1,830 عدد المشاهدات
الكاتب: علي عبيد الهاملي -كاتب إماراتي
تزامناً مع افتتاح متحف «اللوفر أبوظبي»، وضمن سلسلة التغطية الخاصة التي أجرتها صحيفة «إل موندو» الإسبانية عن افتتاح هذا المعلم الحضاري، نشرت الصحيفة تقريراً مطولاً تحت عنوان «حلم الشيخ زايد يصبح حقيقة في أبوظبي». وذكرت الصحيفة أنَّ افتتاح نسخة «اللوفر أبوظبي» أمنية ظلت تراود الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسِّس دولة الإمارات العربية المتحدة. ونقلت تصريحاً لأحد أعضاء الفريق المشرف على المشروع، قال فيه: إنَّ الحلم قد بدأ قبل 23 سنة، حين زار الشيخ زايد، طيَّب الله ثراه، متحف اللوفر في باريس، صحبة مستشاره الثقافي، وقال: «يوماً ما سيكون لدينا متحف شبيه بما نشاهده الآن»!
هذه المقولة أكّدها لي معالي وزير الدولة زكي نسيبة، الذي كان مع الشيخ زايد، طيَّب الله ثراه، في تلك الزيارة، وسمع منه هذه الأمنية. فمن يصدق أنَّ الشيخ زايد، رحمه الله، قد حلم بأن يكون لدينا في دولة الإمارات متحف شبيه بمتحف اللوفر قبل 23 عاماً من تحقيق هذا الحلم؟ لقد تحقَّق حلم زايد، ولم يصبح لدينا متحف شبيه بمتحف «اللوفر باريس» فقط، وإنما نسخة منه، بعد عقدين تقريباً من ذلك الحلم الذي راوده، طيَّب الله ثراه. وهذا يثبت لنا أنَّ الشيخ زايد لم يكن حاكماً عادياً، وإنما كان زعيماً وقائداً استثنائياً لا تحدُّ طموحاته وأحلامه حدود، حتى لو بدت هذه الأحلام في وقت من الأوقات مستحيلة أو صعبة التحقق، مثل حلم افتتاح متحف يشبه «اللوفر باريس» في أبوظبي، لما يعرفه الجميع من حرص الفرنسيين على مقتنياتهم ولوحاتهم وآثارهم، ولما هو معروف عن قيمة ومكانة متحف «اللوفر» الفنية والمادية، الأمر الذي يجعل الحكومة الفرنسية تفكّر ألف مرة قبل أن توافق على إقامة فرع من هذا المتحف في أي مكان خارج فرنسا، لكن ما تتمتَّع به دولة الإمارات العربية المتحدة من مكانة مرموقة، وما تتمتَّع به العاصمة أبوظبي من سمعة عالمية، جعل الحكومة الفرنسية لا تتردَّد في الموافقة على إنشاء متحف «اللوفر أبوظبي» فيها. وقد جاء المتحف على شكل أيقونة فنية فريدة ذات قيمة عالية، صممها المعماري الفرنسي الشهير جان نوفيل، الحائز جائزة «بريتزكر» العالمية، مستلهماً ملامحه من تقاليد الثقافة المعمارية العربية. وقد نقلت صحيفة «إل موندو» عن أحد المشاركين في إعداد الأروقة الفنية في المتحف قوله: «إنَّ هذا المشروع ليس نسخة من المتحف الفرنسي، ولا هو يسعى لأن يكون شبيهاً به، بل يكمن الهدف وراء تأسيسه في أن يكون اللوفر الخليجي أعظم متحف يتمُّ بناؤه في العالم في القرن 21».
في الثامن من نوفمبر 2017 افتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وفخامة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في العاصمة أبوظبي، متحف اللوفر أبوظبي، بحضور عدد من الملوك والرؤساء، وممثلي الدول الشقيقة والصديقة. ويعدُّ “اللوفر أبوظبي” أوَّل متحف من نوعه في العالم العربي بمقتنياته التاريخية والحضارية النادرة، وبهندسته المعمارية الفريدة.
في الكلمة الافتتاحية التي ألقاها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قال سموه: إنَّ التاريخ هو مسيرة متواصلة من البناء الحضاري بين مختلف الشعوب، وإنَّ حضارتنا العربية والإسلامية لم تقم إلا على الحضارات التي سبقتها، ولم تبدأ النهضة الأوروبية إلا بعد تواصلها مع حضارتنا الإسلامية. وأضاف سموه: إننا نعيش اليوم حضارة عالمية إنسانية مشتركة، أهم ما يمثلها هو متحف اللوفر في أبوظبي، كرمز للتلاقي الفكري والإنساني، وعنوان للتسامح والتواصل. وفي الكلمة التي ألقاها إيمانويل ماكرون في حفل الافتتاح، عبَّر الرئيس الفرنسي عن إعجابه بالنموذج الذي غدت تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة في العالم اليوم، واصفاً إياها بنقطة التقاء العالمين الغربي والعربي، وملتقى الشعوب والحضارات، والصديق الأقرب لأوروبا، مؤكداً أنَّ الإمارات نجحت، وبشكل كبير، في تحقيق توازن استراتيجي في علاقتها بالقارات الأوروبية والإفريقية والآسيوية.
منارة التسامح
هذا النموذج الذي تحدث عنه الرئيس الفرنسي لم يأتِ من فراغ، وإنما نتيجة الجهود التي بذلها القائد المؤسِّس الشيخ زايد، طيَّب الله ثراه، ونتيجة أحلامه الكبيرة التي تحوَّلت إلى حقائق على أرض الواقع بأيدي أبنائه بعد رحيله، حيث استلهموا الحلم من الوالد المؤسِّس، ومضوا يحقِّقون ما لم يتحقَّق في حياته من أحلام. لهذا كانت إشارة الرئيس ماكرون في محلها حين قال: «إنَّ متحف اللوفر أبوظبي هو ثمرة رؤية حكيمة وثاقبة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، نهلها من حكمة ورؤية والده المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه».
كلُّ هذا يؤكد أنَّ دولة الإمارات العربية المتحدة ليست دولة نفط وتجارة وحجارة، وإنما هي دولة إرث إنساني أصيل، وثقافة عميقة، وحضارة راسخة. لهذا قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في كلمته الافتتاحية: «إنَّ قوتنا كبشر في تواصلنا، وقوتنا في تبادل ثقافاتنا، وقوتنا في التعلم من إبداعاتنا المختلفة، وقوتنا في تلاقي العقول وتعارف الشعوب وتحالف الحضارات». وتوجَّه سموه بالشكر إلى الرجل الذي حقَّق حلم زايد، وأنجز هذا المشروع قائلاً: «أحبُّ أن أشكر الرجل الذي وقف خلف هذا المشروع، وليدفع العالم حضارياً وثقافياً للأمام. شكراً أخي محمد بن زايد.. مشروعك يمثِّل جزءاً من إرث زايد الذي تحمله في قلبك.. إرث زايد في حب الإنسانية وخلق التقارب والتواصل بين البشر والحضارات». ولهذا فإننا لا نجاوز الحقيقة حين نقول إنَّ «اللوفر أبوظبي» هو حلم زايد الذي تحقَّق.