1,092 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
بقيت أسطورة «وضّاح اليمن*» خالدة عبر القرون، منذ اختفائه الغامض في سنة تسعين للهجرة حتى اليوم، وكان مبدأ الأخبار عنه في زمنٍ متأخر عن زمانه فلم تصلنا قصته إلا في زمن بني العبّاس، مما جعلني أشك في كل هذه الروايات، وأبحث عن مصادرها وهي على قلتها سنجدها إما منقطعة أو رويت بروايات مختلفة، وإذا تتبعنا أسانيدها فإننا سنجدها إما تذكر أم البنين بنت عبدالعزيز أو تذكر أم البنين من غير نسبة، وبعضهم يقول إنها زوجة الوليد بن عبدالملك، وآخرون يقولون هي زوجة يزيد بن عبدالملك وهذا ما سأختصره لكم، لتعلموا أيها الأعزاء براءة أخت أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من هذه التهمة.
أم البنين
هي أم البنين بنت عبدالعزيز بن مروان أخت عمر وزوجة الخليفة الوليد بن عبدالملك، تزوجها في مصر عندما كان والدها عبدالعزيز والياً عليها، وقد كانت نعم الزوجة وعرفت بصلاحها وكرمها ومواقفها، وكان الوليد لا يرد لها طلباً ولها قصة مشهورة مع الحجاج عندما دخل بسلاحه على الوليد فطلبته وقالت: «إيه يا حجاج، أنت الممتنّ على أمير المؤمنين بقَتْلك عبد الله بن الزًّبير وابن الأشعث؟ أما والله لولا أنّ الله علم أنك من شرِار خَلقه ما ابتلاك برَمْي الكَعبة، وقَتْل ابن ذاتِ النِّطاقين، وأوَّل مولود وُلد في الإسلام».
وقال ابن الجوزي في تاريخه المنتظم: «أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان أخت عمر رضي الله عنه: كانت من الأجواد الكرماء، وكانت تقول: لكل قوم نهمة في شيء، ونهمتي في العطاء، وكانت تعتق في كل جمعة رقبة وتحمل على فرس في سبيل الله عز وجل». وقد روى عنها غير واحد قولها في البخل: «أفٍّ للبخيل لو كان البخل قميصاً ما لبسته ولو كان طريقاً ما سلكته».
اختلاف الروايات
من العجيب في قصة «وضّاح اليمن» على قلة من رواها وكثرة الخيال فيها، أنّ رواتها إما من الضعفاء المتروكين الذين لا يصح الاستشهاد بهم أصلاً كما هو حال عمر المؤملي، الذي يقول فيه أبو زرعة الحافظ: ليس على يعقوب الزهري قياسٌ؛ يعقوب الزهري وابن زيالة والواقدي وعمر بن أبي بكر المؤملي يقاربون في الضعف في الحديث وهم من الواهين، وقال أحمد بن طاهر قال لي أبو عثمان: عمر بن أبي بكر المؤملي آفة من الآفات.
وقد روى غير واحد من المؤرخين بأسانيدهم إلى أبي مسهر عبدالأعلى الغساني هذه القصة ولكن بروايةٍ مختلفةٍ، فقد روى أبو مسهر أن أم البنين ـ ولم يذكر أباهاـ نشأت مع وضّاح اليمن وتعلقها وهو صغير مما يدلّ على أنها من أهل اليمن وليست أم البنين بنت عبد العزيز المذكورة.
ويمكن أن نسوق من الحجج أيضاً على بطلان القصة من أصلها أنّ هذه القصة تختلف عند هشام بن السائب، فقد رواها لامرأة تدعى أم البنين تزوجها يزيد بن عبدالملك وليس الوليد.
لتعلموا أيها الكرام أنّ أم البنين لم تكن لتفعل ما رميت به باطلاً، ولم أذكر القصة تنزيهاً لهذه الشريفة العفيفة، وحاشاها أن يُظنّ بها الظنّ وهي الكريمة بنت الكرام ، وما كان ينبغي لواعظٍ كريمٍ مثل الشيخ المغامسي أن يروي هذه القصة المكذوبة، فترسخ في قلوب الناس وهم لا يميزون، لأن الشك يحتمل الحقيقة والباطل، بل كان الأولى عدم ذكرها من أصلها، وليس هناك معصوم من الخطأ، ولكنّ الروايات المشكوك فيها أو الباطلة مثل قصة وضاّح هذه يجب أن ترمى في مزبلة التاريخ، لا أن تروى على رؤوس الأشهاد، هذا ولأم البنين مواقف أخرى مشرفة لعلي أخصها بمقالة لنتعرف إليها أكثر.
نشر في البيان
بتاريخ: 02 أغسطس 2012