2,857 عدد المشاهدات
مدارات ونقوش (خاص)
تخبرنا المعاجم والقواميس العربية أن النخل يدل على التصفية والانتقاء، فقولنا: نخلت الدقيق، معناه وضعته في وعاء ذي ثقوب حتى يصفَّى الشوائب التي تعتريه. ومنه سمي «المنخل»؛ لأنه أداة النخل، وما خرج منه بعد تلك العملية يقال له «نُخالة».
فما هي الصلة بين تلك المادة اللغوية، وبين شجرة النخيل؟
يبين ابن فارس في كتابه «مقاييس اللغة»، أن سبب تسمية شجرة النخل بهذا الاسم، هو أنها أشرف الشجر؛ فالنخلة شجرة مباركة، جاء ذكرها في القرآن الكريم في واحد وعشرين آية؛ أوراقها لا تسقط أبداً ولا تتبدّل، ولا تحتاج إلى التقليم، وهي معروفة منذ أقدم العصور، وممجدة في الأديان كافة.
وكما أن الله اصطفى الإنسان وفضله على كثير من المخلوقات، كذلك فضل النخلة على الأشجار كافة، فهو تشابه بارز بين الإنسان والنخلة. وهذا ما يجعلنا نفسر تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان المؤمن بالنخلة، ففي الحديث: عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء، لا يسقط ورقها ولا يتحات». فقال القوم: هي شجرة كذا، هي شجرة كذا، فأردت أن أقول: هي النخلة، وأنا غلام شاب فاستحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي النخلة». رواه البخاري.
وقد أفصح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعنى المتقدّم، وهو تشبيه المؤمن بالنخلة في أوجز عبارة، وذلك فيما رواه الطبراني في المعجم الكبير والبزار من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: «مثل المؤمن مثل النخلة ما أخذت منها مِنْ شيء نفعك». والمقصود إلا ونفعك. والنخلة إنما حازت هذه الفضيلة العظيمة بأَنْ جُعلت مثلاً لعبد الله المؤمن؛ لأنَّها أفضلُ الشجر وأحسنُه، وأكثرُه عائدة. ذكر في كتاب «النبات والحيوان» لكمال الدين القاهري، أنّ النخلة تتشابه مع الإنسان في كثير من النواحي؛ إذ لها جذع منتصب كالإنسان، وهي أنثى وذكر أيضاً، ويجب أن تلقّح حتى تثمر، وإنّ النخلة أيضاً تتشابه مع الإنسان بأنّها في حال قطع رأسها فإنّها تموت، وتهلك إذا أصابها لبّها صدمة، ولا ينبت لسعفها بديل إذا نزع، والليف المغطي ساقها كالشعر من جسم الإنسان.