانت ثمة سيارات تنقل أكوام الصخور والأتربة وتلقيها فوق ذلك اللسان الترابي الذي بدأ يمتدُّ طولاً في البحر. ولفت انتباهي عدد القافلات العاملة في هذا المشروع الضخم الذي أمر بإنشائه صاحب السمو رئيس الدولة، والذي كان ينبغي أن تُجَنَّدَ له الإمكانات ليتم إنجازه بسرعة؛ إذ تطل من خلاله دولتنا الفتية على العالم من خلال بحر العرب، وليكون مواكباً للجهود المبذولة لجعل تلك المنطقة مشتىً عالمياً فريداً، نظراً لتوافر كل الشروط لنهضة سياحية ناجحة.
هموم الشباب
أما هموم الشباب، والقضايا الأخرى، فقد دعتنا إلى أن نقطع جولتنا ونعود إلى ديوان سمو الحاكم لنقابل رئيسه الشاب السيد سليمان موسى الجاسم.
تحدث بحماس الشباب المتدفق حيوية وعطاء، وأجمل معاناة بني جيله بجملة أمور هي:
– عدم وجود أماكن يقضي فيها الشباب أوقات فراغهم.
– عدم وجود الأندية النموذجية بالمعنى الصحيح، وافتقار الأنشطة الرياضية وافتقارها إلى كرة القدم.
– عدم وجود مكتبة عامة لائقة يمكن أن تسهم في التقليص من أوقات فراغ الشباب.
– انعدام النشاطات الصيفية ما يولَّد فراغاً قاتلاً، وغياب وزارة التربية والتعليم خلال هذا الفصل، حيث بإمكانها إقامة معسكرات وأنشطة مختلفة على غرار ما هو في الكويت، على سبيل المثال.
وعن العمل غير الكامل يضرب مثلاً عن شبكة الماكروويف التي أقامتها وزارة الإعلام في العام الماضي لتقوية البث الإذاعي والتلفزيوني، حيث كانت تظهر محطات تلفزيون أبوظبي ودبي ومسقط وسواها ولكن بشكل غير واضح، فماذا حصل بعد التركيب؟
لقد غابت جميع المحطات واقتصر البث على محطة أبوظبي، وإذا ما نظرنا من منظار نفسي فإنَّ المشاهد يسأم، وبالتالي مشاهدة المحطة الوحيدة، تماماً كسأمه من وجبة معينة يتناولها مراراً.
ثمَّ لدينا مكتبة عامة أسَّستها وزارة الإعلام، لكن هذه المكتبة قاصرة وضعيفة من جميع الوجوه.
سألته: وماذا عن الحركة الرياضية؟
ما زالت في طور النمو ولدينا 3 أندية، هي الأهلي بالفجيرة – العروبة بمربح ونادي دبا. وفي الوقت الذي تجد فيه شبابنا متحمساً للرياضة نجد أنَّ هذه الأندية غير مجهزة بالشكل المطلوب، كما أنَّ المساعدات التي تقدمها الوزارة غير كافية، ونطلب من المسؤولين عن الرياضة التركيز على نوعية المدرب الذي نصرف عليه كثيراً دون أن نستفيد منه شيئاً بالمقابل.