1,187 عدد المشاهدات
مدارات ونقوش – دبي
محطات عديدة مر بها المسرح في الإمارت، شكلت جزءاً من تطور هذا الفن الذي يوصف بـ«أبي الفنون» وحلقة مهمة من حلقات تطوره على المستوى العربي، ما جعل من الإمارات وجهة ثقافية تعيد أمجاد المسرح العربي من جديد، بعد أن تلاشت قلاعها التقليدية في بغداد ودمشق وبيروت والقاهرة والقيروان، هذا ما كشفته محاضرة للدكتور عبد الإله عبد القادر مدير مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، استضافها مركز جمال بن حويرب للدراسات في دبي بعنوان «المحطات الرئيسة لتطور المسرح في الإمارات».
أمن الثقافي
المستشار جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، رئيس المركز، في بداية المحاضرة قال إن المسرح الإماراتي بحاجة إلى مزيد من الاهتمام، ليواكب النهضة الشاملة التي تشهدها الدولة في شتى الميادين.
فيما أوضح الدكتور عبدالإله، بأنه قبل أن نذهب إلى واقع المسرح في دولة الإمارات، وكيفية تطويره والنهوض به، لابد من إلقاء الضوء على حال المسرح العربي حالياً، الذي يعيش أزمة حقيقية يصعب التخلص منها حالياً، منوهاً إلى أننا اليوم بحاجة ماسة للأمن الثقافي والفني العربي، تماماً كحاجتنا إلى الأمن القومي، والأمن الغذائي وغيرها.
وقال عبد الإله إنه من المعروف أن مراكز المسرح العربي التقليدي، كانت تنحصر في بغداد، ودمشق، والقاهرة وتونس، ومن بعدها أصبحت الكويت مركزاً مهماً في منطقة الخليج. إلاٌ أن هذه المراكز تضاءل دورها، بل إن بعضها توقف تماماً وبالكامل، والآخر في طريقه إلى التوقف!
واستطرد قائلاً: دمشق، كان فيها أهم مهرجانات المسرح العربي، مهرجان دمشق الدولي، الذي توقف وتوقفت معه فعاليات مهمة عدة، ومجلة «الحياة المسرحية»، التي أدارها الراحل سعدالله ونوس وشكلت مرجعاً مهماً في الحياة المسرحية العربية، لكنها توقفت هي الأخرى.
أما بغداد ومهرجاناتها الدولية للمسرح العربي، وعدد كبير من المجلات المتخصصة بالمسرح والسينما، فقد توقفت بسبب الحروب والغزو، وتشرد الكتٌاب والمسرحيون في أرجاء المعمورة، بعد أن كان في بغداد خيرة المخرجين والكتٌاب والمسرحيون العرب. ولم يكن في العراق مهرجان واحد للمسرح، بل فيه مهرجانات تخصصية عدة على مستوى الدولة، وكانت تلك الأنشطة تفرز خيرة الفنانين والمسرحيين، الذين انتشروا في البلاد العربية، يقدمون تجاربهم من أجل خلق حركة مسرحية عربية.
غياب العمالقة
وأضاف، أما القاهرة، وكما ترون، فقد تراجع دورها في المسرح العربي، رغم محاولات متفرقة للنهوض به، واعتمدت على المسرح التجريبي، لكنه سرعان ما تراجع وانتهى!. وكذلك غابت المجلات المتخصصة بالمسرح، وتقلُص موسمها المسرحي السنوي، وهناك شبه توقف للمسرح القومي، المرجع الأساسي للمسرح العربي.
كما غاب عمالقة المسرح، سواء بالموت أو لأسباب قاهرة، وأصيب المسرح المصري بالشيخوخة التي لم تكن متوقعة. وربما ظلٌت القاهرة مصدراً للدراما التلفزيونية أكثر من دراما المسرح.
أما الحال في تونس والمغرب، فليس بأحسن من بغداد ودمشق والقاهرة، كما أوضح المحاضر، فلم نعد نسمع بمهرجان قرطاج المسرحي في تونس، أو نتلمس له أثرً في في التجارب العربية المسرحية، وغاب العديد من رموز المسرح من تونس والمغرب، حيث كنا ننظر إلى دورهم في الحياة المسرحية بكثير من الإعجاب والتاثُر.
أما المسرح الكويتي، الذي كان مؤثراً في منطقة الخليج، وبعد غياب رواده من المبدعين، أمثال صقر الرشود وعبدالحسين عبد الرضا وسعد الفرج، الذين شغلوا الخليج والوطن العربي في مسرحية “باي باي لندن” و”محكمة الفريج”، فلم نعد نلمس لهذا المسرح أي تأثير، بسبب غياب عمالقته من المسرحيين.
وحصر الدكتور عبدالإله عبدالقادر، مجموعة من النقاط تلخص أزمة المسرح العربي وتتمثل في:
– انعدام الدعم وضعف موارده.
– فقر الإنتاج وضعف النص المسرحي.
– الابتعاد عن هموم الإنسان اليومية.
– عدم الاستقرار الأمني في معظم الدول العربية.
– تطور التقنيات، وتجاوزها لتقنيات المسرح.
– هيمنة الدراما التلفزيونية، والفضائيات التي أصبحت بديلة لكل إنسان.
– تغير مفاهيم الحياة، وتطور «ميديا النت» وتطور تقنيات السينما التي وفرت للإنسان بدائل جاهزة.
مسرح الإمارات
وانتقل المحاضر للحديث عن تاريخ المسرح في الإمارات قائلاً: لا أريد أن أقدم سرداً عنه، خاصة بعد صدور كتب عدة، تتحدث عن انطلاقة المسرح في الإمارات، وكيف نشأ وتطور، إلاٌ أنني أود التركيز على محطات تعتبر المؤشر على ذلك، وأبدأ بما ذكره صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة عن حكاية »صندوق الدنيا«، وكان عمر سموه يومها 9 سنوات، إذ يقول: إن رجلا جاء من العراق، يحمل صندوقاً فيه صور متحركة، لكن الأهالي الذين لم يشاهدوا شيئاً كهذا سابقاً، ارتعبوا ظناً منهم أن فيه جان، وعندما وصل الأمر إلى الشيخ صقر القاسمي، حاكم الشارقة آنذاك، استدعى الرجل وأكرمه، وطلب منه العودة إلى العراق.
وأضاف د. عبد الإله، إذا ما أردنا تحديد الإرهاصات الأولى لانطلاقة المسرح في الإمارات، فنعود إلى العام 1950، وإلى مدرسة القاسمية في الشارقة، التي تعتبر واحدة من أوائل المدارس النظامية، وفيها مجموعة من الأساتذة الأفاضل، منهم زهدي الخطيب، محمد دياب الموسى، وعلي بورحيمة، الذي قام بتأليف وتمثيل أول مسرحية في مدرسة القاسمية، عنوانها »الحطٌاب وبنت السلطان«، كما يروي الشيخ سلطان، غير أن هذه المسرحية أصبحت المحطة الأولى لانطلاقة المسرح، دون أن يدري علي بورحيمة وقتها أنه يؤسس لحركة مسرحية في الإمارات، ستأخذ أبعاداً مهمة مستقبلاً.
واستطرد المحاضر، في العام 1955، قام مجموعة من الطلبة بتقديم مسرحية «جابر عثرات الكرام» لمحمود غنيم، وكان على رأسهم الشيخ سلطان القاسمي، والراحل تريم عمران تريم، ومحمد حمد الشامسي، وكذلك الأخوين أحمد ومحمد ناصر وخلف الفندي ومحمود خير الله، وأخرجها فايز أبو نعاج، ثم أعيد إخراجها في العام 1957 على يدي أحمد العدواني.
وأضاف المحاضر، أما في دبي، فيذكر الأستاذ زهدي الخطيب أن أول مسرحية، شهدتها مدارس دبي، كانت في العام 1958، بعنوان «جامع الذهب»، كان سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي، يمثل فيها وكان معه جمعة غريب.
إذن يمكن أن نحدد النشاط المسرحي المدرسي، في الشارقة بدأ العام 1950 في المدرسة القاسمية، على يدي علي بورحيمة، وفي دبي العام 1958 في المدرسة الأحمدية، وفي العام 1960 في المدرسة القاسمية برأس الخيمة.
وتطرق المحاضر إلى دور النوادي الرياضية الثقافية في الحركة المسرحية بالدولة، وأشار إلى جهد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في هذا المجال، حيث قدم سموه عملاً مسرحياً من تأليفه وتمثيله، بعنوان «وكلاء صهيون»، أغضب الحاكم البريطاني يومها، وأصر على إغلاق المسرح. ثم أعيد إخراجها العام 1963 في نادي الشعب بالشارقة.
وذكر المحاضر مسرحية «الإسلام والتعاون»، لجمعة غريب، التي قدمها العام 1959، خرجت على إثرها مظاهرة طافت شوارع دبي، تنادي بالحرية والاستقلال.
قيام دولة الاتحاد
وأضاف الدكتور عبدالإله عبد القادر، إن قيام دولة الاتحاد فجٌر ثورة تعليمية في جميع أنحاء الدولة، قادها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تعتبر مفصلاً أساسياً في الثقافة بصورة عامة، والمسرح والتعليم بخاصة. إذ استقدمت وزارة التربية والتعليم مئات بل آلاف المدرسين، كما استقدمت الفنان زكي طليمات من مصر، لوضع خطة تستهدف النهوض بالمسرح، وبخاصة المسرح المدرسي الذي كان عماد الحركة المسرحية في الإمارات.
وبعد طليمات، جاء صقر الرشود من الكويت، الذي يعتبر، رحمه الله، ثروة كبيرة، وفكراً مسرحياً، قل مثيله، وكان أحضر معه أستاذه إبراهيم جلال، الذي كان أول من أدخل العلم إلى المسرح، وأول من أدخل مسرح «بريشت» إلى المسرح العربي، ونقل شباب الإمارات إلى مهرجان دمشق الدولي. وقد حلٌ محل صقر الرشود بعد وفاته بحادث سير في الكويت.
وقد تشكلت معظم الفرق المسرحية في الدولة، بتواريخ متقاربة، حيث أصبح لدينا نهضة ثقافية ومسرحية.
وتطرق المحاضر إلى دور كل من المخرجين إبراهيم الشطي وجواد الأسدي في تطوير المسرح الإماراتي، لكن منهج الأسدي، الذي يعتبر مفجر طاقات الشباب، والذي أحضر معه أكثر من أربعين شخصاً، كان صعباً، فانفض المسرحيون من حوله، ولم يبق معه سوى ناجي الحاي وسميرة أحمد وإبراهيم جمعة.
ووسط هذه المعطيات، انبثقت فكرة تنظيم مهرجان مسرحي محلي؛ أيام الشارقة المسرحية، التي لاتزال مستمرة إلى يومنا هذا، بدعم لا محدود من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الذي أمر بتشكيل الهيئة العربية للمسرح، وأنيط بها تنظيم مهرجانات مسرحية سنوية، في البلاد العربية، لتعويض ما نتج عن غياب مهرجانات دمشق وبغداد والقاهرة وقرطاج.
واختتم المحاضر قائلاً، «وبذلك تكون دولة الإمارات العربية المتحدة ، قد أعادت للمسرح العربي تألقه ونشاطه».
مداخلة مسرحية
الباحث راشد بن هاشم، قدم مداخلة عن بدايات المسرح في الإمارات، وعاد بالذاكرة إلى فترة بداية الستينيات من القرن الماضي، كونه أحد المشاركين في بعض المسرحيات آنذاك. وقال، في مطلع الستينيات قدمنا في نادي النصر الثقافي والاجتماعي والرياضي، الكائن في منطقة الشندغة بدبي، حينها، وتحديداً في بيت المرحوم عتيق بن أحمد المري، قرب بيت الشيخ جمعة بن مكتوم، مسرحية كانت بعنوان «طبيب الأسنان»، من تأليف المرحوم الشيخ ماجد بن عبيد بن جمعة آل مكتوم، الذي أخذ دور الطبيب فيها، بينما أخذ دور الممرض أحمد بن محمد المنصوري، ودور العنصر النسائي قام به عبدالله مبارك بالزمول، أما صبي العيادة فكان راشد بن هاشم، ولحن المسرحية المرحوم إسماعيل حنكوس. وعرضت على مدى أربع سنوات، في كل عام مرة.
وأضاف بن هاشم، في العام 1969، تم عرض «مسرحية الفوالة»، بحضور المغفور لهم بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، والشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، طيب الله ثراهم، وذلك بمناسبة تدشين بئر نفط «مرغم»، آنذاك.
وعرضت المسرحية في المقر الجديد لنادي النصر، قرب الحوض الجاف، وكانت من تأليف المرحوم الشيخ ماجد بن عبيد بن جمعة آل مكتوم، والممثلون إضافة إلى المؤلف هم، عبدالله بن مبارك بالزمول، راشد محمد بن هاشم، وعبدالوهاب محمد عبدالوهاب، وزعل خليفة، وموزة المزروعي، وتعتبر أول عنصر نسائي يشارك في مسرحية محلية، والمرحومة منى مبارك بالزمول التي أخذت دور ابنة موزة في المسرحية.
وشاركت الفرقة الماسية المصرية في عزف موسيقى المسرحية، بمشاركة المرحومين عبدالحليم حافظ، شكوكو، والفنانة شريفة فاضل “أم البطل”. وشارك كذلك كل من الفنانين المبدعين، المرحومين، بخيت الشيخ وحارب دروب «الرميثي».
تفاوت اللهجات
وجرى في نهاية الجلسة حوار مطول بين المحاضر والحضور حول تفاوت اللهجات العربية بين المشرق والمغرب، ما يؤثر على فهم المشاهدين، لما تطرحه المسرحيات. فقد قال القنصل الجزائري في دبي، محمد الدرجي، «المسرح مثل الشعر والرواية والقصة، يعكس البيئة الثقافية في البلد، لكن هناك إشكالية تتمثل في تفاوت اللهجات، بين هذا البلد وذاك، ما يجعل المتابع أو المتفرج يواجه صعوبة في الفهم والمتابعة، ونحن في الجزائر نحتاج إلى مترجم، عندما نشاهد أو نتابع المسرحيات الكويتية، مثلاً».
وتابع الدراجي، المسرح أضحى مثل ملعب كرة القدم، فقد بدأ تعليمياً، ثم أصبح رمزياً، واليوم يقف عند مفترق طرق، بين الشعب والحكام، هل ينحاز إلى جانب الشعب، أم إلى جانب السلطة؟.
في حين قال الكاتب والباحث والشاعر د. شهاب غانم، الحياة مسرح كبير، وهذا يعني أن المسرح أبو الفنون، فهل استفاد المسرح في الإمارات من حركة الترجمة العالمية؟. وهل هناك مسرح شعري في الإمارات؟.
فأجاب المحاضر على التساؤلات قائلاً، أما بالنسبة لدور المسرح فإنه يمثل بيئة عصره، وفي دولة الإمارات، فبعد قيام الاتحاد، كان هناك تقارب كبير، بل انصهار لامثيل له بين الشعب والسلطة، والمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد كان بمثابة أب لكل المواطنين، بل وحتى للمقيمين في الدولة، لذا فقد كان هناك دور كبير للمسرح، وكان في أوج قمته.
وأضاف، بالنسبة للمسرحيات المترجمة، فإن المسرح الإماراتي لم يقدم أكثر من 10 منها، نحن اعتمدنا على المسرح العربي فقط. أما المسرح الشعبي، فإنه لايوجد لا في الإمارات، ولا في الوطن العربي.
واقعة طريفة
في تقديمه بداية الجلسة للدكتور عبدالإله عبد القادر، والتعريف به كمسرحي وقاص وكاتب، روى الإعلامي حسين درويش، واقعة طريفة جرت للمحاضر عندما كان يستقل قطاراً، ذات يوم من خمسينيات القرن الماضي، فجاء أحد رجال الشرطة ليفتش حقيبته، وبعد أن سأله، ماذا تحمل فيها؟، أجاب عبد الإله لا أحمل شيئاً، فقام بتفتيشها ووجد فيها قصيدة تشتم فيها الماركسية. عندها خيّره الشرطي بين أمرين، السجن، أو حرق القصيدة والتعهد بعدم كتابة الشعر مدى الحياة. فآثر المحاضر الشرط الثاني، وبذلك يكون الشرطي خلٌص العالم من شاعر رديء!