2,658 عدد المشاهدات
قبل مئات السنين كانت المراسلات بين الملوك والحكَّام والأباطرة تتم عن طريق المرسال، الذي قد يكون طائراً أو رسولاً أو صوتاً معيناً، وكانت هذه هي طرق التواصل والتفاعل بين الناس آنذاك. كانت تطول في الزمان وفي المحتوى، غامضة اللغة والأسلوب، ولا يفهمها إلا أهل عصرها.
ما بقي منها اليوم يعدُّ من النوادر والآثار التي تعبِّر عن حالة المجتمعات آنذاك، وعن نظم حكمها، وأساليب الحياة بها. وفي هذا العدد لدينا رسالة قديمة فارسية الأصل، أُرْسِلَت إلى السيد أقا ميرزا محمد علي خان، تناولت أحوال الغوص في الأماكن التي يرتادها الناس لاستخراج اللؤلؤ آنذاك، صدرت في مجلة (الكويت) في الجزء الثالث الصادر بين مارس 1928 ومارس سنة 1930، لصاحبها الأستاذ عبد العزيز الرشيد.
تضمَّنت الرسالة حديثاً مهمًّا عن الغوص وأنواعه، والأماكن الموجود فيها، ووضع البحَّارة في عشرينيات القرن الماضي في الجزيرة العربية، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة أيضاً، وهذا ما جاء فيها:
عمان الشيوخ – بنادر عمان تنقسم إلى قسمين؛ الأول منها هو البنادر المستقلة التي تكون تحت سيطرة الشيوخ المستقلين أمثال “أبوخبى” و”الشارجة” التي تسمى أيضاً الشارقة.
رأس الخيمة كانت مشهورة فيما مضى باسم جلفار بوزن جلنار، وعجمان وحمرية، وكان لكل هذه البلدان حاكم مستقل تحت قيادة الإنجليز وحمايتهم.
عمان مسقط، والقسم الثاني منها هو عبارة عن البنادر التي تكون تابعة لإمارة مسقط، وذلك أمثال بندر صحار والسويق ومصنعه بوزن البحار والحريق ومقنعة، وهذه البنادر معروفة بالباطنة ومعيشة أهاليها من محصول النخيل والزرع وقصب السكر والتوتن لا من الغوص.
المغاص المحل الذي يصاد فيه اللؤلؤ يسمَّى مغاصاً، وكل بقعة منه تسمَّى هيرا جمع هيرات، والهير عبارة عن مرتفع في البحر الذي تكون مياه أطرافه أعمق من المياه التي تكون على سطحه، وتمر البواخر من جانبه بكل احتياط ودقة خشية من تلك المرتفعات؛ أي الهيرات. وقد تكون الهيرات موقعاً خطراً في طريق سير السفن والبواخر، ولهذا أُشِّرَت تلك المواقع في الخرائط المرسومة لدلالة نواخذة السفن وربابنة البواخر، كي يكونوا في انتباه عند مرورهم عليها.
وفي الآونة الأخيرة، ألَّف راشد بن فضل آل بوعينين كتاباً خاصاً، وعيَّن فيه جميع الهيرات مع بيان فواصلها وأعماقها وأسمائها، وسمَّاه(مجاري المداية) وطُبِعَ سنة 1341 في مطبعة البحرين في المنامة.
والهيرات أغلبها واقعة في البحار المستقلة، ولا يبعد واحد منها عن الساحل أكثر من أربعة أميال. ومن تلك الأسباب لم يتمكَّن الشيوخ المستقلون في عمان وشيوخ قطر والبحرين والكويت أن يجعلوها من ممتلكاتهم الخاصة وتحت حكمهم، ويمنعوا الغواصين أن يغوصوا فيها.
في موسم الغوص تراقب البواخر الحربية الإنجليزية سفن الغواصين في عرض البحر، فإذا ما جنى أحدهم ذنباً أو ارتكب أمراً مخلًا، يجازيه قومندان الباخرة بما يقرره عليه القانون، وكذلك يعاون من يصاب بطوفان أو غرق أو حرق هناك، وقد وقعت المعاونة فعلاً في الطوفان الذي حصل في ليلة الجمعة في 5 من شهر ربيع الآخر سنة 1342، فأنجت الباخرة كثيراً من السفن والنفوس من الهلاك والخطر.
أما السفينة المتعلقة ببنادر شيبكوه والهيرات القريبة من تلك البنادر فهي خارجة من تحت مراقبة البواخر الإنجليزية.
حدود المغاص تبدأ من جزيرة سلامة الواقعة في حدود رؤوس الجبال التابعة لإمارة مسقط إلى بندر الكويت، وكل نقطة من الهيرات لها اسم يخصها، وأغلب الهيرات واقعة في طرف عمان والبحرين.
موسم الغوص يبدأ في سواحل إيران وعمان من أول الجوزاء، وينتهي بأول الميزان، وإذا صادفت هذه البروج شهر رمضان يتأخر الغواصون إلى ما بعده ويبدأ الكويتيون غوصهم من برج الثور إلى انتهاء برج الميزان.
غوص عسير:
أما أهل عسير، فبسبب برودة هواء البحر الذي يعكِّر صفو غوصهم، فإنهم يغادرونه في برج الميزان، ثم يذهبون بسفنهم إلى غوص البحر الأحمر أيضاً، حيث لم يقنعوا بغوصهم هناك تلك المدة، ويسمى غوص البحر الأحمر بغوص عسير.
أما أهل عمان، فيذهبون إلى جزيرة دهلك التابعة لبندر مصوع أحد بنادر الهيئة، إذا ما أرادوا غوص عسير، ويذهب أهل اليمن إلى الحية التابعة لبندر الحديدة، وكثيراً ما يذهبون أيضاً إلى سقطرة وحافور ومرباط وظفار، وبهذا السبب لا يأتي منهم للغوص في الخليج العربي إلا قليل.
سيلان:
وفي سيلان مغاص خاص للؤلؤ أيضاً وفي حدود سنة 1319 هجرية الموافقة 1900م أعطت حكومة إنجلترا امتياز غوص تلك الجهة إلى شركة إنجليزية، بشرط أن تدفع ثلث عائداتها إلى غواصي سيلان.
ويشتد غوص سيلان من أوائل برج الحوت إلى أواسط برج الحمل، ومغاص تلك الجهة واقع في نقطتين؛ الأولى تسمى منار، والثانية تسمى بنكرى.
ونظرا إلى أنَّ أهل سيلان لا يريدون أن يخضعوا لقانون في غوصهم، ويريدون أن تطلق لهم الحرية التامة في ذلك؛ فقد منعتهم حكومة سيلان من الغوص تلك المدة الطويلة.
غوص القحة:
أما أهل دبي بنادر عمان فيذهبون إلى غوص القحة بوزن لجة، ويكون ذلك في أوقات فراغهم؛ أي في موسم الربيع والخريف، ومياه تلك الحدود غير عميقة، ويذهبون إليها في زوارقهم التي هي عبارة عن سفنهم الصغيرة التي يذهبون بها إلى صيد السمك من قواعدهم، ويسلمون لشيخ دبي عشرة ريالات إلى عشرين ريالاً سنويًّا عن كل زورق.
جزيرة دلما:
هذه الجزيرة تابعة لبندر أبوظبي التي كانت إلى أواخر هذه السنة مركزاً، لبيع اللؤلؤ وكان يجتمع فيها أكثر غواصي الخليج العربي، لبيع اللؤلؤ على التجار الذين يأتون إليها من جهات مختلفة، ويأتي كثير من أهل الحرف والمهن من بندر أبوظبي، ويفتحون حوانيت، ويبنون بيوتهم، من جريد النخل، ويبيعون بضائعهم بأغلى ثمن، ويربحون ربحاً عظيماً فيها.
ويبدأ موسم هذه الجزيرة، بكثرة سكانها وعمرانها، من أواخر برج الحمل الموافق 12 إبريل، وينتهي في أواخر برج الميزان الموافق 11 أكتوبر. في ذلك التاريخ، يرجع من فيها من الأجانب إلى أوطانهم، ويبقى فيها سكانها المعروفون. وفيها مياه عذبة من عيونها الجارية هناك، ولكنَّ ماءها ممزوج بالطين، وهذا ما يدع التجار الأجانب يأتون بماء شربهم من الخارج، وترسوا فيها سفن كثيرة لبيع الماء على من فيها من أهلها وسواهم، ولكنه يباع بأثمان باهظة. وتبعد تلك الجزيرة عن أبوظبي في خط مستقيم مائة وعشرين ميلاً.
بنات البحر:
وفي طرف جزيرة دلما جزر أخرى غير مسكونة إلا (العديد) منها، ويسمَّى مجموع تلك الجزر “بنات البحر”، وهي داس، قرنين، زركوة، أرزته، غشه، هبرين ياس، فطايز، مبزر، شراعو، وعديد، وكلها تابعة لجزيرة دلما، وفيما بينها مغاصات اللؤلؤ، ويوجد فيها أكثر من غيرها.
الطواشي:
يسمَّى تجار اللؤلؤ والدلالون طواويش جمع طواشي، ويمكن ابتياع اللؤلؤ في موسم الغوص من ثلاثة أصناف؛ هم النواخذة والطواويش والتجار، وأما في غير موسم الغوص فيوجد اللؤلؤ عند أناس معدودين من الطواويش.