3,475 عدد المشاهدات
مركز جمال بن حويرب للدراسات – دبي
في أمسية ثقافية نظمها ” بن حويرب للدراسات”
الكائنات الخرافية في التراث الإماراتي حقيقة تاريخية
عبد العزيز المسلم: الخيال والحقيقة يجتمعان في الموروث الشعبي
جاء في معجم لسان العرب: (الخُرافة الحديثُ الـمُستَملَحُ من الكذب)
قال الباحث والأديب الدكتور عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، إن ما جاء في الموروث الشعبي الإماراتي حول الكائنات الخرافية ، يقوم في معظمه على شئ من الحقيقة والصحة رغم ما اعتراه من كثير من نسج الخيال والتضخيم.
في حين طالب عدد من حضور الأمسية التي نظمها مركز جمال بن حويرب للدراسات مساء الأحد الماضي، وتحدث فيها الدكتور المسلم عن ” الكائنات الخرافية في التراث الإماراتي”، بإجراء دراسات علمية حول تأثير الجينات على كثير من أبطال القصص الخرافية التي يعج بها الموروث الشعبي الإماراتي .
بدأت الجلسة بتقديم للباحث والمؤرخ جمال بن حويرب ، المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة ، أكد فيه على أهمية هذا الموضوع في المخيلة الشعبية الإماراتية ، والتي يعتبر الأستاذ الدكتور عبد العزيز المسلم خير من كتب فيها على مدى عقود ، والتي يؤكدها هذا الحضور الكبير من الباحثين والمهتمين ورجال الإعلام والصحافة.
وأضاف بن حويرب … شاع عند العرب في بلادنا أنهم إذا سمعوا كلاما غير مصدَّق ، أو قصصا خيالية أو كانت مستملحة ممتعة بحسب الموقف الذي تُذكر فيه؛ فإنهم يقولون مباشرة: هذي “خرّوفة” ويجمعونها على خراريف وكذلك تقول الجدات لأحفادهنّ هذه الليلة سأقصّ عليكم “خرّوفة” .
و”الخرّوفة” بفتح الخاء وتشديد الراء وضمها هي القصص الخيالية التي اخترعها الناس ليسلوا أنفسهم ويسمروا بها وأصلها الفصيح “خُرافة” بضم الخاء ، ومعناها القصص المستظرفة التي تروى ليلا ثم أصبحت علما على كل خبر كذب أو غير واقعي بعد ذلك، ولم يكن العرب يعلمون سبب تسمية هذه الأساطير بـ “خُرافة” بل كانوا كل ما يستظرفونه من القصص يطلقونه عليها، وقد قال معجم لسان العرب: (والخُرافة الحديثُ الـمُستَملَحُ من الكذب)، فهم لم يكونوا يعلموا بأصل اشتقاق هذه المفردة حتى أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصل اشتقاقها، تقول عائشة رضي الله عنها: حدث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نساءه ذات ليلة حديثا فقالت امرأة منهن يا رسول الله كأن الحديث حديث “خُرافة” فقال عليه الصلاة والسلام أتدرون ما خرافة ؟ إن خرافة كان رجلا صالحا من “عُذرة” أسرته الجنّ في الجاهلية فمكث فيهن طويلا ، ثم ردوه إلى الإنس فكان يحدث الناس بما رأى فيهم من أعاجيب فقال الناس حديث “خُرافة”.رواه أحمد .
ومن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يتبين لنا بأن هذا الرجل الصالح من قبيلة بني “عذرة” القضاعية واسمه “خُرافة” ولعلّ اسمه مشتق من خُرافة النخل وهو ما خُرف من رطبها، وقد وصفه نبينا بأنه رجل صالح فهو لم يكذب على قومه بما رآه ورواه عن الجن ولكنهم كذبوه بما رأى، حتى قالوا كلّ ما يسمرون به في الليل ويستملحونه من الأساطير حديث “خُرافة” ولكن رسولنا الأمين صدّقه ولهذا نحن نصدّقه وإن كان المثل أكبر وأشهر من تصديقنا أو تكذيبنا وحتى في عاميتنا لم يسلم منّا “خُرافة العذري” وقلنا للقصص الخيالية “خرّوفة”. “
الكائنات الخرافية
قال د. عبد العزيز أنه توقف عن الكتابة منذ نحو 6 سنوات ، بعد أن أصدر كتابه، ” موسوعة الكائنات الخرافية في التراث الإماراتي” ، الذي ترجم إلى لغات حية عدة منها الانجليزية ، الفرنسية والروسية ، وقد بيعت أعداد كبيرة منه في معرض موسكو الأخير للكتاب.
وأضاف … في هذه الدراسة في المخيلة الشعبية، أكدت على أن الكائنات الخرافية بأشكالها وأهوالها، سواء أكانت في إطار الحكايات الخرافية أو خارجها، وإن كانت قديماً تروى مشافهة ولا تفسر، كانت جميع عوالمها محجوبة معزولة عن التداول والمناقشة، وكثير من الحوادث والكوارث الشخصية والعامة التي حدثت في الماضي، كانت تُنسب أحياناً إلى الخوض في مثل هذه الأمور.
وتابع المسلم …إن مجتمعاً مثل مجتمع الإمارات كان يعيش في عزلة شخصية بحتة، وانفتاح اقتصادي كبير، فعلى الرغم من بساطة الحياة القديمة وبساطة الناس وطيبتهم النادرة، إلا أنهم كانوا كثيري الحيطة والحذر من الاتصال بالآخر، وهذا ساعد على بروز حالة من الانعزال عن التأثر بالأفكار الجديدة التي لا تمر إلا بقنوات معلومة، فالتأثر جائز، لكن الإجماع على الجديد كان ضرورياً، والانفراد كان سمة شاذة. لذا تعددت الرموز والإشارات لدى الإماراتيين واختلفت مدلولاتها في حياتهم وأدبهم الشعبي، وبرزت بشكل ملحوظ في تفكيرهم الظاهر والباطن.
وتابع … أما الحكاية الخرافية في هيئتها العامة، فتدخل ضمن أقسام الأدب الشعبي، أما في صفتها الخاصة ومضمونها فتأتي ضمن المعتقدات الشعبية وصيانة التقاليد، فلكل انحراف خلقي أو انحلال اجتماعي كان هناك كائن خرافي مخيف، مهمته ردع من تجرأ على تجاوز تلك الحدود، والآفات الاجتماعية كثيرة مثل الحسد والبغي والسرقة والزنا والخيانة والجشع والظلم وغيرها.
محاور وموضوعات
وقال المحاضر ، احتوى الكتاب على عناوين ومحاور وموضوعات عدة، من بينها، حكايتي مع الكائنات الخرافية، موسوعة الكائنات الخرافية، تجربة رائدة، وتناول الكتاب نحو 37 كائناً خرافياً في الحكايات الإماراتية منها “الراعبية” ، “السعلوة” ، “الضبعة” ، “الضباحة” ، “أم الدويس” ، «بابا درياه»، «خطاف رفاي» و” أبو السلاسل ” وغيرها من الكائنات الخرافية، وبحث في أصلها ومكانته ونظرة المجتمع لها، كما تناول قراءة في بنية الموروث الحكائي الشعبي في الإمارات وغيرها .
واعتمد تنفيذ الكتاب على الرسم، إذ استعان المؤلف بأربعة رسامين اعتمدوا على المنهج البحثي.
ويتكوّن الكتاب من أقسام عدة أهمها: اسم الكائن، والبيئة التي اشتهر فيها، وأصل وتفسير هذا المسمى، كما يتناول المصادر التي تحدثت عنه وتناقلته، وأصوله وذكره في الأدب العربي القديم.
التراث الشعبي
قال المحاضر …إن الأدب الشعبي ، سواء كان مادياً أو غير مادي ، ما هو إلاّ تعبير جمالي لتجربة إنسانية من منظور جمعي ، وظائفه ( المتعة ، التسلية والترفيه) ، ويقود إلى التربية ، التعليم والتثقيف.
ومن أشكاله أن يكون مرسلاً ( عبارات دارجة ، أمثال ، ألغاز، معضلات وحكايات).
أو يكون موزوناً ( حكايات مغناة ، شعر وأهازيج ).
وأضاف … بالنسبة للحكايات فتشمل ( خريريفات ، حكايات مغناة ، خراريف ” الحزوات” ، حكايات خرافية.
-الحكايات التاريخية : تشمل” الهجرات ، الصراعات ، القحط والأمراض الوبائية.
-حكايات التذكر والتجارب اليومية ” السوالف”.
-حكايات المعتقدات ، الأمثال ، الدينية ، الهزلية والفراسة. إضافة إلى قصص الحيوان والقصص الشعرية.
أما أشكال الكائنات الخرافية فتنقسم إلى صور عدة تبعاً للشكل السردي الواردة فيه الشخصية. منها الشكل البشري ، أنصاف البشر ، حيوانات ، نباتات، جماد ، جن وشياطين.
وتطرق المحاضر إلى بعض الحكايات الخرافية التي جاءت في الموروث الشعبي الإماراتي ، مثل حكاية بوشراع ، أبوسلاسل ، فتوح ، وسدرة الصنم في الشارقة . وقصص تعرض لها شخصياً قبل أن يختتم بقوله أنه حاول أن يكون في تقديمه راوية وليس أكاديمياً .
حضور وحوارات
شهد الأمسية حضور كبير يتقدمهم جمع من الأكاديميين والمهتمين والإعلاميين والأدباء منهم الدكتورة مريم مطر ، الأستاذة منى حماد ، مرشحة المجلس الوطني الاتحادي ، الأستاذ محمد الدراجي ، القنصل الجزائري العام في دبي ، المستشار التراثي أحمد محمد عبيد ، المستشار التراثي عبدالله بن جاسم المطيري ، المستشار التراثي رشاد بوخش ، خالد الجلاّف ، د. يوسف شراب ، سعيد النابودة ، د. شهاب غانم ، د.معتز عثمان ، عادل المدفع ، عبد العزيز الرستماني ، محمد صالح بداه وغيرهم.
واختتمت الجلسة بحوارات عدة شارك فيها عدد من الحضور ، كان من أبرزها تساؤل محمد الدراجي عن الحقيقة العلمية في الحكايات الخرافية بالتراث الشعبي . فأجابه المحاضر …هو سؤال مهم ، لكن هذه الحكايات ، تبقى موروثاً شعبياً ، رغم كل ما لحق بها من تضخيم وإضافات ، وأعتقد أنها لا تتعارض مع بعض الحقائق العلمية .
أما الدكتورة مريم مطر فتحدثت عن تأثير الجينات في كثير من شخصيات الحكايات الخرافية ، وطالبت بتشكيل لجنة لدراسة تأثيرالجينات على الكائنات الخرافية في التراث الإماراتي .
إضاءة
الدكتور عبدالعزيز المسـلّم، كاتب وباحث إماراتي، مستشار في التراث الثقافي، ولد في مدينة الشارقة عام 1966 ميلادي , وقد عرف باهتماماته البحثية والعلمية في التراث الثقافي الخليجي والعربي وله جهود ملموسة في دعم الباحثين والمؤسسات المعنية بالتراث، حاصل على الدكتوراة في التاريخ والتراث من جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء بالمملكة المغربية.
يشغل حاليا منصب رئيس معهد الشارقة للتراث ورئيس تحرير مجلة الموروث ومجلة مراود، وهو عضو تنفيذي في عدد من المنظمات والجمعيات الدولية المعنية بالتراث الثقافي، نال جوائز وأوسمة إماراتية وخليجية، له مجموعة إصدارات في الثقافة والحكايات الخرافية والذاكرة الشعبية والشعر النبطي
ترجمت بعض أعماله الى الإنجليزية والفرنسية والروسية والإيطالية والاسبانية والتشيكية.